Al-Anbaa

تفجير »الأمن القومي« ترك النظام السوري بلا أطراف وبرأس جريح.. بداية نهاية »نظام الأسد« أم نهاية الحل السياسي؟!

-

بيروت: المكان: مبنى جهاز الأمن القومي ـ دمشق. منطقة الروضة في حي أبو رمانة حيث توجد مقرات أمنية وسفارات بينها السفارة الأميركية داخل مربع أمني وحماية مشددة. الزمان: الأربعاء ١٨ يوليو ٢٠١٢ الذي دخل الأزمة السورية كـ »يوم مفصلي« ما بعده لن يكون مثل ما قبله. الموضوع: اجتماع خلية الأزمة في سورية للبحث في التطورات الأمنية المباغتة في دمشق. خلية الأزمة هذه مكلفة بإدارة الأزمة والتخطيط الأمني والعسكري لمسارها، وهي تعتبر بمثابة »مركز القرار والرأس الأمني للنظام «، يرأسها اللواء حسن توركماني (معاون الرئيس) وتضم كلا من: وزير الدفاع اللواء داوود راجحة، ووزير الداخلية اللواء محمد الشعار، ونائب رئيس هيئة الأركان الرجل الأقوى في النظام (بعد ماهر الأسد) العماد آصف شوكت، ورئيس جهاز الأمن القومي اللواء هشام بختيار، ومدير أمن الدولة اللواء علي مملوك، ورئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء عبد الفتاح قدسية، ورئيس شعبة المخابرات الجوية اللواء جميل الحسن، ورئيس شعبة الأمن السياسي اللواء محمد زيتون. (المسؤولون الأربعة الأخيرون المملوك وقدسية والحسن وزيتون لم يحضروا الاجتماع). وهذه الخلية يشارك في اجتماعاتها المهمة العميد ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري وقائد الفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري، وكانت تعقد اجتماعاتها في أحيان كثيرة في القصر الجمهوري (قصر الشعب) برئاسة الرئيس بشار الأسد. لم يمض وقت قليل على بداية الاجتماع حتى حصل انفجار أصاب كل المشاركين فيه، فقتل على الفور راجحة وشوكت وتوركماني، وتضاربت المعلومات بشأن الشعار الذي تردد أنه توفي في المستشفى متأثرا بجراحه، وبختيار الذي قيل إنه مازال على قيد الحياة ولكنه أصيب إصابات خطيرة بترت رجله وساقه. غموض كثيف أحاط بهذا الانفجار النوعي والغامض. فقد سارعت وتسابقت لتبنيه كل من »لواء الإسلام« و» كتائب الصحابة« و» الجيش السوري الحر« ، كما تضاربت الروايات بشأن كيفية حصول التفجير وهذا الاختراق الأمني الخطير. لوهلة أولى ساد اعتقاد أن التفجير نجم عن سيارة مفخخة يقودها انتحاري أسوة بتفجيرات أخرى شهدتها دمشق في الأسابيع والأشهر الماضية، ولكن الانفجار حصل في داخل المبنى وأشارت معلومات أولية الى ٣ »سيناريوهات ـ احتمالات« : ٭ مرافق لإحدى الشخصيات الأمنية البارزة (محمد الشعار) أدخل حقيبة تفجيرات الى المبنى أو أنه فجر نفسه بحزام ناسف في قاعة مجاورة للقاعة التي كان يعقد فيها الاجتماع. ٭ تفخيخ سقف قاعة الاجتماع أو براد مياه موجود في نفس الطابق بعبوة ليست كبيرة وشديدة الانفجار (٤ C( بدليل أنه لم يسمع صوت الانفجار في منطقة الروضة. ٭ إدخال مواد متفجرة وعلى دفعات الى داخل المبنى وجرى تمريرها على أنها مواد غذائية عبر عاملين داخل المبنى على علاقة مع مجموعة من الجيش السوري الحر كان أفرادها خدموا في هذا المركز قبل انشقاقهم. وعلى هامش هذه المعلومات والتقارير التي لا يمكن تأكيد أي منها، طرح في التداول احتمال آخر لم يصمد طويلا وسحب لهشاشته وركاكته و» عدم منطقيته وواقعيته« وهو أن يكون التفجير عملية تصفية من جانب قسم من قيادة النظام لقسم آخر كان يعد لعملية انقلاب عسكري بعد وصول المعارك الى دمشق. بدليل أن قادة أمنيين بارزين غابوا عن الاجتماع، وهم أعضاء في خلية الأزمة. السؤال المركزي الذي طرح فور الإعلان عن تفجير »الأمن القومي« في دمشق: أي وضع سينشأ بعد هذا الحدث الكبير؟! وكيف ستكون نتائجه وتداعياته على وضع النظام والقيادة؟! هل سيكون بداية نهاية لنظام الأسد، أم بداية الانزلاق السريع والدراماتي­كي الى الفوضى والحرب الأهلية والتقسيم ومعركة الحسم؟! يتفق معظم المراقبين في تقييمهم لـ »تفجير الأمن القومي« على النقاط التالية: ٭ التفجير هو اختراق أمني كبير وخطير في بنية النظام السوري الذي طالما عرف بأنه نظام أمني حديدي من الصعب اختراقه. ولكن حصل الآن اختراق على مستويات عليا وبات النظام غير قادر على حماية »أمنه وقادته« . ٭ التفجير وجه ضربة موجعة للنظام وللرئيس بشار الأسد لأنه أصاب »القيادة العسكرية الأمنية العليا« ليغدو النظام مثل جسم من دون أذرع وبرأس جريح. ٭ التفجير »حدث مفصلي« و» منعطف حاسم« و» نقطة تحول« في مجرى الأحداث، لا بل هو التحول الأبرز والحدث الأخطر منذ اندلاع الأحداث. هناك شبه إجماع على أن الأزمة السورية دخلت مرحلة جديدة ستكون مختلفة عن سابقتها. ولكن ثمة تباين واختلاف في التقديرات والتوقعات بشأن هذه المرحلة وتطور الوضع في سورية من الآن فصاعدا: ١ ـ ثمة تقدير بأن التفجير الذي أطاح بالقيادة العسكرية الأمنية وضع الرئيس بشار الأسد في موقف حرج وضيق عليه الخناق، خصوصا انه ترافق مع وصول المواجهات المسلحة الى العاصمة دمشق التي تعيش »حالة حرب« ، ومع اتساع حركة الانشقاقات والتمرد في صفوف الضباط والعسكريين. في هذا التقدير ان اغتيال هذه المجموعة القيادية يعادل اغتيال الرئيس السوري ويضعه في دائرة الخطر، وأن تفجير دمشق يماثل في ظروفه ونتائجه تفجير صنعاء الذي حصل في قصر الرئيس اليمني ونجا منه بأعجوبة ليقضي على نخبة من كبار المسؤولين والمساعدين، وكان من نتائج انفجار صنعاء أن جرى تسريع وتيرة الحل السياسي (على أساس المبادرة الخليجية) وأن تحول الرئيس علي عبدلله صالح الى خيار المفاوضات والبحث في التنازل عن السلطة على قاعدة الخروج الآمن من الحكم. ٢ ـ ثمة تقدير آخر معاكس بأن الوضع في سورية دخل مرحلة جديدة من الصراع الذي سيكون على درجة أعنف من المواجهات وستسيل دماء غزيرة وتجنح الأوضاع في اتجاهات الفوضى الخارجة عن السيطرة. في هذه التقديرات أن الجيش النظامي الذي تلقى ضربة موجعة جدا ليس أمامه إلا الرد بطريقة أكثر إيلاما لحفظ معنوياته وإبقاء المبادرة على الأرض في يده. وأن الجيش السوري الحر سيبادر وتحت قوة دفع معنوي الى تكثيف هجماته والمضي في معركة دمشق والرهان على انهيار معنوي في جيش النظام وحصول انشقاقات واسعة. ٣ ـ ثمة اعتقاد سائد بأن هذا التفجير أعاد خلط الأوراق في الداخل والخارج وستكون النتيجة إطاحة ما تبقى من مقومات وظروف الحل السياسي. فهذا التفجير الأمني ينطوي في أبعاده على رسالة سياسية بعثت بها الجهة التي تقف وراءه وفحواها أن لا حوار مع النظام وتحت سقفه ولا مكان للرئيس بشار الأسد في أي تسوية وعملية انتقالية أو في أي معادلة مستقبلية. وسيدفع طرفي الصراع الى التشدد أكثر في معركة حياة أو موت لا رجوع فيها الى الوراء ودخلت مراحل متقدمة حاسمة ونهائية. وفي الخارج وتحديدا في مجلس الأمن ستشتد المواجهة بين المحور الروسي الذي أربكه هذا التفجير والمحور الأميركي الذي يعتبر أن التطورات الجارية في دمشق تعزز الدعوة الى رحيل الأسد مع دخول النظام مرحلة »العد العكسي « والمضي في مشروع قرار جديد تحت الفصل السابع توطئة لتدخل دولي ستفرضه التطورات الآتية. كما يعتبر الأميركيون أن هذه التطورات أضعفت موقع روسيا التفاوضي وستدفعها الى إعادة النظر في موقفها، وخدمت الخطة الأميركية التي تنص على سقوط النظام السوري من الداخل من دون الحاجة الى تدخل عسكري خارجي ومن دون دفع أي ثمن لموسكو.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait