Al-Anbaa

لا يلبس ثوباً أحمر إلا مظلوم

-

مشاعر فقدان الأمن النفسي والاجتماعي تصاعدت في مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة وتنامت، وهي مرشحة لترسخ حالة واقعية لفقدان الأمن المدني لجميع جوانب حياتنا إذا لم نباشر تصاعدها والروافد التي تغذيها بالتصدي لأسبابها وجذورها الفعلية والمتعددة، لقد كشفت الإحصائية الرسمية الصادرة عن الإدارة العامة للأدلة الجنائية في الكويت أن أكثر من ١٧ جريمة متنوعة تحدث في الكويت كل يوم منذ بداية عام ٢٠١٢م، وارتفع عدد الجرائم بشكل كبير وبنسبة ٦٨٪ عن عام ٢٠١١ . وقد نشر الإعلام المقروء تعليق نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء وعضو المحكمة الدستورية المستشار فيصل المرشد على نسبة الزيادة الكبيرة هذه والذي قرر فيه أن هذه الزيادة ليست طبيعية بل خطرة، وأشار فيه إلى ان المجتمع الكويتي يحتاج مؤتمرا وطنيا لدراسة أسباب ارتفاع معدل القضايا في المجتمع. أي دراسة تتصدى لظاهرة تنامي العنف لابد وأنها ستنظر في منابع نشوئه وبنائه في محيط القيم السائدة والمستجدة وأنماط السلوك التي تعكسها، أما ما هي حقول صناعة القيم والسلوكيات؟ إنها بيئة الأسرة والمدرسة والبيئة المجتمعية والبيئة السياسية. على مستوى الإشارة في مجال القيم هناك مكامن للعنف في ثقافة بعض المواطنين تغلب منظور تعزيز القوة في الشخصية في توجيه الأبناء بالعنف اللفظي والبدني تجاه الآخرين حينما يتصورون الخطأ والأذى قد انصب عليهم منهم، وهذه الثقافة تعتبر التسامح وحسن الخلق ضعفا وهوانا لا تستحسن أن يتربى النشء عليها إذ أنها ستكون سببا لضياع الحقوق. هذه الثقافة قد تغذت بكثافة بواقع هتك القانون من قبل الكثيرين الذين يفلتون من العقاب بتوسط بعض المتنفذين ممن يعطلون تطبيق القانون ويعززون السلوك الإجرامي، الذي أصبح يطول رجال الأمن بالاعتداء عليهم كنتيجة طبيعية لمسلك إضعاف سيادة القانون والمرجعية الأمنية. وأيضا على مستوى القيم المستجدة في مجتمعنا »التنازع على المال «، إذ أوضح المستشار فيصل المرشد من خلال طبيعة القضايا التي تردهم في المحاكم أن القضايا المالية من أكبر العوامل التي تفتت كيان الأسر وبين أن التسامح عند المواطن الكويتي قد انخفض الى مستوى الصفر، أما في مجال البيئة المجتمعية فالمؤشر الأبرز هو إلغاء الآخر ومعاداته بمظاهر العنف اللفظي والتخوين، وممارسات الإقصاء الفعلي والعنف اليدوي وعلى نفس المنحى قد اتسمت الممارسات السياسية فخلقت بيئة سياسية عنيفة ومحبطة وذات انعكاسات سيئة في وجدان جيل الشباب وسائر المواطنين. انعدام قيمة العدل في التعامل مع الآخر سواء على مستوى الأسرة في تربيتها لأبنائها، وانعدامها على المستوى الاجتماعي العام والسياسي في توفير تكافؤ الفرص وتوزيع الثروة عوامل يغذي بعضها بعضا في تصاعد العنف وانفلات الأمن وتمزق المجتمع. يذكر أن أحد ملوك الصين قد فقد سمعه ولم يعد يسمع ما يدور حوله من كلام، وتألم لذلك كثيرا وبكى بكاء شديدا، فظن جلساؤه أنه يبكي لمجرد فقدانه حاسة السمع، فصبروه وذكروه بكونه لا يكترث للنوائب فقال لهم: ليس كما تظنون، فأنا لا أبكي للبلوى التي نزلت بي، فذلك حكم الله وأنا به راض، لكنني أتألم لمظلوم يئن فلا أسمع أنينه. وأضاف: ومع هذا، فلئن ذهب سمعي، فلم يذهب بصري، نادوا في الناس ألا يلبس ثوبا أحمر إلا مظلوم، فاستجابوا، وحكم بينهم بالعدل كما كان يحكم أيام كان سمعه سليما.فيا أيها الآباء والمربون والساسة وأصحاب القرار والحكم في أي موقع من مواقع إدارة البلاد كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كما بين نبي العدل والرحمة صلى الله عليه وآله وسلم، انظروا إلى من ألبسهم الظلم الواقع عليهم وفقدان العدالة والإنصاف ثوبا أحمر وانظروا إلى كويت التسامح والخير وقد اكتست بالثوب الأحمر وسارعوا للإنصاف.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait