Al-Anbaa

ابن مسفر لـ »الأنباء «: لو كنت مسؤولاً لألزمت الزوجين باجتياز دورة في الحياة الزوجية قبل العقد لتقليل نسب الطلاق

أكد أن حسن اختيار ذي الدين وذات الدين الأساس الأول لبناء واستمرار الأسرة المسلمة

-

ما منزلة الأسرة في الإسلام، وما أسس بنائها السليم؟ ٭ الأســـرة هي اللبنة الأولى من لبنات المجتمع، ولذلك ترى كيف حرص الإســـلام حرصا كبيرا عليها، فدعا إلى تأسيسها على أسس وقواعد متينة حتى لا تنهار، لأن انهيار الأســـرة يعني انهيار المجتمع وذهاب الأجيال، ومن ثم وقوع المشاكل وحدوث الكوارث فيه.

الإســـلام بنى الأسرة على أســـس، منهـــا أولا: حســـن الاختيـــا­ر، وهـــو يأتي كأول خطـــوة يخطوها الإنســـان في إقامة الأســـرة، لأن حسن الاختيار يعين على استمرارية الحياة الزوجية، كما أن الخطأ فيه يؤدي إلى انهيار الأسرة.

ومن حسن الاختيار أولا: اختيار ذات الدين،، قال رسولنا ژ »تنكـــح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك «، وقـــال أيضـــا »إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير «، وهذا الدين هو نوع من الأمان والأمانة، فمن لا يخاف الله لا تســـتطيع أن تأمنه على زوج أو زوجة.

المظهر كالعنوان

هل يفهم أن صاحب وصاحبة الدين هما خريجا كلية الشريعة مثلا؟ ٭ لا، الدين ليس مجرد شكل، ولا شهادة، ولكن الدين عقيدة وسلوك وعبادة، قد لا يظهر من شخص علامات تدين، لكن حين تختبره أو تتعامل معه تجد عنده العقيدة الصافية، والعبادة الخالصة، والأخلاق الفاضلـــة، وهذا هـــو الدين، بعضهم يقول: هذا شاب ملتزم، فتسأله كيف عرفت عنه ذلك؟ فيجيب بـــأن له لحية وثوبه قصير، فهـــل هذا هو الالتزام الحقيقي؟ لا، هذا مظهر الالتزام فقط، وإنما حقيقة الالتزام غير ذلك.

أما مظاهر التدين الخارجية فهي تأتي مكملة للتدين والدين، هي كالعنـــوا­ن على الظرف، الظرف الذي به مليون دينار قد يأخذه أحدهم فيمزقه وهو لا يدري ما في داخله، لكن لو جعل للظرف إشارة وعنوان لما فيه لمـــا مزق، إذن فالقيمة للمليـــون وليس للإشـــارة والعنوان، وكذلك المظهر في الإسلام فهو للدلالة على الباطن، ولو كان الباطن خبيثا والظاهر فيه علامة تدين واستقامة فإن هذا الظاهر لا يغني شيئا، بل هو جزء من المخادعة والكذب على الناس، وصاحبها مذموم، ولذلـــك أحيانا قد تجد بعض طـــلاب الكليـــات التطبيقية ككلية الطب أو الهندســـة أو الطيران هم أتقى الناس مقارنة بالكليات الشرعية، فالمسألة مسألة عقيدة وإيمان.

علامات الصلاح

إذن كيف يمكن أن نتحقق من دين الرجل والمرأة؟ ٭ بوســـائل، أولا: الصـــلاة

لم نسمع أن أمهاتنا الأوليات متن من الجوع.. بينما في عصر وظائف النساء بدأنا سماع موتهن من حوادث الطرق الدين ليس مجرد شكل ولا شهادة بل عقيدة وسلوك.. يعرف بعلامات كالمحافظة على الصلاة لابد أن تبنى الأسرة على رضا وقناعة تامة من الطرفين.. ومنع نظر الخاطب للمخطوبة معارض للسنة

في المســـجد، فإذا كان يصلي في المســـجد فهذا يدل إن شاء الله على أن فيـــه خيرا، فإن قطـــع العلاقة بـــالله، وقطع الصلة بالمساجد، فهذا مؤشر خطير.

أيضا تناول أحد الخطيبين شيئا من الأمور المنكرة، كتناول المخدرات أو الخمور أو الدخان فهذا مؤشر خطير ايضا، لأنه لا يمكن أن يتعاطى هذه الأمور إنسان فيه عقل ودين، وكذلك بسؤال أصدقائه وجيرانه عن أخلاقـــه وصدقـــه وحلمه أو سرعة غضبه.

وهنا ملاحظـــة، علينا ألا نبتغي الكمال، وإنما القضية قضية نسبية، والتدين النسبي يرجع إلى الوضع الاجتماعي القائم، فمثلا نحن في مجتمع ليس أغلبيته متدينة، بل هم أقليـــة، لذلك تجد أن بعضهم يضع شروطا خيالية وإن كان ظاهرها الصـــلاح في قضية صاحب وصاحبة الدين، كما تجد بعضهم يركز على الظاهر فقط كما أسلفنا.

انظر إليها

مجتمعاتنا الخليجية وخاصة القبلية المحافظة تمنع من رؤية الخاطب للمخطوبة في أحيان كثيرة، فما نصيحتكم لهم؟ ٭ من أسس بناء الأسرة أيضا حســـن الاختيار في الجمال، اختيار الزوجة ليســـت مثل الحبـــب »الرقيـــة « تفتحها فتلاقيها حمـــراء، أو تلاقيها بيضاء فترميها، بل هذه حياة ومستقبل ومسؤولية.

فالذي يمنع رؤية الخاطب من رؤية المخطوبة فإنه يعارض السنة، فعن المغيرة بن شعبة، قال: خطبت جارية من الأنصار، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي : »رأيتها « فقلت: لا، قـــال : »فانظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما «، إذن فلابـــد أن تكـــون الحياة الزوجية مبنيــــة على رضا

وقناعة تامة من الطرفين.

طلقها من الغد

بحكم كونك مأذون شرعي، هل لديك قصص واقعية تدعم أهمية رؤية الخاطب للمخطوبة؟ ٭ ســـألت ذات مـــرة في عقد زواج وقلت للخاطب هل رأيت المخطوبة، ومثل هذا الســـؤال مطلوب، فإنه لو قال: ما رأيتها، فإني لا أعقد له، فنظر الشاب إلى أبيه، وقال أبوه: نعم رآها، فأعدت الســـؤال على الشاب: هل رأيتها فقـــال نعم كما قال والدي، ثم قلت: وهل أنت موافق عليها؟ فقال: نعم، ثم ســـألت أبو المخطوبة: هل هي موافقة عليـــه؟ فقال: نعـــم، فأجريت حينها العقـــد، ثم فوجئت في صلاة الفجر من اليوم الثاني، فإذا بذلك الشاب يسلمني ورقة فيها طلاقـــه لزوجته، ويقول: أرجـــو أن توصلهـــا لوالدي، فأنا لا أستطيع أن أوصلها له، والدي هو الذي ألزمني أن أتزوج هذه الفتاة، وكنت طالبته بأن أراها قبل عقد الزواج، فقال: لا، ولن تتزوج إلا هي، وإذا تريد رضاي عنـــك فاقبل بها، وبعد انتهاء العقد وتناول العشـــاء وخروج الضيوف، دخلت مع أبي على البنت، وحين رأيتها صدمت يا شـــيخ، فليس فيها ما يؤهلها لتكون زوجة لي أو شريكة في حياتي، أنا لا أطلب المستحيل، بل أطلب المقبول، فخشيت إن استمر الزواج أن أظلمها، وتخيل أنني لم أستطع أن أجلس معها، فضلا من أن أنام معها أو أعاشرها، فاستخرت الله وطلقتها، وقل لأبي اني لا أريد زواجا آخر بهذا الشـــكل، أريد زواجـــا يقوم على قناعة واختيار، لأن من سيكون زوجا للفتاة هو أنـــا وليس والدي، وإذا والـــدي يريد الزواج فهو من يختار، أما أن يختار لي فلا، فأنا رجل ولي اختياري الذي يناسبني ويقنعني.

وللمرأة حق

وللمرأة حق رؤية الخاطب أيضا، والموافقة عليه أو رفضه كالرجل، أليس كذلك؟ ٭ بلـــى، حتـــى البنـــت قد لا يناسبها ذلك الخاطب، ولذلك إذا صرحت وقالت: لا أريده فلا يجوز لوليها أن يزوجها، أما إذا كانت بكرا وسكتت، فإن سكوتها رضاها، كذلك لو تكلمت بإيجاب أو ابتسمت، أما الثيب (المتزوجة ســـلفا) فإنها تُستأمر، أي لابد أن تستأذن، وتتكلم، لأنها أكثر خبرة وجرأة من البكر.

وهنـــا وقفة حول حســـن الاختيـــا­ر فـــي الجمـــال، فإن الجمال شـــيء نسبي، فبعض الشـــباب هداه الله يرسم في خياله وذهنه صورة لزوجته مثالية، اقتبســـها وبناها من وسائل الإعلام، يشاهد المذيعة والراقصة والممثلة فيريد زوجة مثلها، ثم يبدأ يبحث في فتيات مجتمعه فلا يجد، وإذا أصررت علـــى صورة زوجة بحســـب خيالات في عقلـــك، فالأفضل لك أن تذهب لمصنع بمقاسات وطول وعرض ومتن ووزن حتى يأتوك بتلك الصورة.

كما أنه قد يطالب بجميلة وهو بنفسه غير جميل، فتجد بعضهم نسبة الجمال فيه ٢٠ ٪ ويبحث عن زوجة جميلة ١٠٠ ،٪ ألا يعلم أن الجميلة أيضا تريد جميلا مثلها، فأقول: أيه الشاب، انظر إلى نسبة جمالك، وابحث عن مثلك، فإن التكافؤ بالجمال مطلوب أيضا، لا تأخذ واحدة ذميمة، ولا تأخذ واحدة جميلة جدا، لأنها هي أيضا قد تطرف عينها عنك إن لم تكن تكافئها في الجمال، وتبحث عن مثلها فتقع بالخيانة الزوجية، وتجلب لك الكارثة، فإذا كانت مثلك أو أدنى منك فإنهـــا تقنع بك، وتحبك، وترى أنها ربحت معك.

الشاهد في الموضوع هو أن نراعي كون الجمال نسبيا، فلا تطلب محالا واطلب المقبول:

ليس الجمال بأصباغ تزينها إن الجمال جمال الدين والأدب

فكم من امـــرأة جميلة في شكلها لكنها قبيحة في أخلاقها ودينها وتعاملها وأدبها، وكم من امرأة مقبولة في شـــكلها وجمالها لكنـــك تضعها فوق رأسك لما فيها من أدب وفضل ودين وأمانة، فابحث عن ذات الدين تربت يداك. وهل لسن الزوجين علاقة في نجاح الزواج؟ ٭ التكافؤ في الســـن مطلوب كذلك، وأعني التكافؤ النسبي بألا يكون الفارق كبيرا جدا، فلا يتجاوز ١٠ أو ١٥ سنة. وما رأي فضيلتكم في مطالبة البعض بمنع زواج الفتيات دون سن العشرين؟ ٭ حصـــره فوق العشـــرين سنة لا، وكذلك تزويج الفتاة تحت ســـن البلوغ لا، وإنما ما بعد البلوغ، والبلوغ بالنسبة للمـــرأة هو النضـــج، فالبنت زهـــرة وثمـــرة، ولذلك تزوج عند النضـــج، وعلامة النضج الحيض، التي تبين أنها قابلة للإنجاب وللحيـــاة الزوجية، ومع الأســـف أن بعضهم يبيع بنته منذ صغرها قبل البلوغ وكأنها سلعة.

حالات فريدة شاذة

وهل يمكن وصفها بظاهرة كما تصورها بعض وسائل الإعلام؟ ٭ لا، ليســـت ظاهـــرة، وإنما هي حـــالات فردية قد تقع في المجتمعـــ­ات البدائية، بخلاف المجتمعات المتحضرة والواعية، وكذلك لا يعني بلوغ البنت هو التحريج عليها لتزويجها، أو أن نقبل أي أحد بمجرد التقدم لها، بل علينـــا أن نتروى ونتريث حتى وصول المقبول.

اجتياز دورات التأهيل

لو كنت مسؤولا فكيف يمكنك أن تعالج أزمة ارتفاع معدلات الطلاق؟ ٭ لو كنت مســـؤولا لألزمت جميـــع مأذونـــي الأنكحة ألا يصدقوا عقد نكاح (زواج) إلا بعد وجود شهادة تثبت تأهيل الزوج والزوجة، واجتيازهما الدورة بنجاح، لأنها وســـيلة تقلل من نسب الطلاق، فنسب الطلاق حاليـــا في مجتمعاتنا مرتفعة، وفي الخليج خاصة مع مقارنتها بدول عربية أخرى، نتيجة الثراء.

وقد أقامت بعض المؤسسات الخيرية فـــي المملكة العربية الســـعودي­ة، والكويت وقطر أيضا، دورات توجيهية للزوج والزوجة قبل الزواج، لكنها غير إلزامية، مدتها أسبوع أو ٥ أيام، يبين لهمـــا أولا: حقوق الزوج وحقوق الزوجة، ثانيا: طرق علاج المشـــاكل الأسرية، لأنها قد تقع مشاكل صغيرة يمكن حلها والقضاء عليها في مهدها لكن بسبب الجهل والطيش قد تتطور المشكلة وتكبر وتقضي على الأسرة سريعا.

يرسخ في أذهان الزوجين أهمية الصبـــر، فعامل الوقت مطلوب، والإحصاءات توضح أن أعلى نســـبة طلاق تقع في الســـنوات الأولى من الزواج، لماذا؟ لأنهما لم يعطيا نفسيهما فرصة للفهم، فهذا شريك حياة، قد يكون مختلفا معك اختلافا كليا في طريقة وأسلوب حياتك ومنهج تفكيرك وأخلاقك، بينما بالامتزاج والصبر يحصل بإذن الله التقارب.

المرأة والوظيفة

وظيفة المرأة وراتبها العنصر الأبرز في قضايا الخلاف في الأسرة، فما توجيهك في ظل اطلاعك؟ ٭ الله ألـــزم كل طـــرف مـــن الزوجين بمســـؤولي­ة تخصه، فألزم الزوج بالإنفاق، الذي هو عامل من عوامل قيادة الأسرة، ولذلك الله تعالى يقول (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)، فمن يصرف هو من له القرار، في حين أنه ســـبحانه ألزم المرأة بواجبات أخـــرى، كواجبـــات الحمـــل، والإرضاع، والتربية، والقيام بالواجبـــ­ات المنزليـــ­ة خدمة للزوج، ولذلك غير صحيح أن يظن أنه لا يجب على الزوجة خدمـــة زوجها، فها هي فاطمة بنت الرسول ژ، ورضي عنها، من النساء الكمل، كانت تخدم زوجها علي.

فعن علـــي ے: أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي ژ تسأله خادما فلم تجده ووجدت عائشـــة فأخبرتها، قال علي: فجاءنا النبـــي ژ وقد أخذنا مضاجعنا فقال : »ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فإنه خير لكما مـــن خادم « قال علي: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله ژ. قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين، يقول ابن القيم فيما معنـــاه (هذا الذكر لـــه تأثير من لـــه عمل مهني، إذا نام علـــى هذه الأذكار أمده الله بالقوة). بينما عندنا في مجتمعاتنا الأمور انعكســـت، وصارت المرأة تطالب بوظيفة، وأنا لدي دراسة تؤكد أن أكثر حالات الطلاق وتفكك الأسر تقع مع المـــرأة الموظفة، لماذا؟ لأنها ترى أنها ند وقرين للرجل، فأي زعل منه أو خطأ، تلجأ إلى خيار الطلاق والفـــراق، بينما المرأة غير الموظفة تشعر بالحاجة، والتحتية، مصداق قوله تعالى (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحـــين)، فالتحتية منزلة تشعر بمرتبة الزوج العالية، ولذلك تظل الزوجة دائما حوله، وتعفو عنه، وتطيعه بخلاف لو كان لها راتب مثله أو أعلى منه.

إذن فالمـــرأة ينبغي عليها ألا تحرص على الوظيفة، فهي ليست ضرورية لها، فلقد عاشت النساء والأمهات الأوليات بدون رواتب، ولم نسمع أن أحدهن ماتـــت من الجوع، بل ما ماتت النســـاء إلا في عهد الوظائف، في حوادث السيارات، حتى أن بعضهن يقطعن نحو ٣٠٠ كم ذهابا وإيابا يوميا إلى الوظيفة، لكن إن وجـــدت الوظيفة في مجال تعليمي لا اختلاط فيه، ولا معصية، وقريب من البيت، واستعانت بها على طاعة الله، فتعاونت مع زوجها لتحمل عنه بعض أعباء الحياة، وسخرت راتبها لتقوية علاقتها الزوجية والأسرية دون تقصير بواجبات البيت من تربيـــة ورعاية فلا بأس.

 ??  ?? د.سعيد بن مسفر القحطاني
د.سعيد بن مسفر القحطاني
 ??  ?? د.سعيد القحطاني متحدثا الى الزميل ضاري المطيري
(هاني عبدالله)
د.سعيد القحطاني متحدثا الى الزميل ضاري المطيري (هاني عبدالله)

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait