Al-Anbaa

»التربية « تعاقب المتفوقين!

- comhotmail. Mosaad0122@ مسعد حسني عبدالمقصود

للتشجيع مفعول السحر في دفع الإنسان إلى بذل المزيد من الجهد، واستثمار كل إمكانياته لتحقيق أفضل النتائج في مجال عمله أو دراسته، كما أنه يشعر الفرد بمدى أهمية ما حققه من إنجازات، حتى ولو كانت بسيطة، ويعزز ثقته بنفسه، ويحرك ما لديه من مهارات وقدرات قد تكون كامنة. المؤسسات الكبرى تراعي هذه الأمور فتصرف المكافآت وتكرم الموظفين المثاليين وتمنحهم الكثير من المميزات، وتنشر صورهم في وسائل الإعلام عرفانا بجهودهم وفي الوقت ذاته لبث روح التنافس في نفوس زملائهم. أما في الحقل التعليمي فإن التربويين يدركون هذه الحقائق أكثر من غيرهم، لذلك يلجأون كثيرا إلى أسلوب التشجيع لحث طلابهم على الاستيعاب والتفوق، خصوصا أن بناء العقول يحتاج إلى نفسية متشوقة للمعلومة، وروح تواقة للاستزادة من المعرفة. وتوافقا مع هذه الرؤية التربوية السديدة تسارع المدارس خلال هذه الأيام إلى تنظيم حفلات لتكريم المتفوقين والمتفوقات، بعد جهودهم الكبيرة التي بذلوها على مدار العام وتحقيقهم نتائج متميزة في اختبارات الفصل الأول، فتحفزهم لمواصلة مشوار التفوق، ورفع راية الوطن باعتبارهم أمل الأمة وسلاحها الحقيقي في عالم تحكمه ثورة تكنولوجية هائلة لا تتوقف عجلتها عن الدوران. وفي ظل هذه الصورة الناصعة تظهر لنا صورة تناقضها تماما، صورة قاتمة تدعو للأسى، وتثير الأحزان، هذه الصورة السوداء ترسمها بعض المدارس الخاصة التي تتاجر بالمتفوقين وتحولهم إلى سلعة رخيصة ومجال خصب للابتزاز والتكسب المادي، هذه المدارس تضع الطالب وولي أمرة أمام خيارين كلاهما مر، فإما أن يقدم مقابل تفوقه ويدفع ثمن شهادة ودرع التكريم أو أن يتعرض الطالب المتفوق للانكسار والانهزام بين زملائه، حيث سينظرون إليه على أنه »فاشل « عندما لا يجدونه واقفا بينهم في طابور المتفوقين ليتسلم درعه، رغم أنه قد يكون متفوقا على الكثيرين منهم. بعض المدارس تتفنن في ابتزاز أولياء الأمور تحت ستار تكريم المتفوقين بتسعيرة ملتهبة كالتهاب أسعار السلع الاستهلاكي­ة في هذه الأيام، ويتراوح سعر شهادة التكريم بين ٤ و١٥ دينارا ويتفاوت بين مدرسة وأخرى، رغم أن أفخم درع لا يتعدى سعرها الدينار الواحد. هذه المدارس تحمل الطلاب المتفوقين تكاليف الزينات المبهرة، وقوالب الحلوى الفخمة، وعلب الشيكولاتة المستورة ودروع التكريم المتعددة التي تقدمها لضيوفها من قيادات التربية وشخصيات الـ P I V، التي تحضر الحفل. كما أنها تحملهم لزوم الدعاية الفاخرة فئة الـ ١٠ نجوم بين الأهالي والمقيمين على أنها مدرسة متميزة بها مئات المتفوقين. السؤال الذي يطرح نفسه على قيادات التربية: أين القيمة التربوية التي سنجنيها من وراء التكريم إذا كان الطفل قد دفع بيده ثمن تكريمه؟! كيف تسمحون بهذا التمييز الصارخ إذا عجز أو رفض ولي الأمر الخضوع لهذا الابتزاز؟! وكيف تتركون مجالا لانكسار الطالب المتفوق إذا لم يجد المكافأة ولم يحصل على التكريم مثل نظرائه لسبب أن أسرته بالكاد تدفع الرسوم المحددة؟! القضية لها أبعاد تربوية ونفسية ومادية كثيرة نطرحها أمام المسؤولين، وبالتأكيد لن يحتاجوا إلى عناء كبير للوصول إلى جميع تفاصيلها، إن أرادت، وتحديد أسماء المدارس المتورطة فيها وكذلك أوجه نفقات المبالغ التي يجمعونها تحت غطاء تكريم المتفوقين. قبل الختام: أمر مضحك حقا أن يدفع المتفوق ثمن تكريمه!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait