Al-Anbaa

فلنجعل من رحلة الإسراء والمعراج منهجاً ربانياً متكاملاً لحياة أفضل

-

كلما جاء شـــهر رجب من كل عام نعيش معجزة الإسراء والمعراج، وهي معجزة فريدة فـــي التاريخ لنبـــي فريد بين الأنبيـــا­ء. وبعد أيـــام قليلة تأتي ذكرى الإسراء والمعراج، وبهذه المناسبة نستطلع آراء العلماء حول المفهوم الشامل لهذه الرحلة والعبر والدروس المستفادة منها:

يقول رئيس لجنة الفردوس فـــي جمعيـــة إحيـــاء التراث الإسلامي سعود المطيري:

لقد كانت معجزة الإسراء والمعراج من أجـــل المعجزات وأعظـــم الآيات التـــي تفضل بها المولى سبحانه على نبيه ومصطفاه محمد ژ، حدثت فيهـــا فيها مشـــاهد عظيمات وآيات باهرات يتعلم منها المسلم الـــدروس والعبر والتي منها: الثبات على الحق والتزام المبدأ، حيث يتضح ذلك من المشـــهد الذي رآه النبي ژ لماشطة ابنة فرعون، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله ژ: »لما كان الليلة التي أسري بي فيها أتت علي رائحة طيبة فقلت يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة فقال هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها.

قال قلت وما شأنها قال بينا هي تمشـــط ابنة فرعون ذات يوم إذ سقطت المدري من يديها فقالت: بسم الله. فقالت لها ابنة فرعون أبى قالت لا ولكن ربى ورب أبيك الله. قالت: أخبره بذلك قالت نعم.

فأخبرته فدعاهـــا فقال يا فلانة وإن لك ربا غيري قالت نعم ربـــى وربـــك الله. فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها قالت له إن لي إليك حاجة. قال: ومـــا حاجتك قالت أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثـــوب واحد وتدفننا. قال: ذلـــك لك علينا من الحق. قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحدا واحدا إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لهـــا مرضع وكأنها تقاعســـت من أجله قال يا أمه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت «.

درس في الصلاة

أهمية الصلاة ومنزلتها في الإسلام:

وذلـــك أن الصـــلاة هـــي الفريضة الوحيدة التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة وبدون واسطة، قال رســـول الله ژ : »ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أمرت، قلت: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إســـرائيل أشد المعالجة، فارجـــع إلـــى ربك، فاســـأله التخفيف لأمتك فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثلـــه، فرجعت، فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت، فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت، فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلـــك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلـــى ربك، فاســـأله التخفيف لأمتك قال: ســـألت ربي حتى اســـتحييت، ولكنـــي أرضى، وأســـلم... فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي «.

اجتناب الفواحش

وقال ان الفاحشـــة سبب لانتشار الأمراض والبلاءات: ويتضح ذلك من هذا المشـــهد، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث الإســـراء قال: ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأخونة، عليها لحم مشـــرح، ليـــس يقربـــه أحـــد، وإذا أنا

المطيري: يؤكد مكانة المسجد الأقصى وقدسيته عند المسلمين فهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي ژ العاقول: الإسراء والمعراج مثال لأحدث وأرقى صور السرعة في الاتصالات والمواصلات والفضائيات المعيوف: ضرب النبي ژ أروع الأمثلة في وقوف الحق أمام الباطل يدل على حصول المعجزة بالروح والجسد

بأخونة، عليها لحم قد أروح ونتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل، ما هؤلاء؟ قال: قوم من أمتك، يتركون الحلال ويأتون الحرام.البيهقي: دلائل النبوة ٢.٣٩٢/

لذا فقد حذر النبي ژ من انتشار الفاحشة (الزنا) وكذا التبرج والسفور وجعل ذلك سببا لانتشار الأمراض والأوجاع فقال: »لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتـــى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا «.

المسجد الثالث

أما الدرس الثالث فهو مكانة المســـجد الأقصى، فللمسجد الأقصى قدســـية كبيرة عند المســـلمي­ن ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة.

فهو يعتبـــر قبلة الأنبياء جميعا قبـــل النبي محمد ژ وهو القبلة الأولى التي صلى إليهـــا النبي ژ قبـــل أن يتم تغيير القبلة إلى مكة.

وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج حيث أسري بالنبي ژ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي إماما بالأنبياء ومنه عرج النبي ژ إلى السماء. وهناك في السماء العليا فرضت عليه الصلاة.

ويعتبر المسجد الأقصى هو المسجد الثالث الذي تشد إليه الرحال، فقد ذكر النبي ژ إن المساجد الثلاثة الوحيدة التي تشد إليها الرحال هي المسجد الحـــرام، والمســـجد النبوي والمسجد الأقصى.

عن أبي هريـــرة ے عن النبي ژ قال : »لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول ژ، ومسجد الأقصى «.

فهذه بعض الدروس والعبر التي نستفيدها من هذه الحادثة العظيمة.

مقدمات وأحداث

ويضيف د.مصبح العاقول موضحا العبر من رحلة الإسراء والمعراج ويقول: هناك الكثير من النتائج التي تستخلص من مقدمات وأحداث رحلتي الاسراء والمعراج وأهمها:

الـــدرس الأول ـ الفرج آت لكل مسلم مع الصبر الجميل والدعاء الذليل: لقد رأينا كيف كان الاغواء والايذاء شديدا، كي يتراجع النبي ژ عن شيء من ثوابت دعوته، فأبى النبي ژ الا التمسك بالحق والاصرار على مواصلة الطريق، وتركهم الى ارض اخرى، لعلها تكون اكثر خصبا وقبولا للدعوة الاسلامية، فذهب الى الطائف، فكان قومها اشد بأســـا في مواجهة النبي ژ، فلم يعاملوه لا كانســـان فـــي الضيافة عند العرب، ولا كرسول له الحق ان يبلغ كلمة الله ولهم الحق في قبولها ام لا رفضوا الســـماع، ورفضوا عرض الفكرة بأسلوب سلمي محض، وسلطوا عليه الصغار والكبار من اللئام الذين اخرجوه طريدا.

ولا يملك شـــيئا الا ايمانه بربـــه وعزمه علـــى مواصلة دعوته، لا يتنازل عن جزئية منها، ولم يســـتطع ان يدخل مكة بلـــده الأصلـــي وموطن اهله وعشيرته ومقام زوجته وأولاده فاضطـــر الى الدخول في جوار المطعم بن عدي، ثم رفع رأسه الى السماء ودعا ربه بخير دعاء فقال مبتهلا متبتلا خاشعا متذللا : »اللهم اني اشكو اليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، انت رب المستضعفين وأنت ربي، الى من تكلني، الى بعيد يتجهمني ام الى قريب ملكته امري؟ ان لم يمكن بك غضب علي فلا ابالي، ولكن عافيتك هي اوســـع لي، اعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات، وصلح عليه امر الدنيا والآخرة من ان تنزل علي غضبك او يحل علي سخطك، لك العتبـــى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة الا بك «.

أدب الدعاة

الـــدرس الثانـــي ـ الرفق بالمدعوين نهج المرسلين وأدب الدعـــاة الربانيـــ­ين: نحن في مسيس الحاجة الى ان نغترف من معـــين النبوة الصافي في الرفـــق بالناس، وعدم الرغبة في الانتقـــا­م منهم، وقد صار نهجا مستمرا في هدي النبي ژ، حيث روى الطبراني في معجمه الأوسط عن عائشة ان النبي ژ قال : »ما دخل الرفق في شيء الا زانه، ولا نزع من شيء الا شانه «.

ولعل ما ســـبق الاســـراء والمعـــرا­ج مـــن غايـــة الرفق بالمدعوين، رغم صلفهم وعنادهم وبغيهم يظهره الحديث الذي رواه البخاري بسنده عن عروة بن الزبير ان عائشة حدثته انها قالت للنبي ژ: هل اتى عليك يوم كان اشد من يوم احد؟ قال: »لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان اشد ما لقيت منهم يوم العقبة اذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني الى ما اردت، فانطلقت وأنا مهمـــوم على وجهي، فلم استفق الا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا انا بسحابة قد اظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: ان الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمـــد. فقال: ذلك فيما شئت، ان شئت ان اطبق عليهم الأخشبين «. فقال النبي ژ: »بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبدالله وحده لا يشرك به شيئا «.

هكـــذا كان الحبيب بكلمة واحدة الى ملك الجبال يستطيع ان يدمر كل شيء في مكة، ولا يبقي فيها واحدا من المشركين، دون ان يكلفه شـــيئا الا كلمة واحدة. لكنه ابى، لأنه رحمة للعالمين، لأنه ذو قلب ينبض بالحب لكل الناس ان يهتدوا، او ان يخرج من اصلابهم من يعبد الله من الأطفال.

وهكذا الدعاة يحبون للناس الخيـــر، لا يدفعون الســـيئة بالسيئة بل يدفعونها بالحسنة وبالتي هي احســـن، يقابلون الشـــر بالخيـــر، والقطيعـــ­ة بالوصل، والقتل والاضطهاد بالحب والارشاد.

ميراث المسلمين

أما الدرس الثالث ـ فان امة الاســـلام هي صاحبة الميراث لرســـالة الرســـل والأقصـــى الشريف:

لقد كانت محطة الاســـراء النهائية الى بيت المقدس، وأول المعراج من بيت المقدس، وصلى النبي ژ بالأنبياء جميعا اماما، كي يؤسس على هذا التوافق بين الأديان السماوية، وتبعية الرسالات الســـماوي­ة لرسالة واحدة هي رســـالة الاســـلام، وبخاصـــة ما جاء به ســـيدنا عيسى وموسى وغيرهما عليهم الصلاة والسلام. وصار المسجد الأقصى بهذا اولـــى القبلتين، وميراث المسلمين، وظل سيدنا عمـــر حافظا لدرس الاســـراء والمعراج، وللعهد بالصلاة ستة عشر شهرا او سبعة عشر شهرا، كما جاء فـــي حديث البخاري بسنده عن البراء بن عازب، حتى ارسل خالد بن الوليد وأبا عبيدة بن الجراح وفتحت فلســـطين والشام، وذهب بنفسه لتسلم مفاتيح القدس، ولم يذهب الى بلد خارج الجزيـــرة غيرها، وأعطى من صور السماحة مع الأديان الأخرى ما بقي موضع ذكر من كل منصف.

سرعة فائقة

والدرس الرابع ـ الاســـراء والمعراج مثال لأحدث وأرقى صور السرعة في الاتصالات والمواصلات والفضائيات:

في عصر الجمل سفينة الصحراء كانت رحلة الاسراء والمعراج في سرعة فائقة في الزمان والمـــكان، حتى عاد الحبيـــب منها دون ان يبرد فراشـــه، كما روى البخاري بســـنده عن ام هانئ رضي الله عنها. فـــي هذا العصر قطعت المسافة من المدينة الى المسجد الأقصى في ثوان، ومن الأقصى الى السموات العلا في ثوان، وكانت العودة الحميدة، واذاعـــة انبـــاء الرحلة في الصباح، ولم يكن احد يصدق الا من آمن بالمعجزة الآلهية، والوحي الرباني، والقدرة التي لا يحدها شيء.

لكن اراد الله -تعالى- في هذا الزمـــن البدائي ان تكون معجزة النبـــي ژ ابد الدهر اســـبق مـــن كل تكنولوجيا الاتصالات والفضائيات، فسألوه عن صفات المســـجد الأقصى، وهم يعلمون انه ما ذهب اليه في تاريخه قبل البعثة، فتجلى الأقصى مكانا وشمالا وجنوبا وشرقا وغربا في شاشة لا يراها الا النبي ژ، وبهت الجميع لهذا الوصف الدقيق.

أليس هذا درسا للذين ارتموا علـــى ارجل الرجـــل الأبيض الذي انشأ الفضائيات وطور الاتصالات؟ نحن ـ يا قومي ـ اصحاب سبق، لا تبهرنا الصور والأشكال، نحن ذوو عمق في النظر الى الجوهر الى الروح، الى القيم والأخلاق، سواء كان الانسان يركب حمارا او جملا او صاروخا فضائيا، سواء كان فقيرا او غنيا.

هكـــذا المؤمـــن لا يبهر الا بالحقائق، وهـــي وحدها في مكنـــون القـــرآن وصحيـــح الســـنن، وصريـــح العقـــول الراشدة، والحضارة المقترنة بالقيم الانســـان­ية، والأخلاق الاسلامية. ومن الضروري ان نراجع انفسنا في تخلفنا عن السبق العلمي في المواصلات والاتصالات والفضائيات، فحيث كان يجب ان نكون الأسبق في العالم لهذه الاختراعات العلمية من فيض الآيـــات والأحاديث النبوية والوقائع التاريخية مثل الاسراء والمعراج، بل ومساهمات الحضارة الاسلامية في عصور الازدهار.. لكنـــا تأخرنا، فإذا توافرت ارادة اسلامية، وعزيمة ايمانية تستطيع ان نستوعب آخر الاكتشافات العلمية، وأن نضيف عليهـــا اضافات جادة وفعلية، ونعطي للعالم مثالا جديدا على توافق الاسلام مع الحقائق العلمية التي تفيد كل الانسانية.

منهج حياة

ويؤكد الـــدرس الخامس ـ هدية الاسراء والمعراج الى الأمة الصلاة كمنهاج حياة:

لقد دنا النبي ژ من ربه واقترب، ورأى من آيات ربه الكبرى، وقد علم الله حب نبيه لأمته، فأراد الا يحرم كل مؤمن ومؤمنة من اسراء ومعراج، ففرضت الصلاة قبلتها الأولى الى بيت المقدس حيث صلى بالأنبياء والرسل اجمعين، ثم معراج الروح لكل مصل الى رب الأرض والسماء في كل سجدة، كما قال ســـبحانه: (واسجد واقترب( »العلـــق: ١٩ «. ولما رواه مسلم عن ابي هريرة، ان رسول الله قال : »أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ســـاجد «. وصارت الصلاة منهاج حياة تصنع المســـلمي­ن في احسن صياغة، فيبادرون الطفل في اول لحظة من حياته بالأذان والاقامة ريثمـــا يميز فيعلم الصلاة ثم يؤمر بها، ثم يكلف بأدائها عنـــد البلوغ، وتبقى عبادة يوميـــة خمس مرات، وعشـــرات المرات لمن تطوع، فهي اول ما يبدأ به يومه في صلاة الفجر المشهودة، وآخر ما يختم به يومه في صلاة الوتر المحبوبة، وبينهما صلوات بين الفرض والنافلة، فإذا حزبه امر صلى، وإذا تحير في امر صلى صلاة الاستخارة، وإذا اذنب صلى ركعتين تغسلان ذنبه وترفعان وزره، وإذا خسفت الشمس او كسف القمر صلى، وإذا اجدبت السماء صلى، وإذا بشر بالخير سجد شكرا وذكرا لله تعالى، وإذا وافته المنية وقدم على ربه كان آخر عهده بالدنيا صلاة الجنازة.

فهي منهج حياة من الميلاد الى ما بعد الممات، وهي النور في القبر والحشر، وأول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، وأول مفاتيح الجنة بعد رحمة الله. هكذا رحلة الاســـراء والمعراج لم تكن نزهة بل معجزة، ولم تكـــن خاصة بالنبـــي ژ بل ترســـم منهاج حياة لمن اراد النجـــاة، ووهـــب حياته كلها لدعوة الله.

 ??  ??
 ??  ?? الداعية سعود المطيري
الداعية سعود المطيري
 ??  ?? الداعية حسين المعيوف
الداعية حسين المعيوف
 ??  ?? د.مصبح العاقول
د.مصبح العاقول

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait