Al-Anbaa

إياس بن معاوية تولى القضاء فبكى

-

رفض القضاء

قالوا عنه انه احدى عجائب الدنيا لما اشتهر به من ذكاء نادر وفراسة صادقة، وهما ما غير ما اتصف بن من عفاف وفقه ودين وخشـــية لله ومراعاة لحدوده ومراقبة لاوامره ونواهيه.

هو قاضي البصرة اياس بن معاوية بن قرة ابو وائلة المزني الذي كان يضـــرب به المثل في حسن الفراســـة، فقد كان لماحا شديد اليقظة، كيسا، حسن التأني في الامور، وهذه الصفة فيه هي التي جعلته يكشـــف كثيرا من الحقائق التي تعـــرض لها في القضايـــا التـــي ينظرها، وهي التي جعلته يتفادى عداوة رجل كالفرزدق الشاعر حينما قدم له في شهادة وهو عنده مرفوضة الشـــهادة، ولكنه قال لقد اجزنا شهادة الفرزدق فزيدونا شهودا، حتى خرج الفرزدق من عنده فرحا وهو يردد »اجاز شهادتي «.

كان اياس رجلا كثير التنقل بين العراق والشام، ولقد دعي الى تولي قضاء البصرة خلفا للحسن البصري الذي طلب اعفاءه وكان ذلك العام ٩٩ من الهجرة بعد ان آلت الخلافة الى الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز، وكان عمر اياس وقتها ثلاثة وخمسين عاما، اما كيف تولى القضاء فتلك لها قصة.

فقد كتب عمر بن عبدالعزيز الى نائبه فـــي العراق عدي بن ارطـــأة ان اجمع بـــين اياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة فول قضاء البصرة احدهما، فصدع والي البصرة لامر الخليفة وجمع بين الرجلين واطلعهما على كتاب عمر، فأخذ كل منهما يدفع القضاء عن نفسه جهد طاقته، فقال اياس للوالي: ايها الامير سل عني وعن القاســـم فقيهي العصر الحسن البصري ومحمد بن سيرين، وكان القاسم يأتيهما واياس لا يفعل، وادرك القاسم انه ان سألهما اشادا به، فقال على الفور: ايها الامير لا تسأل عني ولا عنه، فوالله الذي لا اله الا هو ان اياس بن معاوية افقه منـــي واعلم بالقضاء، فإن كنت كاذبا فما كان لك ان توليني وانا كاذب، وان كنت صادقا فينبغي لك ان تقبل قولي، وادرك اياس وهو الالمعي اللبيب ان صاحبه اوشك ان يفلت، وان الامر علق برقبته لا محالة، فقال: انك جئت برجل اوقفته على شفير جهنم فنجى نفســـه منها بيمين كاذب يســـتغفر الله منها وينجو مما يخاف، فحسم عدي بن ارطأة الامر واسند الى اياس قضاء البصرة وقال له: انت لها.

وهكذا استقبل اياس القضاء، فلما دخل عليه الحسن البصري بعد تقلده منصبه وجده يبكي فقال له: ما يبكيك؟ فقال: يا ابا سعيد، بلغني ان القضاة ثلاثة رجل اجتهد واخطأ فهو في النار، ورجل مال لـــه بالهوى فهو في النار، ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة، فقال الحســـن: اخذ الله على الحـــكام ثلاثة عهود، الا يشـــتروا به ثمنا قليلا والا يخشوا فيه الناس والا يتبعوا الهوى وذلك محاولة منه للتسرية على اياس.

ذكاء القاضي

ومن خلال بعض القضايا التي عرضت لايـــاس يتبين لنا كيف كان يستغل مواهبه جميعها في اعادة الحق الى نصابه وانصاف المظلومين، فحدث ان استودع رجل مالا عند آخر وكان الرجل امينا لا بأس به، ثم خرج صاحب المال الى مكة، فلما عاد طلب ماله فجحده الرجل وانكره فأتى صاحب المال الى اياس واخبره.

فقال اياس: اعلم الرجل انك اتيتني؟ قال: لا، قال: افنازعته عند احد؟ قال: لا، لم يعلم بهذا الحد، فقال اياس: انصرف واكتم امرك ثم عد الي بعد يومين، فمضى الرجل. ثم ان اياسا دعا الرجل المشـــكو في حقه وقال له: لقد حضرني مال كثير اريد ان اصيره اليـــك، أفحصين منزلـــك؟ فقال الرجل: نعم، قال: فأعد موضعا للمال وقوما يحملونه.

وعاد الرجل صاحب الوديعة الى اياس فقال لـــه: انطلق الى صاحبك فاطلب مالك فإن اعطاك فذاك وان جحـــدك فقل له: اني اخبر القاضي.

فأتى الرجل صاحبه وقال له: مالي والا اتيت القاضي فشكوت اليه واخبرته بأمري، فدفع اليه ماله، فرجع الرجـــل الى اياس فقال: قد اعطانـــي مالي، وجاء المستودع عنده المال الى اياس لموعده فزجره وانتهره وقال له: لا تقربني يا خائن.

بين الدراهم والدنانير

ومن اعجب ما يكشـــف عن فطنـــة اياس كشـــفه للحق في القضية التالية: استودع رجل كيسا فيه دنانير رجلا آخر ثم غاب فطالت غيبته ففتق المودع عنده الكيس من اســـفله واخذ الدنانير وجعل في الكيس دراهم واعاد خياطته وخاتم الكيس على حاله.

ثم عـــاد صاحب الكيس بعد خمس عشـــرة سنة فطلت ماله فدفع اليه الآخر الكيس بخاتمه فلم يقبله وقال: هذه دراهم ومالي دنانير، فقال الآخر: هذا كيسك بخاتمك، فترافعـــا الى عمر بن هبيـــرة فقال لإيـــاس انظر في امرهمـــا، فقال ايـــاس لصاحب الكيس: ما تقول؟ قال: اعطيته كيســـا فيه دنانير، سأله: منذ كم؟ اجاب: منذ خمس عشـــرة سنة، وسأل اياس الرجل الآخر: ما تقول؟ قال: كيســـه بخاتمه، سأله ثانية: منذ كم، فأجاب: منذ خمس عشرة سنة، ففضوا الخاتم ونثروا الدراهم فوجدوها ضربت منذ عشـــر سنين وخمس سنين واقل واكثر، فقال اياس: اقررت انه عندك منذ خمس عشرة سنة وفي الكيس مال ضرب منذ عشر سنين وخمس سنين، فأقر الرجل بالدنانير وردها لصاحبها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait