Al-Anbaa

ذو القرنين

-

وصل ذو القرنين الى المغرب غازيا فاتحا، لا يصادف في طريقه عدوا إلا كسّر سلاحه، إذ كان الله قد مكن له في أرضه، وآتاه من كل شـــيء يحتاج اليه في توطيد ملكه سببا.

ومازال في طريقه يسير ويسري، حتى انتهى الى عـــين اختلط ماؤها وطينها، فتراءى له ان الشمس تغرب فيها، وتختفي وراءها، وظن انه ليس وراء هذه العين مكان للغزو، ولكنه رأى عندها قوما هالـــه كفرهم، وكبر عليه ظلمهم، إذ كانوا قد عثوا في الأرض، فاستخار الله في أمرهم، وما يصنع بهم، فخيره الله بين سبيلين يختار إحداهما، ويسلك ما يريد منهما: إما ان يذيقهم القتل ويوقع بهم النكال، وإما ان يمهلهم ويدعوهم، لعل منهم مـــن يهتدي، فاختار ذو القرنـــين الإمهال على القتل، ثم بدا له ان يثني عزمه الى الشرق، فسار غازيا مجاهدا مظفرا حتى انتهى في سيره الى غاية العمران في الأرض، وهناك وجد أقواما تطلع الشمس عليهم، ولكن ليس لهم بيوت تســـترهم، أو أشجار تظلهم، ولعلهم كانوا على حال من الفوضى، فبســـط على بلادهم لواء حكمه، وخلفهم الى الشـــمال غازيا مجاهدا، حتى انتهى الى بلاد بين جبلين، يسكنها أقوام لا تكاد تعرف لغاتهم ولكنهم قد جاوروا يأجوج ومأجوج، وهم قوم في الأرض مفسدون.

وما إن رأوا ذا القرنين ملكا قوي البأس حتى فزعوا اليه: أن يقيم سدا بينهم وبين جيرانهم، يفصل بلادهم ويحـــول دون عدوانهم، إذ كان يأجوج ومأجوج قوما قد ركب الشر في نفوسهم، وامتزج الفساد بين جوانبهم، السيف لا يمكنه ان يردعهم، ولكن ذا القرنين ـ بما طبعه الله على الخيـــر، وما فطره على الصلاح وما أعطاه من كنوز الأرض وخيراتها ـ أجابهم الى سؤالهم، ثم طلب اليهم ان يعينوه على ما يفعل، ويساعدوه على ما يصنع، فحشدوا له الحديد والنحاس، والخشـــب والفحم، فوضع بين الجبلين قطع الحديد، وحاطها بالفحم والخشـــب، ثم أوقد النار، وأفرغ عليه ذائب النحاس، واستوى كل ذلك بين الجبلين سدا منيعا قائما، ما استطاعت يأجوج ومأجوج أن تظهره لملاسته، أو تنقبه لمتانته، وأراح الله منهم شعبا كان يشكو من أذاهم، ويألم من عدوانهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait