Al-Anbaa

رجا حجيلان المطيري

-

تناول القرآن الكريم في آيات بينات الفرار وأنواعه وأساليبه واتجاهاته ونتائج كل نوع من أنواعه، فقد قال الله عز وجل )فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وصاحبته وبنيه وأمه وأبيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( سورة عبس الآية: 33 ـ 37 ، ويقول عز وجل )يقول الإنسان يومئذ أين المفر( القيامة الآية 10، وقال تعالى )ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين( الذاريات الآية 50، والفرار لغة لها دلالات واستخدامات ومعان كثيرة، وتبسيطا لمعنى الفرار، رغم كثرة معانيه فهو الهروب من هول كارثة وقعت أو محتملة الوقوع، أو الفرار الى كسب منفعة او مصلحة مرجوة يسعى اليها كثير من البشر، وهناك فارق بين من فر خوفا او فر لمصلحة، ولعل النوعين من الفرار سنّة الحياة، ولكن هنالك نوعا آخر من الفرار هو الفرار من النفس، ولعل هذا هو محور مقالنا هذا فتخيل معي أنك ترغب وبإلحاح كبير في الهرب من نفسك، فماذا يعني هذا النوع؟ يعني ببساطة انك قد ورطت نفسك في امور اكثر مما تحتمل، فسعيت بمحض ارادتك الى تدميرها بأسلوب خاطئ منحرف عن جادة الصواب، انك أوصلتها الى مرحلة متقدمة من الاضطراب والضياع والتيه، فأصبحت المعادلة قاتلة، ارادة فاجرة ونفس مضطربة وجسم تائب يحمل هما ومعاناة، ويجعل النفس عاجزة عن تحمل تبعاته، كل ذلك يعني انك الذي أوجدت منهاجا وسلوكا غير سوي اعتقادا منك بأنه اسهل الطرق لكسب المعالي والغايات، بينما لو اتخذت الوسطية اسلوب حياة لكانت الأمور اكثر توازنا وراحة بال ونفس، ولعل الذي جعلني أكتب في موضوع الفرار هو أن بعض من يدعون الكهانة في الأمور السياسية أصبحوا بسببه عالة على أنفسهم في المقام الأول وعالة على المجتمع في المقام الثاني، وقد مارسوا أنواعا معمقة من التجاوز في الخصومة ضد أنفسهم وضد من يخالفهم في الرأي حتى وإن كان على صواب، ومن ثم فقد بالغوا في الخصومة الفاجرة طلبا لتحقيق مجد زائف، وهم لا يدركون أنهم يسيرون في الاتجاه الخاطئ الذي سيوصلهم الى مزبلة التاريخ لأنهم اتخذوا من السفاهة والرعونة والحماقة أسلوب حياة أوصلهم الى نهاية طريق مخز، وعندئذ جعلتهم هذه النهاية يفكرون جديا في الفرار من أنفسهم، وهو أخطر أنواع الفرار، وقد تكون نهايته مدمرة لهم، فحين يخلون الى انفسهم يلعنون ذلك المنهج الذي امتطوه منهج الفجور في الخصومة الذي أوصلهم الى مثل هذه النهاية. وخلاصة الأمر ان الذين يرغبون في سجل نظيف عليهم الا يمارسوا النفاق بكل أشكاله، ونحن نعلم ان آية المنافق ثلاث: اذا أؤتمن خان، وإذا وعد خلف، وإذا حدث كذب، ومن المفيد ألا يصلوا بأنفسهم الى المرحلة الحرجة وهي الهروب من النفس، بل عليهم تجنب النتائج السلبية ومراجعة كثير من الأمور ذات الأثر السلبي حتى ينجوا بأنفسهم ويدخلوا دائرة الاعتزاز بها. وقد يكون مثل ذلك مدخلا جيدا لكبح غلو النفس الأمارة بالسوء.

 ??  ?? الفرار
الفرار

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait