Al-Anbaa

اتفاق جنيڤ النووي: إستراتيجية إيرانية ناجحة.. وتكتيك إسرائيلي فاشل

-

إسرائيل محبطة من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، ولم يسبق أن توحدت في شعور الخسارة والهزيمة كما الحال الآن حتى على مستوى الرأي العام في إسرائيل. فقد أظهر أول استطلاع جرى بعد الإعلان عن اتفاق جنيڤ أن 76% من الإسرائيلي­ين يعتقدون أنه في أعقاب الاتفاق المرحلي الذي جرى التوصل إليه في جنيڤ لن توقف إيران برنامجها النووي. وأجاب 58% منهم بأن الولايات المتحدة ألحقت الأذى بالمصالح الإسرائيلي­ة حين وقعت على الاتفاق مع إيران، وأيد 45% هجوما إسرائيليا منفردا ضد إيران. الرئيس باراك أوباما الذي أشرف شخصيا على قناة مفاوضات سرية مع إيران على امتداد سنوات وأشهر ماضية من دون التنسيق مع إسرائيل ومن دون علمها ربما، تحول بعد الوصول إلى الاتفاق مع إيران إلى امتصاص غضب إسرائيل واحتواء أجواء الصدمة، بأن عرض على نتنياهو إجراء محادثات حول الاتفاق النهائي مع إيران وعلى قاعدة الهدف المشترك الذي هو الحؤول دون حيازة إيران سلاحا نوويا، مع تجديد الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل. ولم يكن أمام نتنياهو إلا التجاوب مع عرض أوباما بسبب ضيق الخيارات أمامه، وأمامه أن يختار بين الإذعان للاتفاق الموقع والانخراط في اللعبة مع السعي الى تحسين قواعدها والحصول على اتفاق نهائي أفضل بعد ستة أشهر، أو الاصطدام بالحليف الأميركي الاستراتيج­ي والذهاب في مخاطرة الهجوم المنفرد على إيران في ظل عزلة دولية تواجهها إسرائيل. ويبدو الآن أن أوباما الذي نجح في الاتفاق مع الإيرانيين سينجح في استيعاب الإسرائيلي­ين بدليل أن حملة الانتقادات الإسرائيلي­ة التي صبت جام غضبها على أوباما تحولت في جزء أساسي منها باتجاه نتنياهو الذي يتحمل مسؤولية في ما وصلت إليه الأمور، إن لجهة عدم تقدير الموقف الدولي الواصل إلى اتفاق مع إيران وعدم القدرة في التأثير عليه، أو لجهة الوصول بالعلاقة مع الولايات المتحدة إلى هذا المستوى المتدني الذي يلامس حدود «أزمة الثقة ». وتركز الانتقادات الإسرائيلي­ة الموجهة إلى نتنياهو على النقاط التالية: 1 - الأداء السياسي الضعيف في معركة دولية قوية وتحوله غير المجدي باتجاه التنسيق مع فرنسا وروسيا مقابل إهماله للولايات المتحدة، خصوصا وأنه فشل في التأثير على الموقف الروسي بطلب تأجيل التوقيع على الاتفاق في جنيڤ وإجراء المزيد من التعديلات على نص الاتفاق بعدما كان فشل في إقناع الأميركيين بضرورة التخلي عن فكرة التوصل الى اتفاقات مرحلية مع إيران ومواصلة المفاوضات من دون توقف لأجل التوصل إلى اتفاق شامل لوقف مشروعها النووي وتفكيكه. 2 - لم يجر نتنياهو أي حوار حقيقي معمق مع الأميركيين ولم يتدخل بما يكفي في المفاوضات، وكان موقفه طوال الوقت هو الاعتراض على أي اتفاق مرحلي، ومقابل استراتيجية إيرانية ناجحة كان في المقابل تكتيك إسرائيلي فاشل. 3 - حملة التشكيك والتحريض التي قادها نتنياهو ضد الإدارة الأميركية وخصوصا أوباما وكيري، وهذه الحملة أثارت غضب واشنطن من حكومة نتنياهو ليس فقط بسبب مواقفها العلنية من الموضوع الإيراني بل في الأساس من نشاط حكومة نتنياهو في الكونغرس ضد إدارة أوباما، والأميركيو­ن سيجنون ثمن هذه التصرفات قريبا ليس فقط في الموضوع الإيراني وإنما أيضا في الموضوع الفلسطيني. 4 - نتنياهو يعبر عن شعوره بالفشل الشخصي لكون هذا السيناريو )الاتفاق مع إيران( تحقق في فترة رئاسته للحكومة، وهو الذي كان جعل مواجهة إيران النووية شعارا لولايته وهدفا رئيسيا له. 5 - الاعتراض التلقائي على الاتفاق مترافقا مع تهديدات يضع إسرائيل في وضع إشكالي حيال حليفتها الولايات المتحدة. كما أنه يقلص قدرتها في التأثير على الاتفاقات المستقبلية مع إيران والتي ستكون أهميتها أعظم من أهمية الاتفاق الأول. 6 - مبالغة في ردة الفعل الإسرائيلي­ة التي توحي بأن إيران تلقت في جنيڤ الإذن بتطوير سلاح نووي، أو بأن المعركة انتهت عند هذا الحد فيما هي لاتزال بعيدة عن النهاية، أو بأن إسرائيل منيت بهزيمة نكراء ونهائية، ولكن الواقع هو أن نتنياهو أسهم في تحويل «اتفاق سيئ » إلى اتفاق يوقف البرنامج النووي الإيراني لمدة ستة أشهر ويمكن التعايش معه لهذه الفترة، وبعدها فقط يمكن الحكم على هذا الاتفاق ومصيره وما إذا كان سيتحول من سيئ إلى أسوأ أم إلى الأفضل. وفي ضوء هذا التقييم، تسود في إسرائيل دعوات إلى اتباع سياسة واقعية قوامها: ٭ تفهم الموقف والتفكير الأميركي الذي أثمر الاتفاق المرحلي لأنه يجب وقف «العداد » (الساعة( بأي ثمن ولا يوجد خيار عسكري، ولأن أجهزة الطرد المركزي أسرع من العقوبات. ٭ إخراج العلاقة مع أميركا من دائرة التوتر والتوقف عن الاستخفاف بمصالحها واعتبارها أنها «في الجيب ». ٭ خوض معركة ديبلوماسية قوية في فترة الأشهر الستة المقبلة التي يتحدد في نهايتها ما إذا كان الاتفاق النهائي سيبرم أم لا، وما إذا كانت الأمور ستعود الى العقوبات المشددة والتهديد بالحرب أم لا، فما تم التوصل إليه ليس نهاية المطاف وليس نهاية العالم، الاتفاق المرحلي يحتوي على شق إيجابي بأن يضع إيران تحت رقابة دولية لصيقة ويصد التقدم في بعض أجزاء البرنامج، ويتضمن شقا سلبيا في أنه سلم بحق إيران في أن تكون دولة «حافة نووية ». ٭ إجراء مراجعة وتقدير جديد للموقف إزاء تغير الواقع الدولي مع إيران وإزاء اتساع الفجوة بين إسرائيل والولايات المتحدة في مقاربة موضوع إيران، وللوصول إلى وضع جديد يعيد وضع الملف النووي الإيراني الى حجمه السابق كمصدر تهديد لأمن واستقرار المنطقة والعالم وليس لإسرائيل وحدها، ومسؤولية التصدي لهذا الخطر ليست مسؤولية إسرائيل وحدها، إضافة إلى إعادة توحيد الجهود والأهداف بين إسرائيل والولايات المتحدة في الجولة المقبلة والحاسمة وباتجاه ضمان عدم تطوير برنامج إيران النووي إلى قدرات عسكرية ومنع وصولها إلى امتلاك السلاح النووي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait