Al-Anbaa

يا شيخ حسنين

- kholoudalk­hamestwitt­er@ خلود عبدالله الخميس

«ياااااه يا شيخ حسنين» ألهذه الدرجة نحن غافلون وكنا نظن بأنفسنا غير ذلك؟ لا نفيق إلا بغتة على همس الفجر ممن علموا بأنك أغمضت عينيك للمرة الأخيرة في حياتك الدنيا، فتتساقط أدمعهم حزناً، امتناناً، أو لشوق لك سيأتي لا شك. حَسِبنا أننا من الذين تعلموا وفهموا وفقهوا، وما ان يرحل أحدكم ومعه علمه، حتى تكون تلك المغادرة الكاشفة لجهالتنا، طالب العلم يخلف شيخه، هكذا يجب أن يكون، فهل نحن خير خلف لك ولمن تعلمنا منهم الطريق إلى الله؟! وكأني أراك منتصباً على الكرسي مبتسماً، تسبقنا في الحضور للفصل، تنتظر اكتمال عدد طالبات مغرورات بكم كتاب قرأنه ومتفاخرات بالجلوس إليك، ويرددن في المجالس «نحن نجلس للشيخ حسنين» ، نعم فأنت مفخرة لنا، أب وعالم ومربّ، ولكن هل نليق نحن بك؟ سؤال يتكرر كلما رحل أحد مشايخنا، ويظل يحوم فوق أرواحنا الحبيسة في أجساد تسيطر عليها الشهوات، ولا تجد لإجابة سبيلا. لم يمنعك موت ولدك وحاضرتَ بعد أن دفنته، لم يوقفك كبر سنك وعمليتك الجراحية وتعاقب الفصول حرا وبردا بالتبكير لمجلس العلم، رغم سمعك الثقيل و تآمر سماعة أذنك على إيصال صوتنا واضحاً إليك، لم تمل من التكرار كما لم نتوقف نحن عن الإلحاح والاستعجال بالاستفسار­ات، الصبر فضيلة شيخنا، وأشهد أنك كنت علينا صبورا، وأحسب أن ربك سيوفيك أجر صبرك بغير حساب. بصوتك الرخيم ونظراتك الأبوية ومشيتك المتواضعة وأناتك مع سذاجتنا ملكتنا، فهل تعلمنا منك هذا الأدب؟ أم كما فعلنا مع علمك، فرطنا واستهترنا واستسلمنا لطول الأمل؟ عذراً شيخي، وكم من الاعتذارات تتأخر وتأتي فقط في موكب جنائزي مهيب. عذراً وكم من الأعذار التافهة، والافتتان بالأعمال والعيال، منعتني عن ثني ركبتي لوقار شيبتك وفضل علمك، وأنا المولودة في ذات العام الذي حصلتَ فيه على إجازة الليسانس في الشريعة من الأزهر، وعندما بلغتُ عامين تسلمتَ إجازتك في الماجستير، وقبل أن أتم العقد الأول من عمري حصلتَ على درجة الدكتوراه، ورغم كثر فضلك العلمي، قلّ صبري في الجهد والبذل، أبعد هذا كِبر وشقاء؟! عذراً لأنني قلت يوماً لك «رغم تخصصي العلمي أكره الرياضيات وأحب الأدب» كنتُ أختبئ خلف الهواية لأغلق عقلي عن تفكيك مسائلك الفقهية، لم أعلم أنها غواية، ولأجد لنفسي المغرورة بالقلم، سلوى وجدارا عازلا يحجب الخوف من الفشل والإجابة الخطأ، ولما كبرت عرفت أن الأمر أبعد من ذلك بكثير، إنه الخوف من قول «هذا حرام وهذا حلال» الرعب من التقول على الله ورسوله، ولم أدرِ إلا عن قريب ولم أبلغك، ولم تمهلني ورحلت، فخطاي شيخي أضيق من خطاك، وبين همّتينا سموات وأرضون. قد لا تسمع اليوم أعذاري واعتذاري، وقد أستمر في سوقها حججا أمام تقصيري وصمودي في مصاف العامة، وقد أخيب ظنك كثيراً، ولكن ما أعلمه، أن هناك نفقا إلى السماء برحابة صدور العلماء مع طلبة العلم وآخره نور، وأننا فيه نسير رغم التيه في البحث بما سطره أولئك الممدوحون من المصطفى بخير القرون، والسقوط في مستنقع الحاجة للراحة والتفكر، والانغماس في دعوات واهية بالحاجة لمساحات وأوقات لتجاوز الألم والمشاكل والصراع مع المقادير بين رضا وسخط، والسماح للإخفاق في حل «مسائل الدنيا» بإحباطنا، وتفضيل النوم عند نوازل الأمة هروباً من المسؤولية، والانصياع لمهمة الشيطان «أن يحزن المؤمن» ، رغم كل ذلك فإننا نعدك بأن نبقى في هذا النفق ولن نخرج منه إلا إلى نور. عذراً شيخي لهذه المبكية، فإن رسائل الرثاء ديدن أمة ألهاها التكاثر في كل شيء إلا في الدين، فاتخذت من القعود جسرا والتقاعس منهجا، والجهل سترا. وأقول لي قبلكم «تعلّموا قبل أن يُرفع العلم فإنّ رفع العلم ذهابُ العلماء» قالها أبو الدرداء ÿ، وهي دعوة مستمرة لن تتوقف غير خاصة للمسوفين والمسرفين والمفرطين فحسب، بل هي للمؤمنين )وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين(. العلم والعمل، أبواب مشرعة، فرص سانحة، أوقات شاسعة، آمال معروضة في الصلوات، رحمات ممنوحة بلا مقابل سوى دعاء، مغفرة بلا عداد لن يحجبها سوى بزوغ الشمس من مغربها، كل ذلك لن يوقفه شيء، لا وسوسة شيطان ونفس وبشر، ما دمنا نستنشق حب الله والثقة واليقين بدوام عونه، والأوبة المستمرة إليه، فهو ينتظر بغير حاجة، ويشتاق بغير فائدة، ويعد ويفي، وهو سابق بالمحبة، ألم يقل جل جلاله )يحبهم ويحبونه(؟ أبعد كل هذا نتباطأ حتى يغيبنا الموت؟!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait