اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼء

ﻟﻨﺤﻴﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮآن

ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟــﻰ: )اﻟﺬي ﺧﻠﻖ اﳌﻮت واﳊﻴﺎة ﻟﻴﺒﻠﻮﻛﻢ أﻳﻜﻢ أﺣﺴﻦ ﻋﻤﻼ وﻫﻮ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﻐﻔﻮر(، وﻗﺎل أﻳﻀﺎ: )وﻟﻨﺒﻠﻮﻧﻜﻢ ﺑﺸﻲء ﻣﻦ اﳋﻮف واﳉﻮع وﻧﻘﺺ ﻣﻦ اﻷﻣﻮال واﻷﻧﻔﺲ واﻟﺜﻤﺮات وﺑﺸــﺮ اﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ(.

ﻓﻴﻜــﻮن اﻻﺑﺘﻼء ﻓﻲ اﻷﻫﻞ أو اﻟﻮﻟﺪ أو اﳌﺎل أو اﻟﺼﺤــﺔ أو اﳉﺎه وﻏﻴﺮ ذﻟﻚ، ﻓﺈذا ﺻﺒﺮ اﳌﺒﺘﻠﻰ أﻋــﺪ ﻟﻪ اﷲ ﻋــﺰ وﺟﻞ اﻷﺟﺮ اﻟﻌﻈﻴــﻢ. ﻗﺎل اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ اﻟﻘﺪﺳــﻲ: )ﻓﺈن رﺿﻴﺖ ﲟﺎ ﻗﺴــﻤﺘﻪ ﻟﻚ أرﺣــﺖ ﻗﻠﺒﻚ وﺑﺪﻧــﻚ وﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪي ﻣﺤﻤﻮدا، وإن ﻟﻢ ﺗﺮض ﲟﺎ ﻗﺴﻤﺘﻪ ﻟﻚ ﻓﻮﻋﺰﺗﻲ وﺟﻼﻟﻲ ﻷﺳﻠﻄﻦ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﺮﻛﺾ ﻓﻴﻬﺎ رﻛﺾ اﻟﻮﺣــﻮش ﻓﻲ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﺛﻢ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻟﻚ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﻣﺎ ﻗﺴﻤﺘﻪ ﻟﻚ وﻛﻨﺖ ﻋﻨﺪي ﻣﺬﻣﻮﻣﺎ(.

ﻛﻴﻒ ﺗﻨﺎﻟﲔ ﻫﺬا اﻟﻔﻀﻞ؟

ﻟﻜﻲ ﺗﺼﺒﺤﻲ ﻣﻦ ﻋﺒﺎد اﷲ اﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺒﺮ، ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ ژ: »ﻣﻦ ﻳﺘﺼﺒﺮ ﻳﺼﺒﺮه اﷲ وﻣــﺎ أﻋﻄﻲ أﺣﺪ ﻋﻄﺎء ﻫﻮ ﺧﻴﺮ وأوﺳﻊ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ«، وﻋﻠﻰ ﻗﺪر اﺳﺘﻌﺪادك ﻳﻜﻮن ﺻﺒﺮك ﻋﻠﻰ اﻻﺑﺘﻼءات واﳌﺼﺎﺋﺐ. ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن اﻟﺼﺎﺑــﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻀــﺎء اﷲ ﻳﻀﺎﻋﻒ ﻟﻪ اﻷﺟﺮ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة )واﺻﺒﺮوا إن اﷲ ﻣﻊ اﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ(، وﻓﻲ اﻟﺼﺒــﺮ ﻋــﺰاء ﻟﻠﻘﻠــﺐ اﳌﺼﺎب وﺷــﻔﺎء ﻟﻠﻨﻔﺲ اﳊﺰﻳﻨﺔ، وﻛﻴﻒ ﻳﺘﻠﻘﻰ اﻹﻧﺴــﺎن اﻟﺒﻼء؟ ﻧﺘﻘﺒﻞ أﻗﺪار اﷲ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ واﻹﳝﺎن ﺑﻘﻀﺎء اﷲ وﻗﺪره، ﺣﺘﻰ ان اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻳﺨﺒﺮﻧﺎ ﻋﻦ ﻗﺘﻞ أﺻﺤﺎب اﻷﺧــﺪود، وﻣﺎ أﺟﺮﻣــﻮا إﻻ أﻧﻬﻢ آﻣﻨﻮا ﻓﺤﻔﺮ ﻟﻬﻢ اﻷﺧــﺪود. ان اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠــﻰ اﻟﺼﻌﺎب ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻲ ﺳــﺒﻴﻞ اﻟﺜﺒﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ واﻹﳝﺎن واﻟﻴﻘﲔ ﺑﺎﷲ، ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺘﻘﺒﻞ أﻗﺪار اﷲ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ واﻟﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ.

أﻧﻮاع اﻟﺼﺒﺮ

اﳌﺴــﻠﻢ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﺆﻣﻨﺎ إﻻ إذا ﺗﻠﻘﻰ أﻗﺪار اﷲ ﺑﺎﻟﺮﺿــﺎ واﻟﺼﺒــﺮ، ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ دار اﺑﺘــﻼء، وﺣﻜﻤﺔ اﻻﺑﺘــﻼء إﻟﻬﻴــﺔ اﺧﺘﺺ ﺑﻬــﺎ اﷲ اﳌﺆﻣﻦ ﺑﻨﺰول اﻟﺒــﻼء اﻣﺎ ﺗﻌﺠﻴﻼ ﻟﻌﻘﻮﺑﺘﻪ ﻓــﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ او رﻓﻌﺎ ﳌﻨﺰﻟﺘﻪ، واﳌﺆﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﻨﺰل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺒﻼء ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﻠﻘﺎه ﺑﺎﻟﺮﺿﺎ واﻟﺼﺒﺮ، واﻟﺼﺒﺮ أﻧﻮاع: اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﳌﺼﻴﺒﺔ وﻋﻠﻰ أﻗــﺪار اﷲ اﳌﺆﳌﺔ واﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ واﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﳌﻌﺼﻴﺔ، وﻟﺬا ﻳﺠﺐ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ ﻋﻨﺪ أول ﻧﺰول اﻟﺒﻼء ﻷن اﻟﺼﺒﺮ ﻛﻤﺎ أﺧﺒﺮ اﻟﻨﺒﻲ ژ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺪﻣﺔ اﻷوﻟﻰ. وﻫﻨﺎك ﻣــﻦ ﻳﻘﺎﺑﻞ اﻟﺒﻼء ﺑﺎﻟﺴــﺨﻂ وﺳــﻮء اﻟﻈﻦ ﺑﺎﷲ واﺗﻬﺎم اﻟﻘﺪر وﻫﺬا ﻫﻮ اﶈﺮوم ﻣﻦ اﳋﻴﺮ، واﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻮﻓﻖ ﻳﻘﺎﺑﻞ اﻟﺒﻼء وﻳﺘﻘﺒﻠﻪ ﺑﺎﻟﺼﺒﺮ وﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑــﺎﷲ، اﻣﺎ ان ﻳﻜﻮن راﺿﻴﺎ ﻳﻘﺎﺑﻞ اﻟﺒﻼء ﺑﺎﻟﺮﺿﺎ واﻟﺸــﻜﺮ وﻫﻮ أﻣﺮ زاﺋﺪ ﻋﻦ اﻟﺼﺒــﺮ، ﻓﻌﻠﻴﻨﺎ ان ﻧﺮﺿﻰ ﺑﻘﻀﺎء اﷲ وﻗﺪره ﻷﻧﻪ ﻛﻠﻤﺎ اﺷﺘﺪ اﻟﺒﻼء زاد اﻟﻌﻄﺎء ﻣﻦ رب اﻟﻌﺒﺎد.

أﻗﻮال اﻟﺮﺳﻮل ژ ﻓﻲ اﻟﺒﻼء

ﺳﺌﻞ رﺳﻮل اﷲ ژ أي اﻟﻨﺎس أﺷﺪ ﺑﻼء؟ ﻗﺎل: اﻷﻧﺒﻴﺎء ﺛﻢ اﻷﻣﺜﻞ ﻓﺎﻷﻣﺜــﻞ، ﻳﺒﺘﻠﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺴــﺐ دﻳﻨﻪ ﻓﺈن ﻛﺎن دﻳﻨﻪ ﺻﻠﺒﺎ اﺷــﺘﺪ ﺑﻼؤه، وإن ﻛﺎن ﻓﻲ دﻳﻨﻪ رﻗﺔ اﺑﺘﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر دﻳﻨﻪ، ﻓﻤﺎ ﻳﺒــﺮح اﻟﺒــﻼء ﺑﺎﻟﻌﺒﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺮﻛﻪ ﳝﺸــﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرض وﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻄﻴﺌﺔ«.

ﻳﻘﻮل اﻟﻨﺒﻲ ژ: »ﻳﻮد أﻫﻞ اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺣــﲔ ﻳﻌﻄﻰ أﻫﻞ اﻟﺒﻼء اﻟﺜــﻮاب ﻟﻮ أن ﺟﻠﻮدﻫﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺮﺿﺖ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﳌﻘﺎرﻳﺾ«.

وﻗﺎل ژ: »ﻻ ﻳﺰال اﻟﺒﻼء ﺑﺎﳌﺆﻣﻦ ﻓﻲ ﻧﻔﺴــﻪ ووﻟﺪه وﻣﺎﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻠﻘﻰ اﷲ وﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻄﻴﺌﺔ، ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻳﺒﺘﻠﻰ ﺗﺎرة ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﳌﺮض وﻧﺤﻮه وﺗﺎرة ﺑﺎﻟﻮﻟﺪ وﺗﺎرة ﺑﺎﳌﺎل ﻓﻼﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺮ.

ﻓﻬﻨﻴﺌــﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﺒﺘﻠﻰ ﻷﻧﻬﻢ ﺳــﻴﺪﺧﻠﻮن اﳉﻨﺔ ﺑﺈذن اﷲ ورﺣﻤﺘﻪ ﺑﻌﺪ اﳊﺴﺎب ﺑﺸﺮط اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻨﺪ وﻗﻮع اﳌﺼﻴﺒﺔ وأن ﻳﻔﻮﺿﻮا أﻣﺮﻫﻢ إﻟﻰ اﷲ وﻳﻘﻮﻟــﻮن )إﻧﺎ ﷲ وإﻧــﺎ إﻟﻴﻪ راﺟﻌﻮن( ﻓﺎﻟﺒﻼء دﻟﻴﻞ ﺣﺐ اﷲ ﻟﻠﻌﺒﺪ، ﻛﻤﺎ ان اﻟﺒﻼء ﻳﺒﻠﻎ اﳌﺆﻣﻦ اﳌﻨﺎزل اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﺮﻓﻘﺔ اﻟﻨﺒﻲ ژ ﻓﻤﺎ ﻳﺰال اﷲ ﻳﺒﺘﻠﻲ اﻟﻌﺒﺪ ﲟﺎ ﻳﻜﺮه ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻎ ﻫﺬا اﳌﻜﺎﻧﺔ اﻟﻜﺒﺮى.