Al Jarida (Kuwait)

لماذا عجزت اإلنسانية عن الجمع بين العدل والحرية ونجح اإلسالم؟

-

في أول األيـام العشرة األخيرة من الشهر الكريم، ونحن نتضرع إلى الله أن يزيل عنا هذا البالء الذي تمثل في الموقف السلبي لحكوماتنا عن المجازر والمذابح في غزة والضفة، وحرمان شعوبنا في أكثر البالد العربية واإلسالمية من التظاهر، تعبيرا عن سخطها واحتجاجها على سفك دماء الشعب الفلسطيني، بالرغم من المظاهرات التي اجتاحت العالم كله تنديدا بهذه الحرب، حتى في البالد التي تساند حكوماتها الحرب على غزة، والسبب ال يخفى على أحد هو أن هذه البالد تتمتع بالديموقرا­طية والحرية، التي ال نتمتع بها في بالدنا، بالرغم من أن ديننا الحنيف يأمرنا بالحكم الديموقراط­ي كفريضة إلهية في قول سبحانه «وشاورهم في األمر»، وهذه اآلية هي النبتة األولى للديموقراط­ية في تاريخ اإلنسانية، وإن ديننا هو النظام الوحيد الجامع بين العدل والحرية، من أنظمة الحكم الوضعية التي سلكتها اإلنسانية في تاريخها الطويل. العدل

وفي هذا السياق يقول إمام األئمة ابن تيمية: «إن الله يقيم الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، وال يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة». لم ال، والعدل ‪َْ َْ ََ‬

ِْ أساس الملك في قوله سبحانه وتعالى: «وإذا حكمتم بين الناس أن َُّ تحكموا

َِ ‪َِ َِ‬ بالعدل»؟(النساء: )258 و«ولو كان ذا قربى». (االنعام: ،)125 «وال يجرمنكم شنآن قوم على أال تعدلوا» (المائدة:19)، أي العدل المطلق حتى مع من تكره. الحرية

وإن كثيرا من آيات القرآن الكريم تدعونا إلى التفكير والتدبر والعلم، حتى قال رسول الله ﷺ «طلب العلم فريضة» وفي القول المأثور «اطلبوا العلم ولو في الصين»، وهي دولة لم يكن اإلسالم قد دخلها. واإلسالم يقوم على حرية العقيدة، أي حرية االختيار التي جسدتها

ْْ ‪َُّ َََ َِّ‬

‪َْ ََََ‬ آيات الله البينات في قولة تعالى: «ال ُِ إكراهفي الديِن قدَ تبين الرشد من ‪ِِِ َْ َََْ َْْ‬

ِّْ الغي» (البقرة: )256 وقوله سبحانه: «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن

‪ُْ َُْ َُِ‬ َِ

َْ ومن شاء فليكفر»، (الكهف: ،)29 وقوله عز وجل: «ولو شاء ربك َآلمن من في األرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤِمِنين»، (يونس:

‪َِ َْ‬ ،)99 وقوله: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن». (النحل: .)152

ويقول النبي ﷺ في عهده لليهود من بني عوف «إن يهود بني عوف أمة من المؤمنين.. لليهود دينهم وللمسلمين دينهم».

والنبي ﷺ يقول في عهده «للسيد ابن الحارث بن كعب، وألهل ملته، ولجميع من ينتحل دعوة النصرانية في شرق األرض وغربها، قريبها وبعيدها، فصيحها وأعجميها، معروفها ومجهولها، كتابا لهم عهدا مرعيا، وسجال منشورا، سنة منه وعدال، وذمة محفوظة، من رعاها كان باإلسالم متمسكا، ولما فيه الخير مستأهال، أعطيهم عهد الله وميثاقه، وأن أحفظ أقاصيهم وأحمي جانبهم، وأذب عنهم، وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم».

وفي خطاب سيدنا أبي بكر بعد بيعته في مؤتمر السقيفة قال: «أما بعد ُُ أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني»، ويقول سيدنا عمر بن الخطاب على المنبر: «أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه، فقام له رجل، وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه األمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه؟».

وكان أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، وغيرهما من الصحابة أكثر الـنـاس بـصـرا بشريعة اإلســـالم، مـن غير شــك، وأعـمـق إدراكـــا لمبادئها واتجاهاتها بال جدال.

وقد وصف المفكر المستنير عميد األدب العربي د. طه حسين حكم أبي بكر وعمر بالتجربة الجريئة في كتابه «الفتنة الكبرى- عثمان- وعلي وبنوه» في استعراضه لنظم الحكم المختلفة في اإلنسانية، بدءا بحكم الملوك، الذين كانوا يرون أنفسهم آلهة أو ظالال لآللهة، أو ظال إلله واحد، ومرورا بحكم األقلية األرستقراط­ية (النبالء) الذين استأثروا بالعدل وحدهم دون سائر الناس، ثم بحكم الطغاة، الذين ثاروا على حكم األقلية، وحاولوا تحقيق العدل لألكثرية، فباؤوا بالفشل، وظلموا الناس جميعا، ثم بالحكم الديموقراط­ي، فتورط ممثلو األمــة إلـى استبداد، قد يكون، في بعض األحيان، أكثر ظلما وجورا من تورط الملوك اآللهة، أو القلة األرستقراط­ية أو حكم الطغاة، ولم تجاوز كل أنظمة الحكم العدل السياسي إلى العدل االجتماعي، فظهرت الشيوعية، التي أتاحت للطبقة العاملة االنتفاع بثمرة أعمالها، ومنعت الذلة والهوان عن العاجزين عن العمل، لكنها ضحت في سبيل ذلك بحرية الجميع، والفاشية التي ضحت بالحرية والعدل.

وكان الملوك اآللهة، والملوك ظل اآللهة أو اإلله الواحد ال يستمدون سلطتهم من الناس، فلم يكن يعنيهم رضا الناس أو سخطهم، كالشمس حين تشرق أو تغرب، فإنه ال يعنيها في إشرافها رضاء الناس وسعادتهم بإشراقها، أو بأسهم باحتجابها.

ويرى الدكتور طه حسين أن الخالفة اإلسالمية لعهد أبي بكر وعمر حاولت أن تنشئ النظام القويم الذي يضمن للناس الحرية والعدل معا، فمات أبو بكر، رحمه الله، ولم يكد يبدأ التجربة، وقتل عمر، رحمه الله، وقد خطا بالتجربة خطوات واسعة، ولكنه لم يرض عنها أوال، فقد روي عنه أنه كان يقول في آخر خالفته «لو استقبلت من أمري ما استدبرته ألخذت من األغنياء فضول أموالهم فرددتها على الفقراء»، فقد رأى عمر أنه لم يبلغ من تحقيق العدل االجتماعي ما كان يريد، فكيف ولم يعرف المسلمون وال غير المسلمين أميرا حاول من العدل ما حاول عمر، وحقق منه ما حققه عمر، رضي الله عنه.

وال أجد في ختام هذا المقال عبارات أقولها لمن ال يعبأ من حكامنا برأي شعبه اعتمادا على حماية األجنبي أو خوفا من بطشه في هذه المجازر

ُُ والمذابح التي تجري في غزة، خيرا مما رواه أبو بكر الصديق، رضوان الله

‪َِّ ٍُ‬ عليه، عن النبي «وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا ظالما فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب».

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait