Al Jarida (Kuwait)

على غرب «األوروبي» أن ينصت إلى شرقه في أمر أوكرانيا

-

من النادر أن تتصدر كلمات مسؤولي الحكومة الـلـيـتـو­انـيـة عــنــاويـ­ـن األخـــبــ­ـار خــــارج بــلــدهــ­م، فـــآراء ليتوانيا ال تشكل أولوية قصوى حتى لدى حلفائها، ولكن ربما حـان الوقت ألن يتغير ذلــك، فعلى غرب االتحاد األوروبي أن يستمع إلى الشرق في ما يتعلق بأوكرانيا.

إننا ال نفتقر إلـى الـقـدرة، إنما نفتقر إلـى اإلرادة السياسية واإللحاح الالزم لدعم أوكرانيا والحفاظ على أمننا الجماعي، ومن ناحية أخرى، فإن روسيا لــديــهــ­ا اإلرادة لـتـدمـيـر أوكـــرانـ­ــيـــا وإعــــــا­دة تأسيس اإلمــبــر­اطــوريــة الــروســي­ــة، فمتى سنبدأ باستخدام قدرتنا على ردع ذلك؟

ليتوانيا بلد صغير يبلغ عدد سكانه ثالثة ماليين نـسـمـة فــقــط، لــذلــك قـــد ال نـتـوقـع مـنـهـا أن تــقــود رد أوروبا على العدوان الروسي، ومع ذلك فإن االحتالل السوفياتي لليتوانيا، المشبع باالضطهاد والقمع ونظام الحكم الشمولي، مفهوم بعمق حتى بالنسبة لألجيال الشابة.

وقد يبدو من المنطق السليم إعطاء ثقل لوجهات نظر ليتوانيا وجيرانها يفوق ثقل وجهات نظر الدول األخرى، فلماذا ال يحدث هذا؟

لقد تـوقـع فيتوتاس الندسبيرغي­س، الـــذي كان في السابق أول رئيس لبرلمان البلد بعد االستقالل عن االتحاد السوفياتي، وقوع هذه الحرب منذ عام ،2008 ففي مقابلة أجـراهـا موقع إخـبـاري أوروبــي على اإلنـتـرنـ­ت حــول «الــوضــع فـي جـورجـيـا»، أجـاب بصراحة قائال: «إنه ليس الوضع في جورجيا فقط، وإنما الوضع سيئ للغاية في أوروبا، وسيئ للغاية بالنسبة لمستقبل أوروبـــــ­ا، ويـــعـــد كثيرا بالمزيد والمزيد من السوء، فمن التالي بعد جورجيا؟ القادمة هي أوكرانيا».

يتناقض هذا الرأي تناقضا صارخا مع ما أجمع عليه وزراء خارجية االتحاد األوروبي في ذلك الوقت عـنـدمـا أعـــربـــ­وا عـــن «قـلـقـهـم الــبــالـ­ـغ» بــشــأن الــحــرب، فقد انتقدوا رد فعل روسيا غير المتناسب، لكنهم ضغطوا على جـورجـيـا للتوقيع على اتــفــاق وقف إطالق النار المكون من ست نقاط، والذي سمح في األســاس «لـقـوات األمــن» الروسية بتنفيذ «إجـــراء ات أمنية إضافية». وقد أدت اتفاقية وقف إطـالق النار إلى احتالل روسيا لـ02% من أراضي جورجيا، وهو االحتالل المستمر حتى يومنا هذا، وفي عام ،2014 عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم، وافقت دول االتحاد األوروبي األخرى على عقوبات معينة، لكنها استمرت طوال الوقت في إقامة شراكاتها في مجال الطاقة مع المعتدي، وبـدال من ذلـك، قامت ليتوانيا ببناء محطتها الخاصة للغاز الطبيعي المسال، وأطــلــقـ­ـت عليها اســـم «االســـتــ­ـقـــالل»، بـمـا سـمـح لها بالتوقف عن االعتماد على الغاز الروسي.

في عام ،2015 عندما كانت دول االتحاد األوروبي حــــذرة بــشــأن إعــــالن االتـــحــ­ـاد الـــروســ­ـي مـعـتـديـا في منطقتي لوهانسك ودونيتسك في أوكرانيا، صرح سفير ليتوانيا لدى األمـم المتحدة بوضوح قائال: «إن روسيا طـرف مباشر في هـذا الصراع وتتحمل المسؤولية األساسية في الصراع الـذي يمزق لحم أوكرانيا». كيفية الرد على روسيا؟

بحلول عام ،2022 كانت روسيا قد شنت هجوما واسع النطاق على أوكرانيا، فجاءت كلمات الدعم من كل اتجاه، لكن الدعم الملموس كان أقل توافرا، خالل األيام األولى من الحرب، رفضت ألمانيا إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، بل منعت إستونيا من إرسال أسلحتها المدفعية القديمة من طراز هاوتزر.

وفي الوقت نفسه، دقت ليتوانيا، إلى جانب التفيا وإستونيا وبولندا، ناقوس الخطر بشأن التهديد الذي يشكله الوضع على بقية المنطقة، ودعت أوروبا إلــى دعــم أوكـرانـيـ­ا «بكل الـوسـائـل المتاحة»، ويـرى كثيرون في المنطقة أن أوروبا يجب أن تلتزم بشكل ال لبس فيه بمساعدة أوكرانيا على كسب الحرب. وحتى وقت قريب، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل مـاكـرون نفسه يقترح أن أوكـرانـيـ­ا يجب أن تتنازل عن بعض سيادتها لتلبية مطالب بوتين، فقوبلت مثل هذه التعليقات ببرود في دول البلطيق وأوروبا الشرقية، وعندما غير ماكرون استراتيجيت­ه ليقول إنه ال يستبعد إرسال قوات إلى أوكرانيا، واجه ردود فعل عنيفة من عدة عواصم أوروبية، لكنه وجد حليفا في ليتوانيا. ترسيخ المركزية الغربية:

يـسـلـط هــــذا الــمــنــ­ظــور الــتــاري­ــخــي الـــضـــو­ء على االختالف الصارخ في الرأي بين دول مثل ليتوانيا والتفيا وإستونيا وبولندا وجمهورية التشيك مقارنة بدول أوروبا الغربية مثل فرنسا أو ألمانيا، ويشير هذا إلى أن ظاهرة «المركزية الغربية» ال تزال سائدة في االتحاد األوروبي.

فلم يتم اختيار مرشحين من أوروبا الشرقية قط لتولي أدوار حاسمة مثل منصب األمين العام لمنظمة حلف شمال األطلسي، على سبيل المثال، بل إنهم في واقع األمر يتعرضون للتشويه، ومن ذلك ما فعله نائب رئيس المفوضية األوروبــي­ــة السابق فرانس تيمرمانز ومسؤول واحد على األقل في المفوضية بشكل غير رسمي.

ال تزال أوروبا الغربية تنظر إلى أوروبا الشرقية ودول البلطيق فال ترى فيها شركاء مساوين، ونتيجة لهذا فإن االتحاد األوروبي- الخاضع لهيمنة الغرب- ال ينظر إلى روسيا باعتبارها تهديدا مباشرا لألمن األوروبـــ­ــــي. وفـــي بــــادرة إيـجـابـيـ­ة لــالعــتـ­ـراف، ذكــرت رئيسة المفوضية األوروبية أورسوال فون دير الين في خطابها السنوي عن حالة االتحاد في عام 2022 قائلة: «كان ينبغي علينا أن نستمع إلى أصوات داخل اتحادنا، أتت من بولندا ومنطقة البلطيق وجميع أنحاء وسط وشرق أوروبــا»، والبد أن تشكل لحظة االعتراف العابرة هذه أساسا لمناقشة ذات مغزى أكـبـر حـــول مــن يتخذ الــقــرار فــي االتــحــا­د األوروبـــ­ـي وعلى أي أساس. * محاضرة في معهد صنع السياسات األوروبية بجامعة بوكوني

«آسيا تايمز»

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait