Al Jarida (Kuwait)

أهمية رأس المال البشري في الكويت

- د. طارق عبدالمحسن الدويسان

من األساسيات المتفق عليها أن رأس الـمـال البشري يمثل الركيزة األساسية للتنمية في أي دولة، إذ يؤدي دورا حيويا في رفع الناتج المحلي اإلجمالي.

وبخالف األصول المادية كالمال، الذي تنخفض قيمته بفعل التضخم، والمعدات واآلالت التي تتآكل بمرور الزمن، يتفرد رأس الـمـال البشري بقدرته على زيــادة قـيـمـتـه عــبــر الـــزمـــ­ن، فــهــو نــــواة االبــتــك­ــار واإلنتاجية داخل أي مؤسسة، وهو محور تشغيل وإدارة العمليات اإلنتاجية.

وتبرهن التجارب العالمية على أهمية هـذا العنصر الفريد، حيث تبرز تجربة اليابان كنموذج ملهم؛ فقد ارتقت من ركام الحرب العالمية الثانية بفضل استثمارها فـي رأس الـمـال الـبـشـري، رغــم محدودية مواردها الطبيعية. كذلك، تبرز سنغافورة كمثال رائع آخر على قوة االستثمار في البشر، حيث تجاوزت التحديات المرتبطة بمحدودية مساحتها - التي ال تتجاوز حجم مملكة البحرين - لتصبح في زمن قياسي إحدى الدول األكثر تقدما وابتكارا.

هذه النجاحات المذهلة تؤكد، بما ال يدع مجاال للشك، الدور الفاعل واألساسي الذي يمكن أن يؤديه رأس المال البشري في تشكيل مستقبل األمم.

لكن ماذا عن الكويت؟ هل الدولة مدركة ألهــمــيـ­ـة رأس الـــمـــا­ل الـــبـــش­ـــري؟ الـــجـــو­اب

نعم، وهي ما فتئت تذكره وتذكر به في خططها وبرامجها واستراتيجي­اتها، مما يعكس تـقـديـرا واضـحـا لـــدوره الحاسم. ومــــع ذلـــــك، عــنــدمــ­ا نـنـظـر إلــــى التطبيق الـعـمـلـي لــهــذه االســتــر­اتــيــجــ­يــات، نـواجـه واقعا مخالفا تماما!

فنظرة سريعة إلــى مشاريع التنمية تكشف أن اإلنفاق الحكومي على البنية التحتية المادية يفوق بكثير االستثمار فـــي تـطـويـر الـــكـــف­ـــاءات الـبـشـريـ­ة وزيــــادة إنتاجية نظم العمل، ومعظم اإلنفاق على التعليم يذهب إلى الرواتب وبناء مدارس وجامعات ذات مظهر جذاب، لكن بإنتاجية محدودة.

ولــو أن 30 بالمئة فقط مـن األمـــوال الــمــخــ­صــصــة لـتـشـيـيـ­د مــديــنــ­ة صــبــاح السالم الجامعية - التي تبلغ تكلفتها مليارات - قد استثمرت في جذب أفضل األســــات­ــــذة وتـــوفـــ­يـــر الـــمـــع­ـــدات الـــالزمـ­ــة للمختبرات، لـكـانـت الـنـتـائـ­ج مختلفة تماما عن الواقع الحالي. ولو تم تطوير إجــراء ات البحث العلمي وتقديم الدعم الــمــادي المناسب للباحثين، لشهدنا تـمـيـزا كـبـيـرا فــي اإلنـــتــ­ـاج الـبـحـثـي من حيث الكم والكيف. ولو زادت الحكومة مــــن إنـــفـــا­قـــهـــا عـــلـــى الـــتـــد­ريـــب الــنــوعـ­ـي لموظفيها بـــدال مــن خفضها وتقديم التكلفة على الجودة عند تقييم العروض التدريبية، لكان ذلك قد قلل من الترهل والهوان الذي يعانيه الجهاز الحكومي. ولـو كانت الحكومة تولي أهمية أكبر للتدريب النوعي وتعزيز المهارات لدى موظفيها، بزيادة الميزانيات المرصودة لــلــتــد­ريــب، بــــدل تـقـلـيـصـ­هـا، وتـفـضـيـل االسـتـثـم­ـار فــي جـــودة بــرامــج التدريب على مجرد التوفير في التكاليف، لرأينا تــحــســن­ــا مــلــمــو­ســا فـــي كـــفـــاء­ة الـجـهـاز الحكومي وفعاليته.

نـعـم، نـحـن نسمع ونــقــرأ عــن تقدير الدولة لرأس المال البشري، ولكن الواقع الملموس يخلو من األدلة الداعمة لهذا االدعاء!

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait