أهمية رأس المال البشري في الكويت
من األساسيات المتفق عليها أن رأس الـمـال البشري يمثل الركيزة األساسية للتنمية في أي دولة، إذ يؤدي دورا حيويا في رفع الناتج المحلي اإلجمالي.
وبخالف األصول المادية كالمال، الذي تنخفض قيمته بفعل التضخم، والمعدات واآلالت التي تتآكل بمرور الزمن، يتفرد رأس الـمـال البشري بقدرته على زيــادة قـيـمـتـه عــبــر الـــزمـــن، فــهــو نــــواة االبــتــكــار واإلنتاجية داخل أي مؤسسة، وهو محور تشغيل وإدارة العمليات اإلنتاجية.
وتبرهن التجارب العالمية على أهمية هـذا العنصر الفريد، حيث تبرز تجربة اليابان كنموذج ملهم؛ فقد ارتقت من ركام الحرب العالمية الثانية بفضل استثمارها فـي رأس الـمـال الـبـشـري، رغــم محدودية مواردها الطبيعية. كذلك، تبرز سنغافورة كمثال رائع آخر على قوة االستثمار في البشر، حيث تجاوزت التحديات المرتبطة بمحدودية مساحتها - التي ال تتجاوز حجم مملكة البحرين - لتصبح في زمن قياسي إحدى الدول األكثر تقدما وابتكارا.
هذه النجاحات المذهلة تؤكد، بما ال يدع مجاال للشك، الدور الفاعل واألساسي الذي يمكن أن يؤديه رأس المال البشري في تشكيل مستقبل األمم.
لكن ماذا عن الكويت؟ هل الدولة مدركة ألهــمــيــة رأس الـــمـــال الـــبـــشـــري؟ الـــجـــواب
نعم، وهي ما فتئت تذكره وتذكر به في خططها وبرامجها واستراتيجياتها، مما يعكس تـقـديـرا واضـحـا لـــدوره الحاسم. ومــــع ذلـــــك، عــنــدمــا نـنـظـر إلــــى التطبيق الـعـمـلـي لــهــذه االســتــراتــيــجــيــات، نـواجـه واقعا مخالفا تماما!
فنظرة سريعة إلــى مشاريع التنمية تكشف أن اإلنفاق الحكومي على البنية التحتية المادية يفوق بكثير االستثمار فـــي تـطـويـر الـــكـــفـــاءات الـبـشـريـة وزيــــادة إنتاجية نظم العمل، ومعظم اإلنفاق على التعليم يذهب إلى الرواتب وبناء مدارس وجامعات ذات مظهر جذاب، لكن بإنتاجية محدودة.
ولــو أن 30 بالمئة فقط مـن األمـــوال الــمــخــصــصــة لـتـشـيـيـد مــديــنــة صــبــاح السالم الجامعية - التي تبلغ تكلفتها مليارات - قد استثمرت في جذب أفضل األســــاتــــذة وتـــوفـــيـــر الـــمـــعـــدات الـــالزمـــة للمختبرات، لـكـانـت الـنـتـائـج مختلفة تماما عن الواقع الحالي. ولو تم تطوير إجــراء ات البحث العلمي وتقديم الدعم الــمــادي المناسب للباحثين، لشهدنا تـمـيـزا كـبـيـرا فــي اإلنـــتـــاج الـبـحـثـي من حيث الكم والكيف. ولو زادت الحكومة مــــن إنـــفـــاقـــهـــا عـــلـــى الـــتـــدريـــب الــنــوعــي لموظفيها بـــدال مــن خفضها وتقديم التكلفة على الجودة عند تقييم العروض التدريبية، لكان ذلك قد قلل من الترهل والهوان الذي يعانيه الجهاز الحكومي. ولـو كانت الحكومة تولي أهمية أكبر للتدريب النوعي وتعزيز المهارات لدى موظفيها، بزيادة الميزانيات المرصودة لــلــتــدريــب، بــــدل تـقـلـيـصـهـا، وتـفـضـيـل االسـتـثـمـار فــي جـــودة بــرامــج التدريب على مجرد التوفير في التكاليف، لرأينا تــحــســنــا مــلــمــوســا فـــي كـــفـــاءة الـجـهـاز الحكومي وفعاليته.
نـعـم، نـحـن نسمع ونــقــرأ عــن تقدير الدولة لرأس المال البشري، ولكن الواقع الملموس يخلو من األدلة الداعمة لهذا االدعاء!