Al Jarida (Kuwait)

سارة النمس: ال يمكن للكلمة أن تخرس آالت الحرب!

أديبة جزائرية فتحت عينيها على الدم وأذنيها على التفجيرات

- القاهرة – أحمد الجمال

بلغة رشيقة تدفق حكاياتها في قالب سردي أنيق، خاضت تجربة الكتابة القصصية، لكنها تجد متعتها الكبرى في عالم الرواية، إذ تقول األديبة الجزائرية، سارة النمس، في حوار أجرته معها «الجريدة» من القاهرة، إنها مهووسة بالوصف، لذا فالرواية تمنحها فضاء رحبا لكتابة التفاصيل. وأضافت الكاتبة التي سبق أن رشحت روايتها «جيم» للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، أنها مشغولة دائما بأن ترضى عن قوة النص حين تعيد قراءة ما خطته يداها، وفي ظل الحروب التي تشهدها مناطق عدة حول العالم قالت النمس إن الكلمة بكل أسف ال يمكن أن تخرس آالت الحرب، وفيما يلي نص الحوار:

• بـدايـة، حدثينا عـن األجــواء التي نشأت فيها بالجزائر، وكيف أسهمت فـي تشكيل رؤاك وبناء عالمك الروائي.

- عـــشـــت طــفــولــ­تــي فــــي بـــدايـــ­ة التسعينيات، فــي الـفـتـرة األكـثـر دمـــويـــ­ة مـــن الــعــشــ­ريــة الــــســـ­ـوداء، كـنـت طفلة فتحت عينيها على الــــدم وأذنـــيــ­ـهـــا عــلــى الـتـفـجـي­ـرات وحكايات المجازر واالغتياال­ت الــــيـــ­ـومــــيــ­ــة، كـــــبـــ­ــرت وأنـــــــ­ـا أعـــانـــ­ي الـخـوف الـدائـم مـن انـعـدام األمــن، وربــــمــ­ــا أســـهـــم ذلـــــك فــــي تـشـكـيـل بعض الثيمات في روايـاتـي. من الـطـبـيـع­ـي أن يــعــود الــكــاتـ­ـب إلـى ذاكـــرتــ­ـه األولـــــ­ـى، ويــكــتــ­ب عـــن كل مـا تـأثـر بـه مـن صـدمـات وخـوف وعنف، عـدا هـذا الجانب، أنتمي إلــــــى بــــلــــ­د فـــــي شــــمــــ­ال إفـــريـــ­قـــيـــا، الـــجـــز­ائـــر ثـــريـــة بــإرثــهـ­ـا الـثـقـافـ­ي الـمـتـنـو­ع وحــضــارا­تــهــا القديمة وتاريخها، وهذا كله ملهم لكتابة العديد من القصص والـروايـا­ت، المتنوعة وفي تقديم أدب مختلف بـخـصـوصـي­ـة تــاريــخـ­ـه وثــقــافـ­ـتــه المحلية.

• دراســتــك لـــأدب اإلنكليزي، كيف ساعدت على توسيع دائرة اطـــــاعـ­ــــك، مـــــن ثـــــم انــــطـــ­ـاقــــك فـي فضاء ات السرد؟

- الـــــرائ­ـــــع بـــهـــذا الــــشـــ­ـأن أنـــنـــي اســـــتــ­ـــمـــــت­ـــــعــــ­ـت كــــــثــ­ــــيـــــ­ـرا بــــمــــ­جــــال تخصصي وبــســنــ­وات دراســتــي،

َِ على عكس آخرين مـمـن تورطوا في مجاالت ال تشبههم وبعيدة عن ميولهم، كنا نــدرس األدبين اإلنــــكـ­ـــلــــيـ­ـــزي واألمـــــ­يـــــركــ­ـــي وأدب الـعـالـم الـثـالـث الـمـكـتـو­ب باللغة

اإلنكليزية، وهــذا أتــاح لي قـراءة الـعـديـد مــن الـــروايـ­ــات الـتـي كنت أجهلها وتحليلها أيـضـا ضمن البحوث واالمتحانا­ت التي كنا نـــجـــتـ­ــازهـــا، والـــتـــ­حـــلـــيـ­ــل يــســاعــ­د الــــكـــ­ـاتــــب عــــلــــ­ى الــــقـــ­ـيــــام بـــــقـــ­ــراء ة نــقــديــ­ة والــتــعـ­ـرف إلـــى الـتـقـنـي­ـات ومـــا يـمـيـز عــمــا أدبـــيـــ­ا عــن آخــر، مــن فـنـيـات ومــــدارس وتـوجـهـات وأيديولوجي­ات، تلك التراكمات المعرفية ساعدتني الحقا كثيرا فــي مــجــال الـكـتـابـ­ة بـحـيـث أكتب وأنـــــا أعــــي الــطــريـ­ـقــة الـــتـــي أكـتـب بـــهـــا، كــمــا أن إتـــقـــا­ن لــغــة ثـانـيـة وثـــالـــ­ثـــة جـــيـــد دائــــمــ­ــا فــــي قـــــراء ة األعمال المكتوبة بلغتها األم من دون اللجوء إلى الترجمة، وهذه ميزة رائعة أخرى للتخصص في لغات أجنبية، أتقنت اإلنكليزية والفرنسية، وأحـلـم بتعلم اللغة اإلســبــا­نــيــة ألقـــــرأ بــهــا الـــروايـ­ــات اإلسبانية وأدب أميركا الاتينية، أتخيل أن ذلك التلقي سيختلف ما يشبه أن تشاهد ممثا يؤدي دوره بـلـغـتـه وبــيــن أن تـشـاهـده وتـــصـــغ­ـــي إلـــــى صــــــوت الــدبــلـ­ـجــة بصوت آخر ولغة أخرى.

• حينما تشرعين فـي كتابة عمل جديد، ما الهاجس الرئيس الذي يهيمن عليك؟

- الـهـاجـس الــذي يهيمن علي وأهـــم ســـؤال أطــرحــه على نفسي هــو: «هــل أنــا بـصـدد كـتـابـة عمل جــــيــــ­د؟» الـــهـــا­جـــس يــكــمــن فـــي أن أكون راضية عن قوة النص وأنا أعيد قراء ة الفصول التي كتبتها، راضـــيـــ­ة عـــن مـــســـار الـــســـر­د وفــي التقنيات التي أستخدمها وفي حــــال الـــعـــك­ـــس، مـــا يـــحـــدث أنــنــي أتوقف فورا، أنسحب من الكتابة وأمـــنـــ­ح نـفـسـي الـــوقـــ­ت الـــــازم أو أحذف وأعيد الكتابة، كذلك هناك روايات كثيرة تركتها نهائيا في منتصفها ولم أعد إليها ألكملها، بل بـدال عن ذلك أشـرع في كتابة عــــمــــ­ل جـــــديــ­ـــد، مـــنـــذ فــــتــــ­رة مـــثـــا انتبهت إلــى أنـنـي قضيت يوما كاما في صياغة فقرة واحدة من بضع سطور والرواية التي أعمل عليها حــالــيــ­ا، اسـتـغـرقـ­ت ثاثة أشهر ألنتهي من كتابة فصلها األول الــــذي يـتـألـف مــن ثــاثــة أو أربــــعــ­ــة صـــفـــحـ­ــات ال أكــــثـــ­ـر، كــنــت أواجــــه خــلــا غــامــضــ­ا لــم أتـعـرف عـلـيـه، أكــتــب وأحــــذف طــــوال تلك األشهر وأنا أسعى ألن أفهم، لماذا لست راضية لحد اآلن وما الذي يمنعني مــن الـمـضـي فــي كتابة بقية الـفـصـول؟ رغــم أن الحكاية مــــوجـــ­ـودة بــكــامــ­ل شـخـصـيـات­ـهـا

وتفاصيلها فـي رأســـي، وعندما عـثـرت عـلـى الـخـلـل انطلقت مثل فرس تركض ولم يوقفني شيء.

• تتنوع إبداعاتك بين القصة والرواية، على أي أساس تحددين القالب األدبي الذي تسكبين فيه نصك؟

- كـــــــي أكــــــــ­ــــون صــــــــا­دقــــــــ­ة، أنـــــا روائـــــي­ـــــة أكــــثـــ­ـر مــــمــــ­ا أنـــــا قــــاصـــ­ـة، كــتــبــت الــقــصــ­ص فـــي مــنــاســ­بــات قليلة وعـفـويـة عـنـدمـا اجتمعت فــي ذهــنــي حـكـايـات تنفع لـسـرد قـــصـــيـ­ــر والـــــتـ­ــــي تــــمــــ­يــــزت بـــأنـــه­ـــا قـصـص الـثـيـمـة الـــواحــ­ـدة فــي كل مـــن «الــــدخــ­ــاء» و»إبــلــيــ­س يطلب الــمــغــ­فــرة»، تـتـنـوع الشخصيات واألمكنة والتفاصيل، لكن الثيمة واحدة تربط بين جميع القصص لكن نفس سردي روائي وطويل، وأنـــا كـاتـبـة مـهـووسـة بالوصف والـــتـــ­فـــاصـــي­ـــل، لــــــذا أرتـــــــ­ـاح أكــثــر فــي الــروايــ­ة ألنــهــا تمنحني ذلك الفضاء الرحب لكتابة التفاصيل من دون التقيد بضوابط وفنيات القصة القصيرة.

• حرب غزة وضعت أيادي دول عـــدة عـلـى الـــزنـــ­اد، وبـــدأ كثيرون يـــتـــحـ­ــدثـــون عـــــن حــــــرب عــالــمــ­يــة وشــــيـــ­ـكــــة، كـــيـــف يـــمـــكـ­ــن لـــأديـــ­ب أن يــخــرس آالت الـــحـــر­ب بـسـاح الكلمة؟

- لــأســف ال يـمـكـن للكلمة أن تخرس آالت الحرب، وال يمكنها أن تصلح خراب هذا العالم.

• مـا الــذي يـؤرقـك حاليا وقد يدفعك إلى االنخراط في تجربة إبداعية جديدة؟

- الظلم الـــذي يـحـدث كـل يـوم، واإلنـــسـ­ــان الــــذي كــانــت خطيئته األولـــــ­ى هـــي الـــــــو­الدة، وأن يــكــون إنـــــســ­ـــانـــــ­ا ويــــحـــ­ـمــــل هــــــــذ­ا الــــقـــ­ـدر الـمـحـتـو­م بـالـتـواج­ـد فــي عــالــم ال حـريـة فيه والعــدالـ­ـة وال مـسـاواة وال رحمة وال منطق. كل ما يحدث حولنا من إبادة ومجازر وحروب يـدفـعـنـا لـلـتـسـاؤ­ل عــن طبيعتنا كبشر وتركيبتنا، وأن نجد طرقا لـــمـــقـ­ــاومـــة الــقــبــ­ح والـــعـــ­ثـــور على الـــجـــم­ـــال فـــي تــفــاصــ­يــل صــغــيــر­ة، نقاوم بأساليب كثيرة من بينها أن نقرأ وأن نكتب.

أنا مهووسة بالوصف والرواية تمنحني فضاء رحبا لكتابة التفاصيل

أتقن اإلنكليزية والفرنسية ولدي تراكمات معرفية ساعدتني في مجال الكتابة

يشغلني أن أكون راضية عن قوة النص وأنا أعيد قراءة ما كتبت

 ?? ?? سارة النمس
سارة النمس
 ?? ?? غاف المجموعة
غاف المجموعة
 ?? ?? غاف رواية «جيم»
غاف رواية «جيم»
 ?? ?? ... وغاف «على فراش الحياة»
... وغاف «على فراش الحياة»

Newspapers in Arabic

Newspapers from Kuwait