أردوغان يضع ثقله الستعادة إسطنبول من العلمانيين
تقدم غير مريح إلمام أوغلو عشية انتخابات بلدية العاصمة االقتصادية لتركيا
يقترع الناخبون األتراك اليوم في انتخابات بلدية هي األولى بعد االنتخابات الرئاسية، وتعد إسطنبول معركتها األبرز.
تشهد تركيا اليوم انتخابات بلدية هي األولى بعد انتخابات رئاسية تنافسية فاز بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغـان لوالية جديدة تبقيه في السلطة حتى عام ،2028 ويشير مراقبون إلــى أن االختبار الرئيسي سيكون في مدينة إسطنبول.
وفي عام ،2019 انتخب مرشح ائتالف أحزاب المعارضة أكرم إمام أوغلو رئيسا لبلدية إسطنبول، غير أن أردوغـــان الذي لــــم يـتـقـبـل الـــخـــســـارة ألـــغـــى نــتــائــج هــذه االنـتـخـابـات، ليعاد تنظيمها بعد ثالثة أشـهـر وليشهد فــوز إمـــام أوغـلـو مـجـددا، فيما تسبب في انتكاسة كبيرة له، بعدما كانت العاصمة االقتصادية للبالد أحد أبرز معاقل حزب العدالة والتنمية اإلسالمي.
وبات ينظر الى إمام أوغلو، الذي ينتمي الى حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي اسسه أتاتورك، على أنه المرشح الوحيد القادر على خوض انتخابات رئاسية ضد أردوغان بعد هزيمة كمال كليشدار أوغلو زعيم الشعب الجمهوري بعد أن أصر على تمثيل المعارضة في االنتخابات الرئاسية التي جرت في مايو الماضي رغم إصرار بـعـض أطــــراف االئـــتـــالف الــمــعــارض على تسمية إمام أوغلو.
فـي المقابل، اخـتـار أردوغـــــان لخوض المعركة وزير البيئة السابق مراد كوروم، الذي لم يكن يعد شخصية سياسية بارزة، لكنه بات اليوم نجما أساسيا في جميع وسائل اإلعالم الموالية للحكومة.
واعتبر المحلل لـدى «غلوبال سورس بــارتــنــرز» أتـيـال يـشـيـالدا أن االنتخابات البلدية «أكثر أهمية» من انتخابات مايو الـــمـــاضـــي، بـيـنـمـا تـمـثـل إســطــنــبــول مهد مسيرة أردوغان السياسية، حيث ولد في المدينة ثم برز تحت األضواء عندما تولى منصب عمدة العاصمة في عام ،1994 لكن فـتـرة واليــتــه انتهت فـجـأة فــي عــام 1998 عندما سجنته الدولة العلمانية في تركيا، ألنــه ألقى قصيدة «الــمــآذن هـي حرابنا»، لكنه أمر بعد عقدين بتحويل آيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد. مباراة عودة
وتــســود قناعة بين جميع األتـــــراك أن االنتخابات البلدية في إسطنبول اليوم هــي مــبــاراة الــعــودة بين أردوغـــــان وإمـــام أوغلو. ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوزيجين بإسطنبول، مراد سومر، أن «المنافس الحقيقي الردوغـان هو إمام أوغلو، السياسي الوحيد الـذي تمكن من هزيمة اردوغـــان ثـالث مـــرات»، مشيرا إلى الـتـصـويـتـيـن فـــي إســطــنــبــول عــــام 2019 وسباق عام .2014
وأضـــاف سومر أن القضايا الجنائية المرفوعة ضد إمام أوغلو، والتي انتقدها مراقبون دوليون، كانت عالمة أخرى على كيفية نظر اردوغــان إلى عمدة إسطنبول باعتباره «المرشح الواعد للتغيير».
وإذا فـاز اردوغـــان في انتخابات اليوم فسيوجه ذلك ضربة قوية للمعارضة في تركيا، بعد أن هزت االنقسامات الداخلية حــــــزب الـــشـــعـــب الـــجـــمـــهـــوري الـــمـــعـــارض الرئيسي منذ هزيمته في مايو .2023
كما انهار تحالف المعارضة، الذي ضم ستة أحزاب بمناسبة االنتخابات الرئاسية في مايو الماضي، مع قيام العديد من هذه األحـزاب بتقديم مرشحين منفصلين في السباقات االنتخابية بجميع أنحاء تركيا.
وأوضح األستاذ في جامعة سابانجي بــــإســــطــــنــــبــــول بـــــيـــــرك إيـــــســـــن أن «هــــــذه االنـتـخـابـات هـامـة ألحــــزاب الـمـعـارضـة، الــتــي تـعـانـي بـالـفـعـل مــن الــفــوضــى. إذا خسرت إسطنبول فسيكونون في موقف صعب».
وعبر أحد كبار السياسيين في حزب الشعب الجمهوري، والذي طلب عدم ذكر اسمه، عن األمر بشكل أكثر صراحة حين قال: «سيفقد الناس األمل (إذا خسر إمام أوغـــلـــو)»، مــحــذرا مــن أن «الـمـعـارضـة لن تستطيع الـوقـوف في طريق اردوغـــان»، إذا خسرت إسطنبول.
في المقابل، قال رئيس حزب العدالة والتنمية فـي إسطنبول، عثمان نـوري كاباكتيبي، إن إسطنبول بمنزلة «نافذة على بقية البالد» سواء كان ذلك «بالثقافة أو األعمال أو الرياضة أو االقتصاد». أبعد من العلمانيين
ويعتبر إمام أوغلو محوريا بالنسبة للمعارضة ألنــه واحـــد مــن السياسيين القالئل الـقـادريـن على الـوصـول إلــى ما هو أبعد من قاعدة الناخبين العلمانية لــحــزب الـشـعـب الــجــمــهــوري، وقـــد تعهد خــالل حملته بجلب األلــعــاب األولمبية إلى إسطنبول، وتمويل رواد األعمال في
مـجـال التكنولوجيا والـفـنـون وافتتاح العشرات من المتنزهات.
كما وعد بإعادة تأهيل 110 آالف منزل معرض للخطر، وبناء 20 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المنخفض، استعدادا لزلزال كبير يقول علماء الزالزل إنه أمر ال مفر منه في إسطنبول، وهي قضية اكتسبت أهمية متزايدة بعد الـزلـزال المدمر الــذي ضرب جنوب تركيا في فبراير الماضي.
واتهم كوروم، الذي كان معروفا سابقا فـي تركيا لـــدوره فـي استجابة الحكومة الـمـتـعـثـرة أحــيــانــا لـــلـــزلـــزال، إمـــــام أوغــلــو بـــ «الــــخــــداع» لفشله فــي جـعـل إسطنبول «مقاومة للكوارث»، وقد تعهد ببناء 600 ألـــف مـــنـــزل، أي حـــوالـــي نـصـف المساكن المعرضة للخطر في المدينة. بروفة لالنتخابات الرئاسية
فــي هـــذا اإلطـــــار، قـــال إمــــام أوغــلــو أمــام حشد من المؤيدين: «أتساءل من هو فعال منافسنا؟»، في إشارة ساخرة من مشاركة الرئيس التركي في الحملة االنتخابية.
ولكن مــرارة خسارة إسطنبول ال تزال قاسية بالنسبة ألردوغان الذي يملك وقتا غير محدد للتحدث عبر شاشة التلفزيون، والذي لطالما انتقد إمام أوغلو بشكل الذع من دون أن ينطق اسمه، خصوصا أن هذا األخير بات أخطر منافس له على المستوى الوطني. واتهمه بأنه مجرد «رئيس بلدية بدوام جزئي» منشغل بطموحاته الرئاسية.
بالنسبة للكثير مـن المراقبين، فإن إعــــادة انـتـخـاب أكـــرم إمـــام أوغــلــو األحــد
ستكسبه نقاطا في االنتخابات الرئاسية التي ستجرى في سنة .2028
وتظهر استطالعات الرأي بشكل عام أن إمام أوغلو في المركز األول قبل تصويت الــيــوم األحـــــد، لـكـن نــطــاق تـقـدمـه يتباين بشكل كبير. وأظهر استطالع أجرته شركة ميتروبول في مارس الجاري تقدم أوغلو بنحو 10 نقاط مئوية مع 39.5 في المئة من األصوات، لكن استطالعا خاصا اطلعت عليه صحيفة فايننشال تايمز أعطى عمدة إسطنبول تقدما بثالث نقاط فقط.
وأشـــــــــــار كـــــــان ســــلــــكــــوكــــي مــــــن مـــركـــز إسطنبول لالبحاث االقتصادية إلى أن نتائج االنتخابات ستعتمد كثيرا على تــصــويــت نــاخــبــي األحـــــــزاب الــصــغــيــرة، كحزب الديموقراطيين المؤيد لألكراد، و(ايي) القومي، والرفاه الجديد اإلسالمي، ما إذا كانوا سيختارون كـوروم أو إمام أوغلو.
غـيـر أن الـمـديـنـة الـتـي يسكنها 15.7 مــلــيــون نــســمــة، أو نــحــو خــمــس ســكــان تــــركــــيــــا، تـــحـــمـــل مـــخـــاطـــر كــــبــــيــــرة، فــقــد تسببت فــي هـزيـمـة مــريــرة للمعارضة في االنتخابات الرئاسية مايو الماضي.
وستكون للنتيجة في إسطنبول، هذه المدينة الشاسعة التي تمثل %30 من الناتج االقتصادي التركي، آثار واسعة، حـيـث سيسيطر الـفـائـز فيها عـلـى قـوة بــلــديــة تــضــم أكــثــر مـــن 40 ألـــف مــوظــف، وميزانية سنوية تبلغ حوالي 516 مليار ليرة تركية 16( مليار دوالر)، فضال عن الوصول إلى ماليين الناخبين.