خطوات التعايش في ميانمار
أضرت الأزمة الإنســـانية التي حلت بأقليـــة الروهينجا في ميانمار بالاستقرار السياسي للدولة، وحطمت صورتها كبلد يتحرك صوب الديمقراطيـــة. كمـــا لطخت ســـمعة زعيمة الحكومـــة (بحكم الأمر الواقع) أونج ســـان ســـو تشـــي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وشككت في مؤهلات وكفاءات إدارة الأزمة لدى كل من رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) والأمم المتحدة، وأثارت السخرية من المؤسسات الدولية المعنية بمنع النزاعات.
لكـــن رغـــم كل هذه الظروف التـــي تنذر بالأســـوأ، لا يزال الحل ممكنـــا، وإن كان تحقيقـــه يســـتوجب الإســــــراع باتخـــاذ خمــس خطوات دون تأجيل.
أولا وقبل كل شيء، يجب وقف عمليات القتل والأعمال الوحشية، وهو أمر صعب بقدر ما هو ضروري. فلقد تورط جيش ميانمار في حملة متواصلة من التطهير العرقي هدفها الرئيس طرد الروهينجا من البلاد. ورغم اســـتحالة إصـــلاح ما وقع من أضـــرار، يمكن، بل وينبغي، وقف سفك دماء جديدة أو أعمال طرد أخرى موجهة.
لكن لكي يحدث هذا، يجب كذلك كبح المتطرفين الروهنجيين. فعلـــى عكس الرواية الســـائدة فـــي الغرب، جرى اســـتفزاز جيش ميانمـــار بعد أن شـــــن المتمــردون سلســــــلة مـــن الهجمات على مواقع للشـــرطة والجيش في أغســـطس الفائت. واســـتغل جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان (أرسا) تاريخا من الصدامات المسلحة بيـــن البوذيين والمســـلمين في ولايـــة راخين ليتولـــى قيادة حملة متزايدة العنف.
تكمـــن المشـــكلة بالطبع في الاســـتخدام غيـــر المتكافئ للقوة مـــن جانب الجيش، الذي رد على ضربات جيـــش إنقاذ الروهينجا بإطـــلاق حملة شـــعواء لحرق الأخضر واليابس أســـفرت عن مقتل ما يصل إلى ثلاثة آلاف شـــخص. كما أحـــرق الجنود قرى بأكملها للروهينجـــا، وتورطـــوا في اعتداءات جنســـية، ودمروا المســـاجد، وتســـببوا في نـــزوح جماعـــي. ويصـــف المفوض الســـامي للأمم المتحدة لحقوق الإنســـان زيد رعد الحســـين ما يجري في ميانمار بأنه »نموذج كلاســـيكي لتطهير عرقـــي«، بينما وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس الأزمة »بالكارثية«.
فـــي الوقت ذاته، أخفقت ســـو تشـــي في ممارســـة أي ســـلطة معنويـــة، بل بدت وكأنها تبرر وتدافع عـــن ما يجري عندما أصرت علـــى أن »جبـــل جليدي ضخم مـــن المعلومـــات المضللـــة يروج لمصلحـــة الإرهــــابييـــن«. وهي بالطبـــع محصـــورة بيـــن جيـــش مســـتقل يحتفظ بالســـــيطرة الكاملة على الخدمـــات الأمنية في البلاد، وسكان غالبيتهم من البوذيين تتملكهم مشاعر متجذرة من التعصـــب والتحيـــز. إلا أن ورطة كهذه لا تبرر فشـــلها في إدانة ما يحدث أمام ناظريها.
لكن لا شـــك أن حكومة سو تشي تشعر بالاســـتياء من البيانات المثاليـــة، غيـــر الحيادية فـــي نفس الوقـــت، التي يصدرهـــا غالبا زعمـــاء غربيـــون وممثلـــون للأمـــم المتحـــدة، ومبعـــث ذلك الاســـتياء احتفاظ متطرفي الروهينجا بصلات راســـخة مع متطرفين مـــن الخارج، مـــن بينهـــم إرهابيـــون فـــي تنظيم داعش. ومما يعقـــد موقف الجيش ما ذكرتـــه مجموعة الأزمـــة الدولية مـــن أن جيـــش إنقـــاذ الروهينجـــا يأتمـــر بأمـــر متطرفيـــن يقيمـــون في إحدى بلدان الشـــرق الأوســـط ويتمتعون بخبرات واسعة في حرب العصابـــات. وقليلـــون فـــي الغرب يدركـــون التحديات التـــي يواجهها صنـــاع القـــرار فـــي الـــدول النامية التـــي تحـــارب التطرف مـــن جانب المتمردين والإرهابيين.
هذه التحديات على وجه التحديد هي مـــا صعّبت على ميانمار كســـر دائـــرة العنف، حتـــى أن بنجلاديش والهند رفضتـــا إعادة توطين لاجئي الروهينجا بصورة دائمة لخشيتهما في المقـــام الأول مـــن أن يكون بين هـــؤلاء اللاجئيـــن متطرفون. ورصـــدت وكالات الاســـتخبارات الهندية صلات بيـــن جيش إنقاذ الروهينجـــا وجماعة عســـكر طيبـــة الباكســـتانية. بالمثل، دعمت حكومـــة الصين جهود ميانمار لحماية أمنها القومي، كما تســـتثمر الصين 7.3 بليون دولار في مشـــروع ميناء جديد في راخين كجزء مـــن مبادرة الحـــزام والطريق، مما قد يدفـــع الصين لاعتراض أي محاولة في مجلس الأمـــن التابع للأمـــم المتحــــــدة لإدانة ميانمار على أفعالها.
هـــذه الشـــبكة المتداخلـــة والمعقدة مـــن المصالح، مع فشـــل الحكومة أيضا، تعني أن مســـؤولية حماية كل شـــعب ميانمار تقع على عاتق رابطة الآسيان أو الأمم المتحدة.
وبمجرد أن تتوقف الأعمال العدائية، ستكون الخطوة الثانية نحو ضمان سلام طويل الأجل إعادة اللاجئين إلى أوطانهم، الأمر الذي قد يكون بمثابة كابوس لوجيستي. فوفقا لتقديرات الأمم المتحدة، عبـــر نحو 700 ألف من لاجئي الروهينجا إلى بنجلاديش في نهاية ســـبتمبر، مع وصول أكثر من نصفهم منذ أواخر أغســـطس. وقد قام جيـــش ميانمار بزرع الألغام على الحـــدود مع بنجلاديش لمنع اللاجئين من العودة.
وبناء علـــى افتراض إمكانية معالجة قضيتـــي العنف واللاجئين، يجب على ميانمار الســـماح بوصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى المناطق المضارة. وتعد رابطة الآســـيان، التي أظهرت قدراتها وإمكانياتها في أعقاب إعصار نارجيس العام 2008، في وضع جيد للمبادرة إلى تشكيل استجابة إقليمية، كما يمكنها أيضا التنسيق مع الأمم المتحدة بشأن إدارة أطقم الطوارئ.
أما الخطوة الرابعة فهي محاكمة كل من ساعد على وقوع الأعمال الوحشية، إذ يجب على حكومة ميانمار أن تتولى هذا الأمر ــ أو أن تســـمح لرابطة الآســـيان أو الأمم المتحدة للقيام بذلك نيابة عنها ـــــ وذلك بفتح تحقيق مســـتقل وعادل في عمليـــات القتل وتحديد مرتكبيها وتقديمهم لمحاكمة تتسم بالشـــفافية والمصداقية. فإذا لم يمكن تنفيذ ذلك من خلال السلطات المحلية، تجب إحالة الأمر للمحكمة الجنائية الدولية.
أخيرا، يجب على الحكومة التي تقودها سو تسي إلغاء أو تعديل كل القوانيـــن التمييزية وإنهاء التمييز الرســـمي من جانب الدولة ضد الروهينجـــا، التي تعد واحـــدة من أكبر المجموعـــات العرقية المشـــردة في العالم، حيث يبلغ عدد أعضائها 1.1 مليون شخص. وقـــد جـــاء معظمهم إلـــى ميانمار كجـــزء من توســـع الإمبراطورية البريطانيـــة، بعد هزيمة ملك بورما في العـــام 1826، لكن لا زالوا يعتبرون مهاجرين بنغال غير شرعيين. ولم يعترف قانون الجنسية الصـــادر العام 1982 بالروهينجا كواحدة من 135 مجموعة عرقية تنتشـــر في البلاد، كما أن إمكانيـــة حصولهم على الرعاية الصحية والتعليم والتوظيـــف محدودة للغاية، ناهيك عن القيود المفروضة على حرية حركتهم.
لا يزال التحول الديمقراطي في ميانمار هشـــا، في حين تتنافس قضايا مثل العلاقات المدنية العسكرية، والفقر، والنمو الاقتصادي، والحوكمة على انتزاع الاهتمام. لكن يجب أن تُعطى الأولوية لوقف الأعمـــال العدائيـــة وحل أزمـــة الروهينجـــا. ويرســـم التقرير الذي أصدرته اللجنة الاستشارية حول راخين، التي يرأسها الأمين العام الأســـبق للأمم المتحدة كوفي عنان، في أغســـطس الفائت طريقا محتملا للمضي قدما وتجاوز هذا الوضع.
لـــن تداوي هذه الخطوات الخمس كل جـــرح أو تضع نهاية لكل مَظلمـــة، لكنها يمكن أن تســـاعد في تخفيف المعانـــاة بالحيلولة دون وقـــوع المزيد من الأعمال الوحشـــية، وردع التطرف العنيف، وتحســـين أمن الحدود. فربما كانت هـــذه أفضل نتيجة ممكنة في الوقت الحالي.
على حكومة سو تسي إلغاء أو تعديل كل القوانين التمييزية وإنه #اء التم #ييز الرس #مي ض# #د ال #روهينج #ا