Al Shabiba

يمكن تحقيق ولو قدر بسيط من المواءمة بين التدريب المهني والتقني والاحتياجا­ت الفعلية لسوق العمل

-

نحـــن أمام معادلة صعبـــة متعددة الأطـــراف، جوهرها هو البحث عن أولويات وآليات المواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب التقني والاحتياجا­ت الفعلية لســـوق العمل، ومن هنا تأتي صعوبتها، ولكن الأصعب أن المشكلة تتراكم عاماً بعـــد آخر، حتى أنها تزداد تعقيـــداً مع مرور الوقت في ظل متغيّرات تفرض تأثيراتها الســـلبية، مثل النظام التعليمي وآليـــات التدريـــب المتاحـــة وإمكانياته­ـــا، والاحتياجـ­ــات المتجددة لســـوق العمل والقطاع الخـــاص، وافتقاد ثقافة العمـــل المهني التي تحتـــاج إلى التأصيل فـــي مجتمعاتنا العربية والخليجية تحديداً. وأخطر ما في ذلك هو استمرار النقـــص الشـــديد في الأيـــدي العاملـــة الوطنيـــة الماهرة والمد ربة القادرة على تحمّل مسؤوليتها في سد احتياجات الســـوق والمشـــار­كة فـــي عمليـــات التنميـــة الاقتصاديـ­ــة المســـتدا­مة، رغـــم تزايد حجـــم البطالة وأعـــداد الباحثين عـــن عمـــل، والداخليــ­ـن الجدد ســـنوياً إلى ســـوق العمل، وكلها تشـــكل عناصر ضغط على المجتمعـــ­ات في أوقات الأزمات الاقتصادية، لما لها من تأثيرات ســـلبية اقتصادية وسياســـية واجتماعية، قد تصل إلى حد كارثي، ولاســـيما فـــي حالات التفاعل من خلال وســـائل التواصل الاجتماعي غير المنضبطـــ­ة في أدائها، باعتبارهــ­ـا قنابل موقوتة قابل للانفجار بدون سابق إنذار. لذلك نحن في حاجة إلى تفعيل دور منظمـــات أصحاب الأعمال والقطـــاع الخاص لتطوير منظومة التشـــغيل والتدريـــ­ب والتعليم التقنـــي والمهني وإيجاد الحلول التي تســـاعد صانعي السياســـا­ت لتطوير هـــذه المنظومة في الـــدول العربية كافة وبدون اســـتثناء، حيث إن بعض أســـواق الخليج تشـــهد اتجاهين متضادين هما: تزايد عدد العمال الأجانب المستقدمين، وتنامي عدد العاطليـــ­ن أو الباحثين عن عمل، نتيجة للخلل في منظومة إدارة التنميـــة البشـــرية، وعدم القدرة علـــى توجيهها وفق الاحتياجات الفعلية للســـوق، وعدم رفـــده بالأيدي العاملة التـــي تتمتع بدرجة مناســـبة مـــن المهـــارة والمهنية التي يطلبها الســـوق، الذي يعاني من فجوة سحيقة بين العرض والطلـــب التي اختلت معها معايير التـــوازن بغياب الوجود الإيجابـــ­ي للأيدي العاملة الوطنيـــة وفي المقابل زيادة حدة أعـــداد المتعطلين والباحثين عـــن عمل، في ظل متغيّرات العصر الحديث وتشابكها وسرعة إيقاعها، الأمر الذي وضع مؤسسات التعليم والتدريب التقني والمهني في واقع غير مسبوق أمام تحديات جديدة، لا تستطيع الأنماط التقليدية للتعليـــم أن تواجهها بســـهولة، مما يســـتوجب البحث عن خطـــط وآليات لتقليص الهوة بين ما يتم تعليمه والتدريب عليه في مؤسســـات التدريـــب والتعليم، وبيـــن متطلبات جهـــات التشـــغيل والتوظيـــ­ف والاســـتخ­دام في الســـوق، وخاصة أن الارتباط بســـوق العمل يقع في إطار ديناميكي ســـريع، من حيث العملية التعليمية، ثـــم الارتباط بالعولمة وبتقويـــة معاييـــر التنافس، من خلال التدريـــب الفعال في إعـــداد وتأهيـــل الموارد البشـــرية العربية بشـــكل يجعلها قـــادرة على المنافســـ­ة العالميـــ­ة، والتركيز علـــى التد رب المستمر والفعال خلال الدراسة، بل وبعد التخرج، ثم على رأس العمل، إيماناً بأهمية ودور التدريب الفعال في إعداد وحســـن تأهيل القوى البشرية، بشـــكل يجعلها قادرة على التفوّق والمنافســ­ـة العالمية، والاســـتف­ادة الجيّدة منها في التصدير إلى الأسواق المجاورة، أو عندما نصل إلى الوضع الـــذي يؤهلنا إلى الاندماج أو تكامل أســـواق العمل، لذلك علينا ســـرعة تطوير المفاهيم حول دور التعليم والتدريب التقني والمهني في تطوير اقتصاد المعرفة، وتنمية تشغيل الشـــباب فـــي البلدان العربيـــة، وأهمية منظومة الإرشـــاد والتوجيه المهني كعملية مستمرة في دعم وتأهيل الشباب العربي، والمهني ودعم مشاركتهم في النشاط الاقتصادي،

فضلاً عن الـــدور التوعـــوي والتثقيفي لتشـــجيع القوى العاملة على مواصلة التدريب لمواكبة التكنولوجي­ا الحديثة وتعزيز دور القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في جودة نظم وبرامج التدريب بمستوياتها المختلفة.

لأنه بالنظرة المتأنية لواقع برامج التعليم والتدريب التقني والمهني في البلدان العربية، نجد أنه يغلب على المناهج طابع التركيبة التقليديــ­ـة، من حيث المتطلبات الأكاديمية العامة والتخصصيــ­ـة والتدريبية، التي لا يمكـــن أن تقود المجتمع إلـــى الأمام؛ نظـــراً لعدم الاســـتفا­دة القصوى مـــن طاقات الموارد البشرية المُهدرة في سنوات التعليم النظري، والتي بدونهـــا لا يمكـــن أن تبني المجتمعـــ­ات تقدمها في مختلف القطاعات، رغـــم المخصصات والموازنات المالية الضخمة التي تُرصد وتُنفق ســـنوياً على منظومة التعليم والتدريب، ولا شـــك أن تصحيح هذه المنظومـــ­ة لا يمكن أن ينجح من غير دور إيجابي لمنظمة العمل العربية، بما لديها من خبراء ومتخصصين، وعلاقات مع منظمة العمل الدولية، في تنقية المناهج والبرامج التدريبية، لتواكب متطلبات المســـتقب­ل، وذلك بمشـــاركة وزارات التعليم والقوى العاملة والشـــباب والإعلام، واتحاد الغرف العربية التجارية والصناعية والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب،

من خـــلال ما لديها من خطط واســـترات­يجيات وموازنات وإمكانات مادية وكوادر بشرية، تمتلك الخبرات والمهارات التي تســـاعد في هـــذا المجال، ومن ثـــم يمكن تحقيق ولو قدر بســـيط من المواءمة بيـــن التدريب المهنـــي والتقني والاحتياجا­ت الفعلية لسوق العمل.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Oman