أم أطفال العشوائيات
عن أن نعطيهم سمكة«.
أرادت جبـــران مواصلـــة العمل مع الفقراء، فأسســـت جمعيـــة »ســـتيفن تشـــيلدرن« الخيرية من أجـــل تغذية القلـــوب وتدريب العقول و«تجهيز الحيـــاة«. وتقول لنا: »الإنســـان عبارة عن جســـد ونفس وروح ولكن في كثير مـــن الأوقات يركّز الإنســـان على الجســـد، وينســـى أن يطوّر نفســـه في باقي الجوانب«. وتؤمن بمقولة »اعرف نفســـك« لأفلاطون وترى أن الكنز الحقيقي يكمن داخل الشـــخص وليس خارجه متابعة: »ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه«، مبادئ وقيم حياتية تسعى مامـــا ماجي وفريق عملهـــا إلى نقلها لـــكل أولاد الأحياء الفقيرة والمناطق المهمشة في مصر.
وقبـــل الغوص أكثر في أروقة المؤسســـة، لا بد لنا من التوقـــف عند تســـميتها التي لم تكـــن اعتباطية. وهنا لا تتردد جبران أن تشـــاركنا شـــهادةً حـــول أطفال ليبيين خدمتهـــم وماتوا من أجـــل إيمانهم. وتقول إن »شـــهداء ليبيا الـ21 الذين استشـــهدوا من أجل إيمانهم كانوا من أولادنـــا. كنا نخدمهم ونزور بيوتهـــم ونأكل معهم ونلعب معهـــم، والبعض منهـــم انضم إلى فريـــق العمل ليعلموا ويساعدوا آخرين. لقد كبروا وســـافروا ليعيلوا عائلاتهم ولكنهم لم ينسوا مبادئهم«. وتجدر الإشارة إلى أنه أواخر ديســـمبر 2014، قبض تنظيم داعش عليهم واحتجزَهم وعذّبهم من دون أن ينكروا إيمانهم. وتشدد ماما ماجي: »الإنســـان القوي هو الذي لا يضعف وهم أكبر شـــهادة لقوة الســـلام. وإنّ من يقتل نفساً يقتل إنسانيته والذي يجرح إنســـاناً يجرح نفســـه. أما من يكرّم إنساناً، فيكرّم نفســـه وكل الإنســـانية. لذلك من يحترم الآخر ويكرمه، فهو إنسان عظيم لأنه يعرف معنى وقيمة الإنسان«.
قيمـــة الإنســـان هـــي أكثـــر ما تشـــدّد عليه مؤسســـة »ســـتيفن تشـــيلدرن« التي تضم فريق عمل من حوالي 2000 شـــخص مـــا بيـــن متطوعين وموظفيـــن. وحتى اليوم، خدمت المؤسسة حوالي 37 ألف أسرة وافتتحت نحو 92 مركـــزاً ومدرســـة للتنمية والتأهيـــل والتعليم. فتبقى برامج الجمعية كثيرة وتشـــمل نشاطات متنوعة مثل برامـــج التأهيل الاجتماعي للأســـر الفقيرة لمعرفة احتياجاتهـــم ومتابعتهم، ومراكـــز تعليم وتنمية ومدارس للأطفـــال، والتدريب والتأهيل المهني للمتســـربين من التعليم، وعيادات لعلاج الأمراض الجســـدية والنفســـية، وحمـــلات توعية للأمهات ودروس محـــو الأمية لتثقيفهنّ ومســـاعدتهن لإعداد أجيـــال أفضل، ورحـــلات ترفيهية للأطفال والشباب، وبرامج تقييم ومراجعة لقياس نجاح العمل وتطويره.
ويبقـــى الطفل فـــي صلب مهمّة مؤسســـة »ســـتيفن تشـــيلدرن«. وهنا تشـــرح لنـــا جبران: »هم المســـتقبل وأكثر فئة محتاجة للمساعدة لأن الطفل بطبيعته يحتاج لمعونـــة«. لكنهـــا تضيف: »فـــي النهاية، كل الإنســـانية بحاجـــة لمعونة وكلنـــا نحتاج مســـاعدة بعضنا البعض. فمثلاً، مخترع البنســـلين أو الطيران نفع كل البشـــرية. فقـــوة الإنســـان تُقـــاس بعدد الذيـــن ســـاعدهم وبعمق المســـاعدة التي ق دمها. وبالتالي، نحـــن نخدم الأطفال، والشباب، والشيوخ والمرضى بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العقيدة.«
أكثر من مليون شـــخص اســـتفاد من عمل المؤسسة علـــى مدى أكثر مـــن ثلاثين ســـنة إلا أن بعض اللقاءات سترافق ماما ماجي لمدى الحياة، على حد قولها.
وتستعيد ذكرياتها قائلة: »في أوائل الزيارات، في يوم ممطر رأيت أرملة فقيـــرة تبيع الذرة. ثم حضرت ابنتها الصغيرة لتحل مكانها حتى ترجع هي لأطفالها الصغار. لقد كان حذاء الطفلـــة مهترئاً، فطلبت منها أن ترافقني لنشـــتري لها حذاءً جديداً. فوجئت بها تطلب حذاءً كبيراً لتعطيـــه لأمها. لقد فضّلت أمها على نفســـها واحتياجها. فبســـبب هـــذه الطفلة وبســـبب قلبها الكبيـــر وموقفها المؤثر، ســـاعدنا عدداً كبيـــراً من النـــاس لنقدم أحذية للكثير من الفقراء.«
وتواصـــل حديثها عـــن اللقاءات وتخبرنـــا: »قابلت في إحدى الرحلات ولداً صغيـــراً مغرماً بلعب الكرة ولكنني فوجئـــت أنه لا يمارســـها. وعندما ســـألته عن الســـبب، أجابني أن قدمه تؤلمـــه. وعندما قدمت له الكرة أرجعها لـــي وقال »أرجعي لي قدمي وخـــذي الكرة«. فتوجهنا به حالاً إلى المستشفى واكتشفنا أنه يعاني من صديد كاد يصل إلى عظامـــه وأخبرنا الطبيب أنه كان من الممكن أن يفقد قدمه تماماً لو تأخرنا ساعة واحدة.«
تبقى هذه الحكايات بالنســـبة لماما ماجي »حكايات لا تنسى مدى الحياة. فمع أنها لحظات، ولكنها تحدث فرقاً كبيراً في حياة إنســـان«. وتقول: »أشـــعر بالفرح والأمل لأن الكثيرين من الذين اســـتفادوا مـــن عملنا التطوعي ينضمّون للمؤسســـة للمشـــاركة في العمل، هذا العمل ســـيمتد من جيل إلى جيل، فالجميع مكملين نحو نفس الهدف بنفس الحماس والفرح.«
رُشّـــحت ماجي جبـــران للحصـــول على جائـــزة نوبل للســـلام كمـــا أنها فـــازت بالعديـــد من الجوائـــز، آخرها فـــي دبي جائزة »صنـــاع الأمل«. وتعتبـــر جبران أن هذه الجوائـــز »إعلان كبيـــر للعالم كي يتنبه كل إنســـان لأن يكون شـــخصاً مؤثراً ويعمل أعمالاً خيّـــرة في حياته(..) هي عدوى جميلة وتعكس الأمـــور الجميلة التي تضيف مذاقاً حلـــواً للحياة وترقى بالعالم نحـــو عمل الخير بدلاً مـــن الحروب والإبـــادة وتعطي فرصة للبشـــرية أن تعود لإنسانيتها .«
وترى ماجدة جبران أن المعنى الوحيد لحياتها ولغدِها يبقى المزيد من الحب والعطاء والإنسانية، حب التعليم والعلاج وإعطـــاء الأمل والفرح للمكســـورين. وتضيف: »كما أن حبة السكر الصغيرة بإمكانها أن تحلّي كوباً من الماء، كذلك أعمـــال المحبة الصغيرة بإمكانها أن تحلّي العالم كله وهذا هو المعنى الحقيقي للحياة«. ولعل »الأم تريزا المصرية« تختصر مسار حياتها بالقول »أحيا لأقدّم للبشـــرية أجيالاً جديدة تربّت على حب واحترام النفس والآخر وتعرف معنى الحب والعطاء والأمل وأن أجمل ما يمكن أن يرتديه الإنسان هو البسمة.« متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية