لماذا نحتفل بالعيد الوطني؟ (1(
فـــي حيـــاة الأمم والشـــعوب أيـــام مضيئة كالمنارات الشـــاهقات في هامات الجبال الشـــامخات لها دلالاتها الوطنيـــة ومعانيها الغائرة بعيـــدا في وجدان الشـــعوب تقف عندهـــا مليا تتأمـــل فيما أنجزتـــه وفي ما حققته في مسيرتها الهادرة الميممة شطر المجد شموخا.
فالكثير من الدول تحتفل بعيد استقلالها من الاحتـــلال، وبعضها الآخـــر تحتفل بيوم توحدهـــا، وأخرى تحتفـــل بيومها الوطني، وهكذا دواليك، ونحن في السلطنة نحتفل بميلاد النهضة المباركة التي بددت دياجير الظـــلام الـــذي خيم علـــى البـــلاد ردحا من الزمـــن، ونحتفـــل بنهضتنـــا المباركة التي أزالت عن كاهل العُمانيين الثالوث المخيف (الجهل، الأمية، الفقر ورديفه التخلف).
ونحتفـــي بالعيـــد الوطنـــي المجيـــد لأن النهضة حطمت أســـوار العزلة التي منعت عُمان من التعاطـــي مع محيطها الخارجي، فـــكان أن دخلت عُمان الحضـــارة فعلا في أنفـــاق النســـيان، وهي المعروفـــة تاريخيا كأقدم مملكة في شبه جزيرة العرب، وهي الوحيدة في شبه جزيرة العرب التي دخلت الإسلام ســـلما لا حربا، وهي الوحيدة التي دعا لها ولأهلها رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ثم كانوا من بعد ذلك أسياد البحار وفرســـانه، صالـــوا وجالـــوا وقهروا الأمـــواج والمســـتحيل والبرتغالييـــن فـــي أعالي البحار حتى أقر لهم الأعداء بالسيادة والريادة، وعرفتهم إفريقيا الشـــرقية كخير سفير للسلام والإسلام.
نحتفل بالعيد الوطني المجيد إذن لنعيد ذكريـــات الأمس التليد حيـــة تتقد، ولنعيد ترتيب أوراقنا وأولوياتنا استعدادا لانطلاقة جديـــدة وبـــروح جديـــدة وبزخـــم جديـــد، فالأعياد الوطنية أشبه باستراحة المحارب الذي يقـــف تحت ظلالها الوارفة ليراجع ما تحقق وليتأكـــد من صلابة البنـــاء، وليتهيأ لمرحلـــة جديدة من العطـــاء غير المحدود لاستكمال المسيرة وفقا لمعطيات جديدة وبنـــاء لأفكار جديـــدة أكثر إبداعـــا وأعمق شموخا.
ونحتفل بهـــذا اليوم التاريخـــي لأنه وفي الواقع يوم ميلاد سيد وباني عُمان الحديثة، ليغدو الاحتفال بمولده رديفا رائعا للاحتفاء بالنهضة العُمانيـــة التي عمت أقاصي هذه الأرض الطيبـــة انطلاقـــا من اليـــوم الخالد 23 يوليـــو أعني، فالمناســـبتان لهما دلالة ولا أعمق ستعجز كل الكلمات ومهما بدت عميقـــة الغور عـــن الإلمام بكل مشـــتقاتها وإيحاءاتهـــا ومراميهـــا، إذ هـــي تعني فيما تعنى نهضة شـــعب وكبرياء أمة، فالاحتفال بهذا اليوم هو احتفاء بالنهضة في مفهومها الأعمـــق، وكان يوم الثالث والعشـــرين من يوليـــو هو يـــوم النهضـــة الـــذي توحد من تلقاء ذاته مع يوم مولد جلالته، وهنا تكمن الروعة التي باركها التاريخ .
لذلك ولـــكل ذلك ســـتبقى مكتســـبات النهضة ماثلة أمام أعيننا ومتحدثة بلســـان عربي مبين عن هذا الحدث الذي أشـــادت بـــه عواصم كوكـــب الأرض قاطبة باعتباره معلما حضاريـــا وفكريا لا يقـــارن، فطوبى للنهضـــة التـــي احتفـــت بنا يـــوم أخرجتنا من دياجير الظلمة ورعتنا ســـبعة وأربعين عاما كاملة، فكنا أســـعد النـــاس بها، تماما كما كانت هي ســـعيدة بنـــا، فهنيئا للقائد في يـــوم عيده ومولـــده، فعيـــدك هو عيد كل العُمانييـــن، لهذا ســـيبقى في صائحف التاريخ معلما وعلما.