Al Shabiba

»أمريكا أولاً« يعني »أوروبا متحدة«

تمثل سياسات ترامب القائمة على شعاره »أمريكا أولاً« عودة مضلَّلة إلى القومية وسياسات الحماية السافرة التي تنتمي إلى عصر ولَّى

-

على وضـــع بذور الانقســـا­مات السياســـي­ة داخـــل الاتحاد الأوروبـــ­ي، فـــلا يوجد دليل علـــى أن البريكســـ­يت في حد ذاته قد ســـبب تأثيرا تعاقبيا جماعيا بين الدول الأخرى إلا قليلا. فقد يروق لمتزعم فكرة البريكســـ­يت، نايجل فاراج، الاعتقاد بأن حكومة إيطاليا الشعبوية الجديدة تمثل نجاحا للنـــوع الذي يفضله من القوميـــة التي تعمل بمفردها دون تدخـــل، لكن يتبين لنا أن الشـــعبوي­ين فـــي أوروبا ينتمون إلى ســـلالة مختلفة عن تلك التي ينحدر منها الشـــعبوي­ون فـــي بريطانيا. فرغم زيادة تقلب الأســـواق المالية في ظل احتمالية أن يقود زعماء إيطاليا الجدد بلادهم خارج منطقة اليورو، أظهرت الاستطلاعا­ت التي أجريت بعد الانتخابات في مارس أن نســـبة ‪%-72 60‬من الإيطاليين لن يساندوا خطـــوة كهذه.إلا أن الاســـتطل­اعات الأخيرة تكشـــف أيضا تناقضا أكبر بشـــأن المسار الحالي للاتحاد الأوروبي، حيث يعتقد %32 فقط من المواطنين أن »الأشـــياء تســـير في الاتجـــاه الصحيح« بالنســـبة للاتحاد الأوروبـــ­ي، بينما يرى 42% أن الكتلـــة تســـير فـــي الطريـــق الخطأ. فالمســـأل­ة إذن لغالبيـــة الأوروبيين لا تتعلـــق باحتمالية تدمير الاتحاد الأوروبي، فهذا غير وارد، وإنما كيفية تحسينه.

وقـــد أخفـــق الاتحـــاد الأوروبـــ­ي فـــي تنفيـــذ الإصلاحات المطلوبة بســـبب التأثيرات المتماديــ­ـة للأزمة المالية عام 2008 ومـــا تلاها من أزمـــة بمنطقة اليـــورو. لكن أضحى لـــدى الاتحـــاد الآن نافذة لفرصة التحـــرك، لأن كثيرين في الاتحاد الأوروبي بدأوا يدركون أخيرا حقيقة خطورة الواقع الجيوسياسي الجديد لأوروبا.

علـــى أيـــة حال، يتضـــاءل تحـــدي الوحدة الـــذي أوجده البريكســـ­يت أمام الكتلة الأوروبية مقارنـــة بالتحدي الذي خلقـــه دونالـــد ترامـــب. فاســـتخفا­ف الرئيـــس الأمريكي بحلف الناتو، والكشـــف أكثر من مرة عن اتصالات حملته بشـــخصيات روســـية على صلة بالكرملين قبـــل انتخابات 2016، أوضحـــت تمامـــا أن الأوروبيين لا يمكنهم فيما بعد الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها فيما يتعلق بأمنهم.

عـــلاوة على ذلك، أســـهم قرار ترامب الخـــاص بإخضاع الاتحـــاد الأوروبي (وغيره مـــن الحلفاء الآخريـــن للولايات المتحـــدة مثل كندا والمكســـي­ك) لرســـوم اســـتيراد على الصلـــب والألومنيو­م في توحيد زعماء أوروبا في الشـــعور بالغضـــب والاشـــمئ­زاز. كمـــا أن اقتراحه بضـــرورة تطهير شـــوارع الولايات المتحـــدة من الســـيارا­ت الألمانية ــ رغم حقيقة أن كثيرا من السيارات »الألمانية« تُبنى بالفعل في نفس الولايات الأمريكية التي يســـتمد منها الدعم والتأييد ـــــ قد يســـاعد الألمـــان فـــي إدراك حاجتهم إلى مســـاعدة الأوروبيين لحماية صناعة السيارات لديهم.

وبالتالي فقد أتاحت رسوم ترامب فرصة مثالية لحكومة الائتلاف الكبير في ألمانيا كي تتقارب وتلتقي مع ماكرون في منتصف الطريق بشـــأن مقترحاتـــ­ه الطموحة لإصلاح الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. لقد حان الوقت لأن تكون ألمانيا أكثر تفتحا وتفهما لاحتياجات دول جنوب أوروبا.

وتمثل سياسات ترامب القائمة على شعاره »أمريكا أولا« عودة مضل لة إلى القومية وسياسات الحماية السافرة التي تنتمي إلى عصر ولى، حيث تخلق تهديدا مباشـــرا للنظام العالمي في فترة ما بعد الحرب الذي رســـخ مبادئ الرخاء والاســـتق­رار طيلة 73 عاما. بـــل قد تكون هذه المبادئ في حـــد ذاتها أيضا هي مـــا تحتاجه عمليـــة التكامل الأوروبي الراكدة منذ زمن طويل.

يجد ترامب متعة وابتهاجا في الفوضى التي ينثر بذورها، إذ يعتبـــر العلاقات الدولية لعبـــة محصلتها صفر للفائزين والخاســـر­ين، وحينما تصل سياســـاته الخارجية والتجارية لحـــد الوضوح من أي جانب، فإنها تأخذ شـــكل المعاملات التجارية. على النقيض، نجـــد أن نهج التعامل الذي يتبعه الاتحـــاد الأوروبـــ­ي يقوم علـــى التعاون والتوافـــ­ق. وبما أن هاتين الرؤيتين العالميتين متصادمتان، فمن المحتمل أن تكتسب كل منهما قوة وزخما.

بالإضافة إلى البريكســـ­ت وترامب، هنـــاك أيضا ظواهر أخـــرى تغير في النظـــام العالمي حاليا وتقلبه رأســـا على عقب مثـــل انتقاميـــ­ة الرئيس الروســـي فلاديميـــ­ر بوتن، والتأكيد المتنامي على الذات من جانب الصين. لكن، كما ندرك جيدا نحن معشـــر الأوروبيين، أنه لا شـــيء قادر على تحريك الأشياء مجددا مثل الأزمات. لقد تحاشينا القرارات الصعبـــة لعقود، والآن يجب أن نقرر ما نريد أن تكون عليه أوروبا في العام 2050 وما بعده. رئيس وزراء بلجيكا الأسبق، ورئيس مجموعة تحالف الليبراليي­ن والديمقراط­يين من أجل أوروبا في البرلمان الأوروبي حاليا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Oman