اﻟﺼـﻔﺢ ﻣﻦ اﻷﺧــﻼق اﻟﻌﻈﻴﻤــﺔ اﻟﺘﻲ ﺟـﺎء ﺑﻬﺎ اﻹﺳـﻼم
أﻛﺪ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪاﷲ اﻟﻨﻌﻤﺔ أن اﻟﺨﻼف ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس ﻏﺮﻳﺰة ﻓﻄﺮﻳﺔ أودﻋﻬﺎ اﷲ ﻋﺰ وﺟــﻞ ﻓـﻲ ﻧـﻔـﻮس اﻟـﺒـﺸـﺮ، وﺟـﻌـﻞ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻟﻬﺬه اﻟﻐﺮﻳﺰة أﺳﺒﺎﺑﺎً ودواﻋــﻲ ﺗـﺆدي إﻟﻰ ﻏـﻠـﻴـﺎﻧـﻬـﺎ ﻓـــﻲ اﻟــﻨــﻔــﺲ، وﺛـــﻮراﻧـــﻬـــﺎ ﻓـﻴـﻮﺟـﺪ اﻟﺨﻼف، وﺗﻮرث اﻟﻔﺘﻨﺔ وﺗﻨﺘﺸﺮ اﻟﻘﻄﻴﻌﺔ.
وأوﺿــــﺢ اﻟـﻨـﻌـﻤـﺔ ﻓــﻲ ﺧـﻄـﺒـﺔ اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟـﺘـﻲ أﻟـﻘـﺎﻫـﺎ أﻣــﺲ ﺑﺠﺎﻣﻊ اﻹﻣـــﺎم ﻣﺤﻤﺪ ﺑـﻦ ﻋﺒﺪاﻟﻮﻫﺎب أﻧـﻪ ﻟﻬﺬا ﻧﻬﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻦ اﻟﺘﻬﺎﺟﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ وأﻣﺮ ﺑﺈﺻﻼح ذات اﻟـﺒـﻴـﻦ، واﻟـﻌـﻔـﻮ واﻟﺘﺴﺎﻣﺢ واﻟﺼﻔﺢ، وﺟـﻌـﻞ ذﻟــﻚ ﻣــﻦ أﻋـﻈـﻢ اﻟــﻘــﺮﺑــﺎت وأﺟــّﻞ اﻟـــﻄـــﺎﻋـــﺎت، ﻷﻧـــﻪ اﻟــﺴــﻴــﺎج اﻟــﻤــﻨــﻴــﻊ اﻟــﻮاﻓــﻲ ﻟﻸﺧﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ رﻏﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻹﺳﻼم واﻟﺪرع اﻟﺤﺼﻴﻦ ﻟﻮﺣﺪة اﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺮص اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﺗﻤﺎﺳﻜﻬﺎ وﺳﻼﻣﺘﻬﺎ.
وأﺿـــﺎف: ﻟﻘﺪ ﺟــﺎء اﻟﻌﻔﻮ ﻋـﻦ اﻟـﻨـﺎس، واﻟـــﺘـــﺠـــﺎوز ﻋـــﻦ اﻟـــــــﺰﻻت، واﻟــﺼــﻔــﺢ ﻋـﻦ اﻷﺧــﻄــﺎء، ﻣـﻦ أﻋﻈﻢ ﺻﻔﺎت اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، وﻫــــﻮ أدب ﺟــﻠــﻴــﻞ ﻣـــﻦ آداب اﻹﺳـــــﻼم، ورﻛﻴﺰة ﻛﺒﺮى ﻣﻦ رﻛﺎﺋﺰ اﻟﺴﻌﺎدة واﻟﺨﻴﺮ وﻫــﻮ ﺧـﻠـﻖ اﻟــﻜــﺮام، وﺻـﻔـﺔ اﻟـﻌـﻈـﻤـﺎء ﻣﻦ اﻟـــﻨـــﺎس اﻟـــﺬﻳـــﻦ ﻻ ﻳــﺤــﻤــﻠــﻮن اﻟــﺤــﻘــﺪ، وﻻ ﻳـﺮﻳـﺪون ﻋـﻠـﻮاً ﻓـﻲ اﻷرض وﻻ ﻓــﺴــﺎداً، ﺑﻞ ﻳﺮﺟﻮن اﷲ واﻟﺪار اﻵﺧﺮة.
وﻗـــــﺎل: ﻟــﻘــﺪ ﻧـــﺪب اﷲ ﺗــﻌــﺎﻟــﻰ ﻋــﺒــﺎده إﻟــــﻰ اﻟــﻌــﻔــﻮ، وﺣــﺜــﻬــﻢ ﻋــﻠــﻴــﻪ، ووﻋـــﺪﻫـــﻢ ﺑــﺠــﺰﻳــﻞ اﻷﺟــــﺮ واﻟــــﺜــــﻮاب، وﺟــﻌــﻞ اﻟـﻌـﻔـﻮ ﻓـﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺻـﻔـﺎت اﻟﻤﺘﻘﻴﻦ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﺒﺎده؛ ﻓﻘﺎل ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ: »واﻟﻜﺎﻇﻤﻴﻦ اﻟﻐﻴﻆ واﻟـﻌـﺎﻓـﻴـﻦ ﻋــﻦ اﻟــﻨــﺎس واﷲ ﻳﺤﺐ اﻟﻤﺤﺴﻨﻴﻦ«.
وﻗـــﺎل اﻹﻣــــﺎم اﺑـــﻦ اﻟــﻘــﻴــﻢ رﺣــﻤــﻪ اﷲ: )وﻣﻦ ﺷﻬﺪ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﻌﻔﻮ واﻟﺼﻔﺢ واﻟﺤﻠﻢ، وﻓﻀﻠﻪ وﺣـﻼوﺗـﻪ وﻋـﺰﺗـﻪ، ﻟﻢ ﻳﻌﺪل ﻋﻨﻪ إﻻ ﻟﻌﺸﻰ ﻓﻲ ﺑﺼﻴﺮﺗﻪ(. اﻟﻌﻔﻮ واﻟﺼﻔﺢ ﻓﻀﻼً وأﺟﺮاً، وأﻓﻀﻞ اﻟﻌﻔﻮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺪرة.
وأوﺿـــﺢ أن ﺧـﻠـﻖ اﻟـﻌـﻔـﻮ واﻟـﺼـﻔـﺢ ﻣﻦ اﻷﺧـــﻼق اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ اﻟـﺘـﻲ ﺟــﺎء ﺑـﻬـﺎ اﻹﺳــﻼم ﻣﺨﺎﻟﻔﺎ ﻟﻠﻮاﻗﻊ اﻟﺪاﻣﻲ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮم ﺑﻴﻨﻬﺎ اﻟﺤﺮوب واﻟﺜﺎرات، واﻟــــــﻌــــــﺪاوات واﻟـــﻤـــﻘـــﺎﻃـــﻌـــﺎت، واﻻﻧـــﺘـــﻘـــﺎم واﻟـﻐـﺎرات ﻣﻦ أﺟـﻞ أﻣــﻮر ﺗﺎﻓﻬﻪ، وأﺧﻄﺎء ﺻﻐﻴﺮة، ﻟﻢ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﺑﺨﺼﺎل اﻟﺤﻠﻢ واﻟﺼﻔﺢ ﺣﺘﻰ أﺟﺠﺖ ﻧﺎراً، وأﺷﻌﻠﺖ ﺣﺮوﺑﺎً ﻟﺴﻨﻮات، ﻣﺸﻴﺮا إﻟﻰ أن ﻫﺬه اﻟﻤﺮﺗﺒﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻔﻮ واﻟﺼﻔﺢ ﻻ ﻳﺴﻬﻞ ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ إﻻ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻤﺎء اﻟﺮﺟﺎل، وإﺻﺤﺎب اﻟﺼﻔﺎء واﻟﻨﻘﺎء، وإرادة اﻟﺨﻴﺮ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ.
ﻣﻨﻬﺞ اﻷﻧﺒﻴﺎء
وأﻛــــﺪ اﻟــﺸــﻴــﺦ اﻟــﻨــﻌــﻤــﺔ أن ﺧــﻠــﻖ اﻟـﻌـﻔـﻮ واﻟــﺼــﻔــﺢ ﻫـــﻮ ﻣـﻨـﻬـﺞ أﻧــﺒــﻴــﺎء اﷲ ورﺳــﻠــﻪ وﺻﻔﻮﺗﻪ ﻣﻦ ﺧﻠﻘﻪ، وﻣـﻦ ذا اﻟــﺬي ﻳﻨﺴﻰ ﻣـــﻮاﻗـــﻒ اﻷﻧــﺒــﻴــﺎء - ﻋـﻠـﻴـﻬـﻢ اﻟـــﺴـــﻼم - ﻣﻊ أﻗﻮاﻣﻬﻢ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ واﻟﺼﻔﺢ ﻋﻨﻬﻢ، ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻤﺎ ﻧﺎﻟﻬﻢ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻷذى واﻟﻌﺪاوات.
وأﺿـــﺎف: ﻣــﺎ ﻣـﻮﻗـﻒ ﻧﺒﻲ اﷲ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﻮﺳﻒ - ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم - ﺑﺨﺎٍف ﻋﻠﻰ أﺣـٍﺪ؛ ﺣــﻴــﻦ آذوه إﺧـــﻮﺗـــﻪ وﻓـــﺮﻗـــﻮا ﺑـﻴـﻨـﻪ وﺑـﻴـﻦ واﻟــﺪﻳــﻪ، وأﺟــﻤــﻌــﻮا ﻋـﻠـﻰ رﻣــﻴــﻪ ﻓــﻲ اﻟﺠﺐ ﻛﻲ ﻳﻘﺘﻠﻮه، ﺛﻢ ﺑﺎﻋﻮه ﺑﺜﻤﻦ ﺑﺨﺲ دراﻫﻢ ﻣﻌﺪودة، ﺣﺘﻰ إذا ﺟﺎؤوه ﻓﻘﺮاء ﻣﺤﺘﺎﺟﻴﻦ ﺻــﺎﻏــﺮﻳــﻦ، وﻫـــﻮ ﻋــﺰﻳــﺰ ﻣــﺼــﺮ وﺻــﺎﺣــﺐ اﻷﻣــﺮ واﻟﻨﻬﻲ ﻓﻴﻬﻢ، وﻫــﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮون ﻣﺎ ﻳﺼﻨﻊ ﺑـﻬـﻢ، ﻓـــﺈذا ﺻـﻔـﺎت اﻟــﻜــﺮم واﻟـﻌـﻔـﻮ، واﻟﺤﻠﻢ واﻟﺼﻔﺢ ﺗﻨﻬﻲ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻓﻲ أﺑﻬﻰ ﺻﻮرة: )ﻗﺎل ﻻ ﺗﺜﺮﻳﺐ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﻴﻮم • ﻳْﻐِﻔﺮ َّ اﷲﻟﻜﻢ •وﻫﻮ أَرﺣﻢ اﻟﺮا ِﺣ ِﻤﻴ َﻦ(.
َّ وأﺿﺎف: ﺛﻢ ﻳﺘﺬﻛﺮه اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺻـﻠـﻰ اﷲ ﻋـﻠـﻴـﻪ وﺳــﻠــﻢ، وﻳــﺘــﺄﺳــﻰ ﺑــﻪ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ ﻣﻜﻪ، ﺣﻴﻦ ﺻﺎرت رﻗﺎب اﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎرﺑﻮه وآذوه، وأﺧﺮﺟﻮه ﻣﻦ ﺑﻠﺪه وﻃﺎردوه، وﻟﻢ ﻳﺪﺧﺮوا ﻓﻲ إﻟﺤﺎق اﻟﻀﺮر واﻷذى ﺑــﻪ وﺑـﺄﺻـﺤـﺎﺑـﻪ، ﺣـﺘـﻰ إذا أﻇـﻬـﺮه اﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ وأﻇﻔﺮه ﺑﻬﻢ ﺗﺠﻠﺖ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺮﺣﻤﺔ واﻟـﻌـﻔـﻮ، وأﺧــﻼق اﻟﻨﺒﻮة واﻟﺤﻠﻢ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻬﺎ إﻻ اﻟﻌﻈﻤﺎء ﻣﻦ اﻟﻨﺎس، وإذا أﺣـﺐ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺐ أن ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ اﻟﻤﺨﻄﺊ واﻟُﻤﺬﻧﺐ ﺗُﻼﻣﺲ آذاﻧﻬﻢ، وﺗـﺪﺧـﻞ اﻟﺒﻬﺠﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ وﺗﻔﺘﺢ ﻟﻬﻢ ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺠﺪﻳﺪة ﺑﻜﻞ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ :«اذﻫﺒﻮا ﻓﺄﻧﺘﻢ اﻟﻄﻠﻘﺎء«.