االتفلإاعلسبينلامريفينةفي الأدب الروسي الط ةةاسلهمعتربدبوريةزبار فوي أ االترجار مؤثرات كبيرة للححركةض
الــــــــروســــــــي فـــــــــي الأدب مـــــحـــــبـــــبـــــة ولــــــيــــــلــــــة لـــــيـــــلـــــة ألـــــــــــــف كــــــراتــــــشــــــكــــــوفــــــســــــكــــــي:
صدى كبير للإسلام في قصائد وأعمال إيفان بونين بوشكين أكثر أدباء روسيا حباً للشرق العربي وتأثراً به تراثياً وروحياً القرآن الكريم يحتل الصدارة بين الترجمات الروسية عن العربية دور بارز للشيخ محمد الطنطاوي في حركة الاستشراق في روسيا استلهام الأدباء الروس للتراث الإسلامي كان يزدهر في فترات القلق عندهم
» مؤثرات عربية وإسلامية فــي الأدب الـــروســـي » كــتــابٌ جـــلـــيـــلٌ فــــي مـــوضـــوعـــه وفـــي الـــمـــعـــلـــومـــات الـــقـــيّـــمـــة الــتــي يـقـدّمـهـا لـقـارئـه الـعـربـيّ حـول علاقة الأدب الـروسـي بالعرب والمسلمين باحثاً عن مُؤثرات عـربـيـة وإســلامــيــة فــي الأدب الروسي. وتــبــذل الـبـاحـثـة الأكـاديـمـيـة الــــدكــــتــــورة مــــكــــارم الــغــمــري أســـتـــاذة الأدب الـــروســـي فـي جـامـعـة عـيـن شـمـس بـالـقـاهـرة مــؤلــفــة الــكــتــاب جـــهـــداً كـبـيـراً لـلإحـاطـة بـهـذا الـمـوضـوع الـذي لم يُطرق على النحو الوافي من قبل. بـدايـة تـروي الباحثة حكاية مخطوطة يـرجـع تاريخها إلى بداية القرن الثاني عشر وتعدّ مــن أقـــدم الأدبــيــات الـروسـيـة الـمـكـتـوبـة وفـيـهـا نـتـعـرف على قـصـة الأمــيــر فـلاديـمـيـر الــذي اعـتـلـى الـحـكـم فـي روسـيـا عـام ٩٧٠ ميلادية واعتنق الإسـلام، ثم ارتد عنه إلى المسيحية التي أصبحت فيما بعد ديانة رسمية لروسيا. وكما شكّل الإسـلام والقرآن يـنـبـوعـاً خـصـبـاً لــلإلــهــام، كـان هـــنـــاك أيــــضــــاً نــبــع الــحــضــارة الـعـربـيـة تـاريـخـاً وثـقـافـة، وهـو النبع الــذي استلهم منه الأدب الـــروســـي الـكـثـيـر مـــن الــصــور الأدبـــيـــة والـــرمـــوز والأســالــيــب وبشكل كبير وعميق. وإذا كان القرن التاسع عشر بـالـنـسـبـة لــــلأدب الـــروســـي هـو ذلـك العصر الــذي انعكس فيه هــــــذا الــتــأثــيــر بــشــكــل جــلــي، فـــــــــــــــإنّ هــــــذه الــــــمــــــرحــــــلــــــة قــــــد ســبــقــتــهــا مرحلة أخرى مــــــن الــتــلــقــي والاســتــيــعــاب تـــــــــــبـــــــــــدأ فــــي الـقـرن الـتـاسـع الـــــــمـــــــيـــــــلادي وتـــــــــــمـــــــــــتـــــــــــدّ حــتــى الــــقــــرن الـــتـــاســـع عــشــر، وعــلــى امـــتـــداد هــــذه الــقــرون تـمـت عـمـلـيـة اكـتـنـاز لـلـعـنـاصـر الـعـربـيـة، حـضـاريـة وإسـلامـيـة وهـــــي الــعــمــلــيــة الـــتـــي مــهــدت لحدوث أهم حلقة في حلقات الــتــفــاعــل الــحــضــاري: الـتـأثـيـر والـتـأثـر، والـتـي اتضحت بشكل خــاص فـي نـتـاج أدبـــاء الـحـركـة الرومانطيقية الـروسـيـة وهي التيار الأدبــي الـرائـد فـي الأدب الــروســي فـي الـثـلـث الأوّل من القرن التاسع عشر.
العلاقات التجارية
ثـمـة وســائــط أو قــنــوات تـمّ مــن خـلالـهـا اسـتـقـبـال الـثـقـافـة القومية لرموز الثقافة الوافدة وهــــي تـشـكـل إطـــــــاراً لـمـرحـلـة الاستقبال والتلقي وخُطوة على طريق التأثير والتأثر. الـــعـــلاقـــات الــتــجــاريــة تـبـرز كـأقـدم أشـكـال الـوسـائـط التي انـتـقـلـت مــن خـلالـهـا مــفــردات الـحـضـارة العربية إلـى روسيا، إذ تـشـيـر الـمـصـادر الـتـاريـخـيـة إلــــى وجـــــود عـــلاقـــات تـجـاريـة قـــديـــمـــة بـــيـــن دولــــــــة روســـيـــا وعـــصـــور الـــخـــلافـــة الــعــربــيــة، كـانـت حـركـة الـتـجـارة القديمة بـيـن روســيــا والــشــرق الـعـربـي هي إحدى المنافذ التي عبرت مـن خلالها كلمات عربية إلى اللغة الـروسـيـة والـتـي كـان في عــــدادهــــا بــعــض مـصـطـلـحـات الـــطـــبّ الــعــربــي الــتــي انـتـقـلـت بشكل خـاص مـن خـلال حكيم روسي كان يمثل مدرسة الطب العربية. وقد ساهم كذلك في انتقال كلمات عربية إلى اللغة الـروسـيـة الـحُـجـاج الــروس إلـى بيت المقدس. كـذلـك تـمّ فـي روسـيـا إنـجـاز ترجمة تتناول وصف مدينتَي مكة والمدينة المنورة يتخلله مُقتبسات من المسيرة النبوية. وقـــــد ازداد عـــــدد الــمــؤلــفــات الــتــي كــانــت تـبـحـث فــي الـفـكـر الإسـلامـي فـي الـقـرن الخامس عشر إلـى التاسع عـشـر. وكانت هـذه المؤلفات تتضمن شرحاً لــــلإســــلام ووصـــــفـــــاً لــلأقــطــار الإســلامــيــة وبــخــاصــة الـواقـعـة عـلـى حــــدود روســيــا الـشـرقـيـة والجنوبية.
الاستشراق الروسي
وهــنــاك حــركــة الاسـتـشـراق الــروســيــة الــتــي ســاهــمــت فـي الـجـهـود الــرامــيــة إلـــى تـدريـس الــعــربــيــة فـــي روســــيــــا، وكـــان هناك دور بـارز لعالم مصري هو الشيخ محمد الطنطاوي في حركة الاسـتـشـراق فـي روسيا، كــان الـشـيـخ الـطـنـطـاوي عـالـمـاً كبيراً وكان من بين تلاميذه في مصر اثنان من الدبلوماسيين الــروس ساهما فـي دعـوتـه إلى روسـيـا فـي الـقـرن التاسع عشر لــتــدريــس الـعـربـيـة فــي الـقـسـم الـتـعـلـيـمـي فــي وزارة الـشـؤون الـخـارجـيـة، وكــان مجيئه إلـى روسيا بمثابة حدث كبير، ولم يقتصر نشاط الطنطاوي طوال العشرين عاماً التي قضاها في روسـيـا عـلـى تـدريـس الـعـربـيـة، بل إن مأثرته الــتــي لا تـقـدّر بـــثـــمـــن أمـــــام وطـنـه الـثـانـي، كـــــــــانـــــــــت فـــي تـــــجـــــمـــــيـــــعـــــه بحرص ودقة لـــمـــجـــمـــوعـــة الــــــــــوثــــــــــائــــــــــق الــــــشــــــرقــــــيــــــة الـــتـــي أشــــرف عـلـى إعــدادهــا والتي انتقلت إلى مكتبة جامعة بـطـرسـبـرج، وهــذه المجموعة تسمح بـإعـطـاء فـرصـة لإضــاءة جـــانـــب آخــــر فـــي قــصــة حـيـاة الشيخ الطنطاوي، وهو نشاطه العلمي الأدبي.
الترجمات
وتـشـغـل الــتــرجــمــات مـكـانـة هـــامـــة بــيــن أنـــــــواع الــوســائــط الـتـي تــمّ مـن خـلالـهـا اسـتـقـبـال مـــــفـــــردات الـــــتـــــراث الـــروحـــي والـحـضـارة العربية فـي التربة الروسية. ويـــــــــــؤكّـــــــــــد الــــمــــســــتــــشــــرق كراتشكوفسكي على أن القرآن الـكـريـم وألــف ليلة ولـيـلـة كانا الأثــريــن الـكـبـيـريـن الـوحـيـديـن الــلــذيــن أمــكــن لأجــــدادنــــا فـي الــقــرن الـثـامـن عـشـر الـتـعـرّف عليهما بالكامل. وتـــحـــتـــل تـــرجـــمـــة الــــقــــرآن الــكــريــم مــكــان الـــصـــدارة بـيـن الــــتــــرجــــمــــات الــــروســــيــــة عـن الـعـربـيـة فـقـد تُــرجــم الــقــرآن الــكــريــم إلـــى الــروســيــة مــرات عــــــدة مـــــن قـــبـــل مُــتــرجــمــيــن مختلفين، وكـانـت الترجمات المبكرة للقرآن تتمّ من خلال لـــغـــات أوروبــــيــــة وســيــطــة ثـم أمكن بعد ذلك ترجمة القرآن إلى الروسية عن الأصل العربي بعد تكوين كــوادر المترجمين الروس الدارسين للعربية. أمّـــــا ألــــف لـيـلـة ولــيــلــة فـقـد تـعـرفـت عـلـيـهـا روسـيـا بـعـد أن تُــرجــمــت إلــــى الـــروســـيـــة عـن الترجمة الفرنسية التي أنجزها جالان، وقد ظهرت أول طبعة لها فـي موسكو فـي اثـنـي عشر جـــــزءاً (١٧٦١/ ١٧٧٣)، وقــد لـقـيـت هـــذه الـتـرجـمـة نـجـاحـاً يـشـهـد عـلـيـه إعــــــادة طـبـاعـتـهـا أربع مرات متوالية على امتداد أربعين عاماً. وقـد أكّـد كراتشكوفسكي أن قــصــص ألــــف لـيـلـة والـقـصـص الشرقية كـانـت أكـثـر الـضـروب الأدبـيـة المحببة فـي أدبـنـا في نــهــايــة الـــقـــرن الـــثـــامـــن عـشـر وبداية القرن التاسع عشر. وقــــــد أســـهـــمـــت الــصــحــافــة الـروسـيـة وبـخـاصـة فـي مطلع القرن التاسع عشر بـدور فعّال في الترويج للشرق وثقافته.
موقع روسيا
وإلـــــى جـــانـــب الـــوســـائـــط أو الـقـنـوات الـتـي ذكـرنـا والـتـي تم من خلالها تعرف روسيا على الـــشـــرق الــعــربــي كــانــت هـنـاك عوامل أخرى مُساعدة أسهمت فـــــي الــــتــــعــــرف عـــلـــى الـــشـــرق العربي، منها عاملان جغرافي ونفسي. أمـــــــا الــــعــــامــــل الـــجـــغـــرافـــي فـيـرتـبـط بـمـوقـع روسـيـا جـارة الـــشـــرق والــــغــــرب، فـالـثـقـافـة الـروسـيـة مـحـظـوظـة جــداً فقد نــمــت عــلــى الــســهــول الـمُـتـسـعـة الـمـجـاورة للشرق والـغـرب في الشمال والجنوب. ويــرتــبــط الــعــامــل الـنـفـسـي بوجود شعوب شرقية في عداد روسيا. وقـــد صـــارت هـــذه الـشـعـوب جـــزءاً لا يـتـجـزأ مـن تـاريـخـهـا، لــــذلــــك لـــــم يـــكـــن مـــــن قــبــيــل الصدفة أن يكون عند صانعي الـــشـــعـــر الــــــروســــــي وقـــارئـــيـــه اســـتـــعـــداد نــفــســي كــبــيــر لـفـهـم الــشــرق والـــغـــرب لا كـنـمـطَـيـن متعارضَين بل كوحدة واحدة. عــن أهـمـيـة الــشــرق الـعـربـي بالنسبة لتطور الشعر الأوروبي الــرومــانــطــيــقــي كــتــب الـشـاعـر الـــــروســـــي الــكــبــيــر ألــكــســنــدر بوشكين، يقول: هناك عاملان كان لهما تأثير حاسم على روح الـشـعـر الأوروبــــــي، هـمـا: غـزو الــعــرب والــحــروب الـصـلـيـبـيـة، فـقـد أوحــى الـعـرب إلــى الشعر بالنشوة الـروحـيـة ورقـة الحب والولع بالرائع والبلاغة الفخمة لـــلـــشـــرق، وأكـــســـبـــه الــفــرســان الـــشـــهـــامـــة وبــــســــاطــــة الــــــروح ومــفــاهــيــم الــبــطــولــة وحــريــة الـــــــشـــــــعـــــــوب، هــــكــــذا كــانــت الــــــــــبــــــــــدايــــــــــة الــــــرقــــــيــــــقــــــة لــــــــلــــــــشــــــــعــــــــر الرومانطيقي.
الرومانطيقية الروسية والشرق
وتــــــــــقــــــــــول الـــبـــاحـــثـــة إن الــحــديــث عـن الــــــمــــــؤثــــــرات الــعــربــيــة فــي الأدب الــروســي يتطلب بـالـضـرورة البحث في علاقة الرومانطيقية الروسية بـالـشـرق. فهناك ارتـبـاط وثيق وعـــلاقـــة طـــرديـــة بــيــن تـطـور الــمــذهــب الــرومــانــطــيــقــي فـي الأدب الروسي في مطلع القرن الماضي وبين التوجه الروسي صــوب الــشــرق عـامـة والـعـربـي بــخــاصــة. فـفـي فــتــرة ازدهــــار الرومانطيقية في الثلث الأول مــــن الــــقــــرن الـــمـــاضـــي ازداد الاهتمام بالشرق على نحو لم يسبق لـه مثيل، كما أنّ أفضل منجزات الرومانطيقية برزت مـلـتـحـمـة بـالـمـوضـوع الـشـرقـي ومـتـأثـرة بـه. ولــذا فـإن دراسـة عـلاقـة الرومانطيقية بالشرق تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لـمـوضـوع »الـمـؤثـرات الشرقية في الأدب الروسي«، وبالنسبة لـــــــدراســـــــة الـــرومـــانـــطـــيـــقـــيـــة الروسية ذاتها.
ألكسندر بوشكين
وتقف الباحثة وقفة مطولة مـــــع شــــاعــــر روســـــيـــــا الأكــــبـــر ألكسندر بوشكين الـذي يعتبر أكـثـر أدبــاء روسـيـا حـبـاً للشرق الــعــربــي وتــــأثــــراً بـــه حــضــاريــاً وتراثياً وروحياً، ورغم المكانة المرموقة التي يشغلها التأثير الــعــربــي فـــي إنـــتـــاج بـوشـكـيـن فـلـم يـحـظ الــمــوضــوع الـعـربـي والإسـلامـي في إنتاجه بدراسة مُـــــســـــتـــــقـــــلـــــة تعنى بجوانبه الــــمــــتــــعــــددة، ولـــكـــن هــنــاك دراســتــان كـان لــــهــــمــــا ســـبـــق التطرق جزئياً إلـى الإيـحـاءات الـــعـــربـــيـــة فـي إنتاج بوشكين، وذلــــــــــــــــك فـــي إطــار الحديث عـن الإيـحـاءات الشرقية بعامة في إنتاجه. الـــــدراســـــة الأولـــــــى لـلـبـاحـث الـروسـي بيلكين تـصـوّر الشرق فـي إنـتـاج بوشكين تـنـاول فيها دراســــة تـأثـيـر الــشــرق الـعـربـي عـلـى إنــتــاج بـوشـكـيـن فــي إطــار الــحــديــث عـــن تــأثــيــر مـنـاطـق الــشــرق الـمُـخـتـلـفـة، وبـخـاصـة الــقــوقــاز، وإيــــــران، والـصـيـن، وقــد تـوقـف بـيـلـكـيـن خـصـوصـاً في مجال دراسـة تأثير الشرق الـعـربـي عـنـد قـصـائـد »قـبـسـات مـن الــقــرآن« كـمـا تـنـاول على عـجـالـة الـقـصـتـيـن الـشـعـريـتـيـن »روســـلان ولـودمـيـلا« و«لـيـالٍ مـصـريـة«، بينما أغـفـل العديد مـــــن الـــمـــوتـــيـــفـــات الـــعـــربـــيـــة والإسلامية في نتاج بوشكين. الـدراسـة الثانية هي للباحثة الـسـوفـيـيـتـيـة لـوبـيـكـوفـا تـنـاولـت فـيـهـا دراســـــة الـتـأثـيـر الـعـربـي على القصة الشعرية »روسلان ولــودمــيــلا« فــي إطـــار تـأثـرهـا بالمنابع الفولكلورية المُختلفة، كــذلــك تــنــاولــت »قــبــســات مـن الــــــقــــــرآن« مــــن خــــــلال رؤيــــة يــشــوبــهــا الــكــثــيــر مـــن الـخـلـط وعدم الوضوح. كان بوشكين من قرّاء مجلة »مخبر أوروبا«، وفيها ظهرت أول تـرجـمـات عــن الـفـارسـيـة والعربية ومن بينها مقتطفات من الأسطورة الشعبية العربية الـمـحـبـوبـة » مــجــنــون لـيـلـى ،« والـــحـــكـــم والأقـــــــــوال الــعــربــيــة المأثورة. كـمـا كــان بـوشـكـيـن حـريـصـاً عــلــى مُــتــابــعــة آخــــر إنـــجـــازات الأدب الــعــربــي. فـقـد قـــرأ في اهـــتـــمـــام شـــديـــد الــتــرجــمــات الفرنسية لمؤلفات أحـد بشائر الأدب العربي الحديث، الأديب الــمــصــري الأصـــــــل، الـفـرنـسـي الإقامة، يوسف يعقوب. واهـــتـــم بـوشـكـيـن اهـتـمـامـاً بــالــغــاً بــالــتــعــرف عــلــى تــاريــخ مــصــر الــقــديــمــة، يـشـهـد عـلـى ذلــك صـداقـتـه لـعـالـم الأثـريـات الــمــصــريــة جــولــيــانــوف، وهــي الـــصـــداقـــة الـــتـــي أشـــــــار إلــيــهــا الـبـاحـثـون بصفتها مـنـبـعـاً حـيـاً زاخراً نهل منه بوشكين الكثير من المعلومات عن تاريخ مصر القديمة.
رحلة إلى الأماكن المقدسة
كان حظ الثقافة العربية في فكر بوشكين كبيراً. وقـد كان شـغـوفـاً بمُتابعتها فـي مُختلف مـنـابـعـهـا. فـكـان يـتـابـع كـتـابـات الــرحّــالــة الـــــروس عــن الـشـرق الـعـربـي، حـيـث حــازت كـتـابـات مـــورافـــيـــف اهــتــمــام بـوشـكـيـن وملاحظاته. فــقــد كــتــب فـــي عــــام ١٨٢٣ عــن كــتــاب مــورافــيــف »رحـلـة إلى الأماكن المقدسة« إلى أن الـضـابـط الـشـاب قـد سنحت له فــرصــة تـحـقـيـق رغــبــة قـديـمـة وحلم محبب لدى الفنان وهي: الــتــواجــد فــي الــشــرق الأوســـط. واهتم بوشكين في هذا الكتاب بحديث مع حاكم مصر محمد عـلـي وزيــــارة مـورافـيـف لعمق الأهـرام، ورحلته إلى الصحراء حيث التقى بالبدو وتعرف على حياتهم! ويــــبــــدو أن بــوشــكــيــن كــان شـغـوفـاً بـالـتـعـرّف عـلـى تـاريـخ الخلافة الإسلامية. يشهد على ذلك توجهه إلى بطرسبرج في عـــام ١٨١٤ لـسـمـاع مـحـاضـرة ألقاها الأديــب الـروسـي الكبير جـوجـول عـن الخليفة المأمون وعصره. كــــذلــــك تـــشـــيـــر لــوبــيــكــوفــا إلـــــى قــــــــراءة بــوشــكــيــن كــتــاب كـــايـــدانـــوف : » أســـــس الــتــاريــخ الــســيــاســي الــحــديــث، الــتــاريــخ الــقــديــم « ، وهـــو الـكـتـاب الــذي خـصـص جـــزءاً كـبـيـراً للحديث عن البلاد العربية وعن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلّم. وقد عثر في أوراق بوشكين التي تنتمي إلى سنوات متفرقة من عمره على محاولات لتعلم الـحـروف العربية ومـرفـق بها شــــروح لــهــا. كــذلــك عـثـر عـلـى مـلاحـظـات حـول شكل الأرقــام العربية.
ألف ليلة وليلة
وتـعـتـبـر » ألـــف لـيـلـة ولـيـلـة « أشــــهــــر مــــؤلــــف عــــربــــي أثـــــار خــيــال الــشــعــراء الـرومـانـطـيـقـيـيـن الأوروبــيــيــن ومـنـهـم بوشكين الــــذي انـعـكـس تــــأثــــره بــألــف لـــيـــلـــة ولــيــلــة فـــــــــــي أكــــــثــــــر مـــــــن مـــؤلـــف مـــثـــل » لـــيـــال مــــــصــــــريــــــة « و « أنــدجــيــلــو « وقـــــــصـــــــيـــــــدة » الـــــــــقـــــــــمـــــــــر يتألق « . ولــــــــــــكــــــــــــن لـمـاذا اتـجـه بـوشـكـيـن إلــى ألـف ليلة وليلة؟ الـجـواب يكمن في خصائصها. فـحـكـايـاتـهـا الـتـي تـمـزج بين الـــواقـــع والــخــيــال تــطــرح عــادة حــواراً خصباً مضمونه الإنسان فـي علاقته بـالـواقـع. وفـي هذه الـحـكـايـات يكلل سـعـي الإنـسـان نـحـو الـخـيـر بـالـنـجـاح. وتنتصر قـوى الخير على قـوى الظلام، ويـــحـــل الـــــتـــــوازن مــحــل عــدم الـتـوازن. وفـي هـذا الإطـار وجد بوشكين ضـالـتـه وهـي التعبير عن الواقع من خلال قالب فني يشبه إلى حد بعيد قالب الليالي ويــســمــح بـالـتـعـبـيـر عــن الـمـثـل الأعلى الشاعري. وعـن قصص الليالي يستقي بوشكين تـصـوّره عـن شخصية الخليفة العربي هارون الرشيد الذي يستوقف اهتمام بوشكين بصفته رمــزاً إنـسـانـيـاً كـانـت له بـصـمـتـه الـمُـمـيـزة فــي مـسـيـرة الــحــضــارة الــعــربــيــة. وقـــد زار بــوشــكــيــن مــــرة أحــــد مــســارح بطرسبرج لمشاهدة مسرحية عن حياة هارون الرشيد.
إيفان بونين
ويــــعــــد الــــشــــاعــــر والـــكـــاتـــب الــروســي الـكـبـيـر إيــفــان بونين مـن أبــرز الأدبــاء الــروس تـأثـراً بالشرق العربي، وهو تأثر من نــوع خــاص يـمـتـزج بالمعايشة والـتـجـربـة الـذاتـيـة. فـقـد طـاف بــونــيــن بــالــعــديــد مــــن الــبــلاد العربية سائحاً متجولاً، وخبر بـنـفـسـه حــيــاة الــشــرق الـعـربـي الحية. كان اهتمام بونين بالإسلام كبيراً. فهو يستلهم الإسلام في الـعـديـد مـن قـصـائـده. وأعماله الــتــي يـجـد الإســــلام بـهـا صــداه تــــدور حـــول الــمــحــاور الآتــيــة: ســيــرة الـــرســـول مـحـمـد عـلـيـه الصلاة والسلام، وشعائر الحج والـصـلاة فـي الإســلام، والمدن الـعـربـيـة الـتـي اخـتـصـهـا الـقـرآن بالتكريم وارتبطت في الأذهان بــمــقــدســات الـمـسـلـمـيـن وعـلـى رأســهــا مــكــة، وكــــذا الـمـسـاجـد الإسلامية الشهيرة. ولم يستمد بــونــيــن مـعـلـومـاتـه الإســلامــيــة مـن زيـارتـه إلـى الـبـلاد العربية وحسب، بل درس الإسلام وقرأ القرآن. أمــــا جــومــلــيــوف الـــــذي يـعـد واحـداً من أهـم ممثلي تيارات الحداثة في الأدب الروسي في مطلع الـقـرن العشرين، فيعبر إنتاجه عـن اهتمام الحداثيين الـــروس بـالـثـقـافـة الـعـربـيـة في الـــفـــتـــرة الـــتـــي اصـــطـــلـــح عـلـى تسميتها بـالـعـصـر الـفـضـي في الأدب الروسي.
التراث الروحي الإسلامي
وتُـــشـــيـــر الــبــاحــثــة إلــــى أن اســـتـــلـــهـــام عـــنـــاصـــر الــــتــــراث الــروحــي الإســلامــي فـي إنـتـاج الأدباء الروس الذين درستهم كان يزدهر في فترات القلق والـتـطـور الـروحـي عـنـد هـؤلاء الأدبــاء. وكــان يظهر بالنسبة لــهــم كــمــلاذ ومــرفــأ لـسـكـيـنـة الـنـفـس الــحــائــرة. ومــن جـهـة أخـرى تكشف الــــــعــــــنــــــاصــــــر الــــحــــضــــاريــــة الـــعـــربـــيـــة فـي إنــــتــــاج هــــؤلاء الأدبـــــــــــــاء عــن تصوير صادق ومـــــــــتـــــــــنـــــــــوّع لــــــــــــــــرمــــــــــــــــوز الـــــــحـــــــضـــــــارة الـــــــعـــــــربـــــــيـــــــة الإســـــلامـــــيـــــة. وهــــــــــــذه الــــحــــقــــيــــقــــة تـــــؤكّـــــد المنطقية الـتـي تحكم عملية الـتـأثـيـر والــتــأثــر. فـالـحـضـارة الـعـربـيـة الإسـلامـيـة فـي فـتـرة ازدهــــــارهــــــا كـــانـــت مــطــمــحــاً حيوياً لشعوب الشرق والغرب. وعــلــى الـــرغـــم مـــن أن كـل أديـب مـن الأدبــاء الـذيـن تمت دراستهم فـي كتاب الدكتورة مـكـارم الـغـمـري قـد ســار إلـى الــــشــــرق الـــعـــربـــي بــطــريــقــتــه الــخــاصــة، إلا أنــهــم اجـتـمـعـوا جـمـيـعـاً عـلـى الـحـب والـتـقـديـر لــلــثــقــافــة الــعــربــيــة، والــفــهــم والـتـفـهـم لـلـمـعـانـي الإنـسـانـيـة والـقـيـم الـتـي حـواهـا الـقـرآن، والمغزى الصالح الذي حملته ســــيــــرة الــــــرســــــول الـــكـــريـــم. ومــن هــذه الــرؤيــة الإنـسـانـيـة لـــلآخـــريـــن عـــبـــرت أعــمــالــهــم إلــى الأفــق الإنـسـانـي الـعـالـمـي، واكـــتـــســـب إنـــتـــاجـــهـــم مـــذاقـــاً خــاصــاً مـمـيـزاً يـنـبـع مــن تـلـك التركيبة الرائعة بين الشرقي والغربي، وهي التركيبة التي اجــتــذبــت الأنــظــار إلـــى الأدب الـــروســـي وكــفــلــت لـــه الــحــبّ والانتشار. كـتـاب يـلـخـص كـتـبـاً كـثـيـرة، ويـشـكّـل إطــلالــة عـلـى أدب لا نـعـرف عـنـه الـكـثـيـر، مـقـارنـة بــــمــــا نــــعــــرفــــه عــــــن الآداب الغربيّة.