ﻛﻮروﻧﺎ واﻟﻌﻴﺪ

اﻻﺑـــــﺘـــــﻼء ﻳـــﺤـــﻤـــﻞ رﺳـــــﺎﻟـــــﺔ ﻣــــﻔــــﺎدﻫــــﺎ أن ﺣــــﻴــــﺎة اﻹﻧـــــﺴـــــﺎن أﻏــــﻠــــﻰ ﻣـــــﻦ ﻛـــــﻞ ﺷـــﻲء

ﻳــﺄﺗــﻲ ﻋــﻴــﺪ اﻟــﻔــﻄــﺮ اﻟـﺴـﻌـﻴـﺪ ﻫـــﺬا اﻟــﻌــﺎم ﻓﻲ ﻇـــﺮوف اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ اﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻇــﺮوف ﺗـﻤـﻨـﻊ اﻟـﺘـﺠـﻤـﻌـﺎت واﻟــﻠــﻘــﺎءات واﻟــﻌــﻴــﺪ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺘﺠﻤﻌﺎت واﻟﻠﻘﺎءات ﺳﻮاء أﺛﻨﺎء ﺗﺒﺎدل اﻟﺰﻳﺎرات واﻟــﺘــﻬــﺎﻧــﻲ ﺑــﻴــﻦ اﻷﺳـــــﺮ، أو أﺛــﻨــﺎء اﻻﺣــﺘــﻔــﺎﻻت اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮدﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻬﺎ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ اﺣﺘﻔﺎء ﺑﻬﺬه اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ، ﻛﻤﺎ أن ﻫﺬه اﻟﻈﺮوف ﺗﻤﻨﻊ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﺼﺎﻓﺤﺔ، وﻗـﺪ ﺗﻌﻮدﻧﺎ ﻓــﻲ اﻟﻌﻴﺪ أﻻ ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﻓﺤﺔ، إذ ﻳﺘﺒﻌﻬﺎ ﺗﻘﺒﻴﻞ اﻟـﺮؤوس واﻷﻧـﻮف واﻷﻳــﺪي، وﻫﻲ أﻳﻀﺎ ﺗﻤﻨﻊ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺰل ﺗﺤﺖ ﺷﻌﺎر »ﺧﻠﻴﻚ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ« وﻫﺬا اﻻﺑﺘﻼء ﻳﺤﻤﻞ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻔﺎدﻫﺎ أن ﺣــﻴــﺎة اﻹﻧـــﺴـــﺎن ﻫــﻲ أﻏــﻠــﻰ ﻣــﻦ ﻛــﻞ ﺷــﻲء، وﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﻨﺎس أﻏﻠﻘﺖ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ واﻟﺼﻼة ﻓﺮض ﻋﻴﻦ، أﻣﺎ اﻟﻌﻴﺪ ﻓﻬﻮ ﻓﺮض ﻛﻔﺎﻳﺔ، ﻓﻼ ﺳﺒﺐ ﻟﻠﺤﺰن ﻷن اﻟﻌﻴﺪ ﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﻞ ﻋﺎم.

أﻣــــﺎم اﻹﻧـــﺴـــﺎن ﺳــﻨــﻮات ﻗــﺎدﻣــﺔ ﻳـﻤـﻜـﻨـﻪ أن ﻳﻌﻮض ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻔﺮح، وﻫﻮ ﺑﻜﺎﻣﻞ ﻋﺎﻓﻴﺘﻪ، ﻟﻜﻦ ﻣـﺎذا ﺳﻴﻜﺴﺐ ﻣﻦ اﻟﻔﺮح إذا واﺟـﻪ اﻟﻌﻴﺪ وﻫﻮ ﻣﺼﺎب ﺑﻤﻜﺮوه ﻻ ﻗﺪر اﷲ، ﺑﻞ ﻗﺪ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻣـﻮﺟـﻮدا ﻓﻴﻪ إذا أﻫﻤﻞ ﻓﻲ اﺗﺒﺎع اﻻﺣـﺘـﺮازات اﻟـﻼزﻣـﺔ ﻟﺘﺨﻄﻲ ﻫــﺬه اﻷزﻣـــﺔ، أو إذا ﺗﺴﺎﻫﻞ ﻓـﻲ ﺗﻨﻔﻴﺬ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎت اﻟــﺼــﺎدرة ﻣـﻦ اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺮﺳﻤﻴﺔ، وﺣﻴﻨﻬﺎ ﻟـﻦ ﻳﻨﻔﻌﻪ ﻋﻴﺪ وﻻ ﻏﻴﺮه، وﻣﺎ ﻣﻦ ﻓﺮح ﻳﺘﻢ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﻮﺑﺎء، وأﺟﻤﻞ اﻷﻓــﺮاح ﻫﻮ ﻣﺎ ﻛـﺎن ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ، ﻓﺮح اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺈﺗﻤﺎم ﺻﻴﺎم اﻟﺸﻬﺮ اﻟـﻜـﺮﻳـﻢ، وﻓـﺮح اﻹﺣــﺴــﺎس ﺑـﻘـﻴـﻤـﺔ اﻟـﺼـﺤـﺔ واﻟــﻌــﺎﻓــﻴــﺔ، وﻓــﺮح اﻷﻟــﻔــﺔ ﺑــﻴــﻦ أﺻــﺤــﺎب اﻟــﺒــﻴــﺖ اﻟـــﻮاﺣـــﺪ، وﻓــﺮح اﻟﺸﻜﺮ ﻟﻠﻤﻮﻟﻰ ﺟﻠﺖ ﻗﺪرﺗﻪ اﻟﺬي ﻗﺪر ﻓﻬﺪى، وﻳـﺴـﺮ ﻟﺨﻠﻘﻪ ﻓــﺮص اﻟﻨﺠﺎة ﻣـﻦ ﻫــﺬا اﻟـﻮﺑـﺎء، وﻫـــﻲ ﻓـــﺮص ﻻ ﻳــﺬﻛــﺮﻫــﺎ إﻻ اﻟــﺸــﺎﻛــﺮون ﻣﻦ ﻋــﺒــﺎده، ﺑـﻌـﺪ أن ﻳــﺴــﺮت اﻟــﺪوﻟــﺔ ﻛــﻞ اﻷﺳــﺒــﺎب وﺳـﺨـﺮت ﻛـﻞ اﻹﻣـﻜـﺎﻧـﺎت ﻟﻤﻨﻊ اﻧﺘﺸﺎر اﻟـﻮﺑـﺎء، وﻣﻘﺎﺑﻞ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌﺎ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﺧــﻼل اﻻﻟــﺘــﺰام اﻟــﺘــﺎم ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎت وﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ ﺑﺪﻗﺔ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻷﺑــﺪان واﻷرواح ﻣﻦ ﺧﻄﺮ داﻫﻢ، ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻠﺨﻼص ﻣﻨﻪ، إﻻ ﺑﻤﻨﻊ اﻧـﺘـﺸـﺎره، وﻣـﻨـﻊ اﻧـﺘـﺸـﺎره ﻻ ﻳﺘﻢ إﻻ ﺑﺎﻟﺤﺮص واﻟـﻮﻋـﻲ واﺳﺘﺸﻌﺎر اﻟﺨﻄﺮ ﻏﻴﺮ اﻟـﻌـﺎدي اﻟـﺬي ﻳﻮاﺟﻪ ﻛﻞ اﻷﻣــﻢ واﻟﺸﻌﻮب، وأﻣـﺎﻣـﻪ اﻧﻬﺎرت ﺗﺤﺼﻴﻨﺎت دول ﻛـﺒـﺮى، واﻧـﺤـﺴـﺮت اﻷﺿــﻮاء ﻋــﻦ ﺷـﺨـﺼـﻴـﺎت ﻛــﺎﻧــﺖ ﻣــﻞء اﻟـﺴـﻤـﻊ واﻟـﺒـﺼـﺮ، وأﺻــﺒــﺤــﺖ ﻋــﺎﺟــﺰة أﻣــــﺎم ﻫـــﺬا اﻟــﻘــﺪر اﻹﻟــﻬــﻲ اﻟـﻌـﻈـﻴـﻢ، واﺧـﺘـﻔـﻰ ﺗـﺄﻟـﻖ اﻟـﻔـﻨـﺎﻧـﻴـﻦ وﻣﺸﺎﻫﻴﺮ اﻟــﻜــﺮة وأﻋـــــﻼم اﻟــﺴــﻮﺷــﻴــﺎل ﻣــﻴــﺪﻳــﺎ اﻟــﺬﻳــﻦ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﺪﻳﻬﻢ - أﻗﺼﺪ أﻋـﻼم اﻟﺴﻮﺷﻴﺎل ﻣﻴﺪﻳﺎ - اﻟﻤﺤﺘﻮى اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ ﻟﻠﻤﺮﺣﻠﺔ، ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ أن ﻛﻞ ﺟﻬﻮدﻫﻢ ﻻ ﺗﻀﻴﻒ ﻗﻴﻤﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻠﻮاﻗﻊ، واﺗﺠﻬﺖ اﻷﻧﻈﺎر إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺎﻧﺘﻈﺎر ﻣﺎ ﺗﺴﻔﺮ ﻋﻨﻪ أﺑﺤﺎﺛﻬﻢ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ، وﻫﻢ ﻋﺎﻛﻔﻮن ﻟـﻴـﻞ ﻧــﻬــﺎر ﻓــﻲ ﻣـﺨـﺘـﺒـﺮات وﻣــﺮاﻛــﺰ اﻷﺑــﺤــﺎث ﺳـﻌـﻴـﺎً وراء اﻟـــﺪواء اﻟـﻤـﻨـﺸـﻮد، وﻛــﺬﻟــﻚ اﻷﻃـﺒـﺎء واﻟﻤﻤﺮﺿﻮن اﻟـﺬﻳـﻦ ﻳﺘﺼﺪون ﻟﻠﺨﻄﺮ وﺟﻬﺎً ﻟﻮﺟﻪ.

وﻋــــﻮدا ﻋـﻠـﻰ ﺑــﺪء ﻳـﻈـﻞ ﻋـﻴـﺪ اﻟـﻔـﻄـﺮ ﺑﻤﻌﻨﺎه اﻟـﺮوﺣـﻲ ًراﺳـﺨـﺎ ﻓـﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ

ﺷﻌﻮراً وإﺣﺴﺎﺳﺎً وﻟﻴﺲ ﻃﻘﻮﺳﺎ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺎﻧﺘﻬﺎء أﻳﺎﻣﻪ. وﻋﻴﺪﻧﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻫﻮ ﻛﺴﺐ اﻟﻤﻌﺮﻛﺔ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﻣﻊ ﻫﺬا اﻟﻮﺑﺎء اﻟﺬي ﻳﺠﺘﺎح اﻟﻌﺎﻟﻢ دون ﻫﻮادة، وﻓـﻲ ﺟﻬﻮد اﻟﺪوﻟﺔ ﺳﺪ ﻣﻨﻴﻊ ﻳﺤﺪ ﻣﻦ اﻧﺘﺸﺎر اﻟــﻮﺑــﺎء، وﻳﺘﻴﺢ ﻟﻠﻨﺎس اﻟـﻔـﺮح ﻣـﺎ داﻣــﻮا ﺑﻤﻨﺠﺎة ﻣﻦ ﻓﺪاﺣﺔ آﺛﺎره اﻟﺤﺎدة ﺑﻘﺪر اﻟﺘﺰاﻣﻬﻢ اﻟﻮاﻋﻲ ﺑﻬﺬه اﻵﺛــﺎر وﺗﺠﻨﺒﻬﺎ ﺑﺸﺘﻰ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ

وﻫــﻲ ﻛﺜﻴﺮة وﷲ اﻟﺤﻤﺪ، وﻣــﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﻃﻦ واﻟــﻤــﻘــﻴــﻢ ﺳــــﻮى اﻟــﺘــﻌــﺎﻣــﻞ ﻣــﻌــﻬــﺎ ﺑــﻤــﺰﻳــﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮص واﻻﻟﺘﺰام واﻟﺪﻗﺔ.

وﻣــﺎ داﻣــﺖ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣـﻦ ﻋــﺪم إﻗـﺎﻣـﺔ ﺻﻼة اﻟﻌﻴﺪ ﻫـﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺣـﻴـﺎة اﻟــﻨــﺎس، ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ ﺳﺒﺐ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻠﺘﺤﺴﺮ أو اﻟﻨﺪم أو اﻟﻘﻠﻖ ﻣﻦ أي إﺟﺮاء ﻳﺘﺨﺬ ﺑﻬﺬا اﻟﺸﺄن، وﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺳﻴﻌﻮد اﻟﻌﻴﺪ ﺑﺄﻣﺮ اﷲ، وﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ ﻣﺎ ﻳﻀﻤﻦ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻹﻧﺴﺎن وﺣﻴﺎﺗﻪ وأﻣﻨﻪ. وﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﺸﺎﻋﺮ: ﻳـــﻌـــﻮد اﻟــﻌــﻴــﺪ ﺑـــــﺎﻷﻓـــــﺮاح دوﻣـــــﺎً وﻟـــﻮ ﺣــﻴــﻨــﺎً ﺗـﺨـﺎﺗـﻠـﻪ اﻟــﻈــﺮوُف ﻟــــﻴــــﺎﻟــــﻴــــﻪ ﻷﻣـــــــﺮ ﻏـــــــﺎﺑـــــــﺖ إذا ﻓﻔﻲ اﻷﻗﺪار ﻗﺪ ُﻛﺘﺒْﺖ ُﺣﺘﻮُف ﻛـــــﺬا اﻟـــﺪﻧـــﻴـــﺎ ﺑـــﻬـــﺎ ﻣـــــ ﱞﺪ و َﺟــــــــ ْﺰ ٌر

ﻛــﻤــﺎ ﺷـــﺎء اﻹﻟــــُﻪ ﻫــﻮ اﻟـﻠـﻄـﻴـُﻒ. وﻳـــﺎ إﻟــﻬــﻨــﺎ اﻟــﻠــﻄــﻴــﻒ، أﻟــﻄــﻒ ﺑــﻌــﺒــﺎدك وﻗـﻨـﺎ وﺑﻼدﻧﺎ ﻛﻞ ﺳﻮء، وأدم ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻧﻌﻤﻚ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺪ وﻻ ﺗﺤﺼﻰ، واﺣﻔﻆ ﻟﻨﺎ وﻻة أﻣﺮﻧﺎ ووﻓﻘﻬﻢ ﻟﻜﻞ ﺧﻴﺮ.