ﻣﺎﻟﻚ وﻣﺎل اﻟﻨﺎس

ﻫــﻞ ﻧــﺤــﻦ ﻣــﻠــﺰﻣــﻮن ﺑــﻤــﺎ ﻳــﻘــﻮﻟــﻪ اﻵﺧــــﺮون ﻟـﻤـﺠـﺮد أّﻧــﻨــﺎ اﺳـﺘـﺼـﻮﺑـﻨـﺎ أﻗــﻮاﻟَــﻬــﻢ؟ ﻋـﻠـﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟـــﻤـــﺜـــﺎل: ﻫـــﻞ ﻧــﻘــﺘــﺪي ﺑــــﺄﻗــــﻮال ﻓــــﻼن وﻋـــﻼن ﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻃﻔﺎﻟﻨﺎ دون أن ﻧــﺄﺧــﺬ أﻗــﻮال ﻫـــــﺆﻻء اﻷﻃـــﻔـــﺎل ﻓـــﻲ أﻣـــــﻮر ﺗــﺨــﺼــﻬــﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﺑﺎﻟﺘﻮﺟﻴﻪ إﻟﻰ ﻣﺎ ّﻧﺮاه ﺻﻮاﺑﺎ ﻟﻤﺠﺮدّ أﻧﻨﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎه ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺴﻠﻮك اﻟﻌﺎم وإﺑﺪاء اﻟﺮأي، ﻣﻤﻦ ﻧﺜﻖ ﺑﻬﻢ وﻧﻄﻤﺌﻦ إﻟﻰ أﻗﻮاﻟﻬﻢ؟ّ

أﻧﺎ ﻫﻨﺎ ﻻ أﺗﺤّﺪث ﻋﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﻤﺴّﻠﻢ ﺑﻬﺎ ﻏﻴﺮ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻸﺧﺬ واﻟﺮد ﻣﺜﻞ اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ اﻟﺒﺎﻃُﻞ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻳَﺪﻳﻬﺎ وﻻ ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻬﺎ، ﻟﻜﻨﻲ أﺗﺤﺪث ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻤﺮﺗﻜﺰة أﺳـﺎﺳـﺎ ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟـﺜـﻘـﺎﻓـﺔ ﻣــﺘــﺄﺛــﺮة ﺑــﺮواﻓــﺪ ﻛـﺜـﻴـﺮ ﻻ ﻋـﻼﻗـﺔ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﻨﻴﻒ، وﻣـﻊ ذﻟـﻚ ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻤﺘﺜﻞ ﻟﻬﺎ وﻧـﻄـﻠـﺐ ﻣــﻦ أﻃـﻔـﺎﻟـﻨـﺎ اﻻﻣــﺘــﺜــﺎل ﻟـﻬـﺎ، وﻣــﺎ ﻫﻲ ﺳﻮى اﺟﺘﻬﺎدات ﺷﺨﺼﻴﺔ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻴﻦ أﻃﻔﺎﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﻮ ذو رأي ﻳﺘﺨﻄﻰ ﺗﻠﻚ اﻷﻗﻮال ﺑﻤﺮاﺣﻞ، اﻟﻐﺮﻳﺐ أﻧﻨﺎ ﻧﺘﻘﺒﻞ اﻷﻓﻜﺎر ﻣﻦ أﺷﺨﺺ ﺗﻌﺠﺒﻨﺎ

أﻗــﻮاﻟُــﻬــﻢ، وﻟﻜﻨﻨﺎ ﻻ ﻧﺘﻘﺒﻠﻬﺎ إذا ﺻـــﺪرت ﻣﻦ أﻃــﻔــﺎﻟــﻨــﺎ، وﺑــﺬﻟــﻚ ﻧـﻔـﻘـﺪﻫـﻢ اﻟــﺜــﻘــﺔ ﺑـﺎﻟـﻨـﻔـﺲ، وﻧﻀﻌﻬﻢ ﻣﺒﺎﺷﺮة أﻣﺎم ازدواﺟﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻗﻒ واﻷﻓــﻜــﺎر ﻟـﻬـﺎ ﺗـﺄﺛـﻴـﺮﻫـﺎ اﻟﺴﻠﺒﻲ ﻋـﻠـﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺴﻠﻮك اﻟﻌﺎم واﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳﻦ، واﻟﻤﻔﺮوض أن ﻧﺴﻤﻊ ﻣﻦ أﻃﻔﺎﻟﻨﺎ ﻓﻨﻘﺒﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺻﺤﻴﺢ، وﻧﺼﺤﺢ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺑــﺤــﺎﺟــﺔ إﻟـــﻰ ﺗـﺼـﺤـﻴـﺢ، ﻻ أن ﻧــﺮﻓــﺾ ﺟﻤﻠﺔ وﺗﻔﺼﻴﻼ ﻛـﻞ ﻣـﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن، وﻫــﻢ ﻳــﺮون ﻗﺒﻮﻟﻨﺎ اﻷﻣــــﻮر ﻧﻔﺴﻬﺎ إذا ﺻـــﺪرت ﻣــﻦ آﺧــﺮﻳــﻦ، ﻣﻦ ذوي اﻟﺤﻀﻮر اﻟﺮﺳﻤﻲ أو اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ أو اﻟﻔﻜﺮي ﻣﻤﻦ ﻧﻌﺠﺐ ﺑﻬﻢ، وﻧﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ أﻗﻮاﻟﻬﻢ، وﻧﺄﺧﺬ ﺑﻬﺎ دون ﺗﺮدد، وﻧﺮﻓﻀﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﺣﺰم إذا ﺻﺪرت ﻣﻦ أﻃﻔﺎﻟﻨﺎ!

ﺻــﺤــﻴــﺢ أن اﻷﻃـــﻔـــﺎل رﺑــﻤــﺎ ﻳــﻜــﻮﻧــﻮن ﻏﻴﺮ ﻗﺎدرﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺻﻴﺎﻏﺔ أﻓﻜﺎرﻫﻢ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﺪرﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻮﺿﻮح اﻟﺬي ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﻪ اﻷﻓﻜﺎر إذا ﻃﺮﺣﺖ ﻣـﻦ اﻟـﻜـﺒـﺎر، وﻫـﻨـﺎ ﻳـﺄﺗـﻲ اﻟـــﺪور اﻟـﺘـﺮﺑـﻮي اﻟـﺬي ﻳـﻔـﺮض اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣـﻊ ﻫــﺬه اﻷﻓــﻜــﺎر ﺑـﺸـﻲء ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ واﻟﺘﻮﺟﻴﻪ واﻟﺘﺸﺠﻴﻊ، ﻻ اﻹﻫﻤﺎل وﻋﺪم اﻻﻫﺘﻤﺎم ورﺑﻤﺎ اﻟﺘﺠﺮﻳﺢ. ﻣﻊ أن ﺟﻮﻫﺮ ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر واﺣٌﺪ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟَﻴﻦ، وﻟﻮ أﺻﻐﻴﻨﺎ ﻷﻃﻔﺎﻟﻨﺎ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎم ﻻﺗﻀﺤﺖ ﻟﻨﺎ أﻓـﻜـﺎرﻫـﻢ ﺑﺸﻜﻞ أﻛﺜﺮ دﻗﺔ وﻗﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻠﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﻬﺎ، ﺣﺘﻰ وإن اﺣﺘﺎﺟﺖ إﻟـﻰ ﺷـﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻮﻳﻢ، إذا ﻻ ﻧﺘﻮﻗﻊ أن ﺗﻜﻮن أﻓﻜﺎر اﻷﻃﻔﺎل ﺑﻨﻔﺲ ﻣﺴﺘﻮى أﻓﻜﺎر اﻟﻜﺒﺎر ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ اﻟﻮﺿﻮح ﻓﻲ اﻟﺮؤﻳﺔ، واﻟﺪﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ.

ﻃﻔﻠﻚ ﻗﺪ ﻳﻘﻮل ﻟﻚ: أﻧﺖ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﺗﻘﻮل: ﻗﺎل أﺑﻮك أو ﺧﺎﻟﻚ أو ﻋّﻤﻚ ﻛﺬا، وﻓﻲ أﻣﻮر ﺗﺨّﺼﻨﻲ دون ﻏﻴﺮي، وﻟﻢ ﺗﺴﺄﻟﻨﻲ ﻋﻦ ﻗﻮﻟﻲ أﻧﺎ، وﺑﺬﻟﻚ ﺗﺘﺠﺎﻫﻞ ﻗﻮﻟﻲ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺼﻨﻲ.

ﻓـــﺈن ﻛــﻨــﺖ رﺣـــﺐ اﻟـــﺼـــﺪر، وواﺳـــــﻊ اﻷﻓـــﻖ، ﺳﺘﺼﻐﻲ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻟﻘﻮل ﻃﻔﻠﻚ، وﺣﻴﻨﻬﺎ ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﻘﺘﻨﻊ، أو ﺗﻘﻨﻌﻪ ﺑﻤﻮاﻃﻦ اﻟﻀﻌﻒ ﻓﻲ رأﻳﻪ، وﺣﻴﻨﻬﺎ ﻟﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻮﺟﺪة، ﺑﻞ ﺳﻴﺤﻔﻆ ﻟﻚ ﻫـﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟـﺬي اﻛﺘﺴﺐ ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ واﻻﻋﺘﺪاد ﺑﺎﻟﺮأي، واﻟﺘﻌﻮد ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﻗﻒ وإﺑﺪاء اﻟﺮأي دون ﺧﻮف

أو ﺗﺮدد.

ﻣﻘﻮﻟﺔ: )ﻣﺎﻟﻚ وﻣﺎل اﻟﻨﺎس( ﺗﺼﺒﺢ أﻛﺜﺮ دﻗﺔ وواﻗـﻌـﻴـًﺔ ﻓـﻲ ﻣﺜﻞ ﻫــﺬا اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣـﻊ اﻷﻃـﻔـﺎل، وﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻓﻀﻮن اﻟﺘﻬﻤﻴﺶ، ورﺑﻤﺎ ﺷﻌﺮوا ﺑﺎﻟﻀﻐﻂ إذا أﺳﺮف اﻵﺑﺎء ﻓﻲ ﺗﺠﺎﻫﻞ ﻣﻮاﻗﻔﻬﻢ وآراﺋﻬﻢ ﻣﻊ أن اﻟﺪﻳﻦ أوﺻﺎﻧﺎ ﺑﻬﻢ ﺧﻴﺮا، واﻟﻌﻠﻢ ﻋﻘﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻮاﺻﻴﻬﻢ ﺗﻘﺪم اﻷﻣﺔ وازدﻫﺎرﻫﺎ إذا ﻧﺸﺄوا أﺳﻮﻳﺎء دون ﻣﻌﻮﻗﺎت ﻟﻨﻤﻮﻫﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ، ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻐﻮا ﻣﺒﻠﻎ اﻟﺮﺟﺎل وﻫﻢ ﻣﺴﻠﺤﻮن ﺑﺜﻘﺔ اﻟﻨﻔﺲ وﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ واﺣﺘﺮام اﻟــﺬات، وﻛﻠﻬﺎ ﺻﻔﺎت ﻳﺴﺎﻋﺪ اﻵﺑﺎء ﻓﻲ إﻛﺴﺎﺑﻬﺎ أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ، إذا ﺗﺼﺮﻓﻮا ﺑﺤﻜﻤﺔ، أو ﺣﺮﻣﺎﻧﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ إذا ﺗﺼﺮﻓﻮا دون ﺣﻜﻤﺔ. وﻓـﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ اﻷﻃـﻔـﺎل أﻣـﺎﻧـﺔ ﻓﻲ أﻋــﻨــﺎق أوﻟــﻴــﺎء أﻣــﻮرﻫــﻢ، ﻓﻠﻴﺤﺴﻨﻮا ﺗﺮﺑﻴﺘﻬﻢ، دون ﻓﺮض آراء ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ، وﺑﺬﻟﻚ ﺗﺮﻗﻰ اﻷﻣﻢ وﻳﺰدﻫﺮ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺸﻌﻮب.

ﻣﺎﻟﻚ وﻣـﺎ ﻟﻠﻨﺎس إذا أردت ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻷﻃﻔﺎﻟﻚ، ﻟﻴﻤﻸ ﻗﻠﻮﺑَﻬﻢ اﻹﻳﻤﺎُن وﻫﻮ ﻳﺘﻮﺟﻬﻮن ﻟﺨﺎﻟﻘﻬﻢ ﺑﻘﻮﻟﻬﻢ: )إﻳﺎك ﻧﻌﺒﺪ وإﻳﺎك ﻧﺴﺘﻌﻴﻦ(.