ﺣﻀــــﺎرة إﻧﺴـــﺎﻧﻴـــﺔ ﺟـــﺪﻳـــﺪة

إن اﻹﻧــــــﺴــــــﺎن ﻳـــﺒـــﺤـــﺚ دوﻣـــــــﺎ ﻋـــﻦ اﻻﺳـــﺘـــﻘـــﺮار واﻷﻣــــــﺎن وﻳـﻨـﺸـﺪ اﻟــﻄــﻤــﺄﻧــﻴــﺔ ﻟـــﻪ وﻷﺑـــﻨـــﺎﺋـــﻪ، وﻳـﺴـﻌـﻰ ﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻋﺐء اﻟﺤﻴﺎة ﻋﻦ ﻛﺎﻫﻠﻪ، وﻟﻤﺎ ازدادت اﻟﺤﻴﺎة ﺗﻌﻘﻴﺪا وﻗﻮة وﺗﻮﺳﻌﺖ، ازدادت ﻣﻌﻬﺎ ﻣﻄﺎﻟﺒﻬﺎ وﺣــﺎﺟــﺎﺗــﻬــﺎ، وازدادت اﻟــﻀــﻐــﻮط اﻟـﻮاﻗـﻌـﺔ ﻋـﻠـﻰ اﻹﻧــﺴــﺎن ﻟﺘﻠﺒﻴﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻄﺎﻟﺐ. وﻗﺪ ازداد ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ وﺣﻤﻠﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣــﻦ ﻃـﺎﻗـﺘـﻬـﺎ وذﻟـــﻚ ﺑـﻐـﻴـﺔ اﻟـﻠـﺤـﺎق ﺑﺮﻛﺐ اﻟﺘﺤﻀﺮ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻗـﺴـﻮة ورﺧـــﺎء. ﻓـﺎﻟـﺤـﻀـﺎرة ﺗﺤﻤﻞ ﻣــﻌــﻬــﺎ رﻳـــــﺎح اﻟــﺘــﻐــﻴــﻴــﺮ، واﻟــﺘــﻐــﻴــﻴــﺮ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻌﻪ اﻟﺘﺒﺪﻳﻞ ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻮك.

إن اﻷرﺿــﻴــﺔ اﻟـﺘـﻲ ﻗـﺎﻣـﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟــﺤــﻀــﺎرة اﻟــﻤــﻌــﺎﺻــﺮة ﻓــﻲ أﻏـﻠـﺐ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻫﻲ اﻟﻤﺎدﻳﺔ اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ اﻟــﺘــﻲ ﻻ ﺗــﻌــﻄــﻲ اﻟـــﺪﻳـــﻦ واﻷﺧــــﻼق دورا ﻣــﺆﺛــﺮا وﺗـﻌـﺰﻟـﻪ ﻋــﻦ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓـــﻲ اﻟـــﻨـــﺎس، ﺑـﻴـﻨـﻤـﺎ ﺗــﺠــﻌــﻞ ﻟﻠﻘﻴﻢ اﻟﻤﺎدﻳﺔ اﻟﻤﻜﺎن اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎة اﻟــﻔــﺮد واﻟــﻤــﺠــﺘــﻤــﻊ، وﻟــﻘــﺪ ﻋﻤﻠﺖ اﻟﻤﺎدة ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﺮوﺣﻴﺔ ﻓـــﻲ اﻹﻧـــﺴـــﺎن اﻟــﻤــﻌــﺎﺻــﺮ وﺗــﻠــﻮﻳــﺚ ﻓـــﻄـــﺮﺗـــﻪ اﻹﻧـــﺴـــﺎﻧـــﻴـــﺔ، ﻓـــﺎﻹﻧـــﺴـــﺎن اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺎدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﺐ اﻟﺘﻮﺗﺮ اﻟﻌﺼﺒﻲ واﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ، ﻓﺰاد ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻻﺗﺠﺎه إﻟﻰ اﻹدﻣــــﺎن ﻋـﻠـﻰ اﻟــﺨــﻤــﻮر واﻟـﻜـﺤـﻮل واﻟﻤﺨﺪرات، وﻳـﺆدي ﻫﺬا اﻻﺗﺠﺎه إﻟـﻰ ﻣﺸﻜﻼت ﻧﻔﺴﻴﺔ وﻋﻘﻠﻴﺔ إﻟﻰ ﺟــﺎﻧــﺐ آﺛــــﺎره اﻻﺟــﺘــﻤــﺎﻋــﻴــﺔ. وﻣــﻦ أﻫــــﻢ اﻟــﻤــﺸــﻜــﻼت اﻷﺧـــﻼﻗـــﻴـــﺔ ﻓـﻲ اﻟـﻤـﺠـﺘـﻤـﻊ اﻟــﻤــﻌــﺎﺻــﺮ ﻫــﻲ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻋــﻼﻗــﺎت اﻟـﻤـﺮاﻫـﻘـﻴـﻦ واﻹﺟــﻬــﺎض واﻟﺸﺬوذ اﻟﺠﻨﺴﻲ. وﻣﻦ اﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﻏـــﻴـــﺮ اﻷﺧــــﻼﻗــــﻴــــﺔ ﻓــــﻲ اﻟــﻤــﺠــﺘــﻤــﻊ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ازدﻳﺎد ﻣﻌﺪﻻت اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﺑــﻤــﺨــﺘــﻠــﻒ أﻧــــﻮاﻋــــﻬــــﺎ وأﺷـــﻜـــﺎﻟـــﻬـــﺎ، وإن اﻟــﻌــﺎﻟــﻢ اﻟــﺤــﺪﻳــﺚ ﻳــﻌــﺎﻧــﻲ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ، ﻟﻢ ﻳﺠﺮﺑﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻃﻮال ﺗــﺎرﻳــﺨــﻪ، وﻫـــﻲ ﻣـﺸـﻜـﻠـﺔ »ﺟــﺮاﺋــﻢ اﻷﻃــﻔــﺎل« اﻟـﺘـﻲ أﺻـﺒـﺤـﺖ ﺟـــﺰءا ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ ﻣـﻦ اﻟـﺤـﻀـﺎرة اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﻤﺜﻞ اﻷﺧﻼق أﺳﺎس ﻛﻞ ﺑـﻨـﻴـﺎن اﺟــﺘــﻤــﺎﻋــﻲ، وﻫـــﺬه اﻟـﻔـﻜـﺮة ﻫـــﻲ اﻷﺳـــــﺎس ﻟـﻠـﻘـﻴـﻤـﺔ اﻷﺧــﻼﻗــﻴــﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ واﻟﻔﺮدﻳﺔ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ.

إن اﻟـــﺤـــﻀـــﺎرة اﻟــﺤــﺪﻳــﺜــﺔ ﻟـﻴـﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺗــﻮازن ﺑﻴﻦ اﻟـﻘـﻮة واﻷﺧــﻼق، واﻷﺧـــﻼق ﻫــﻲ اﻟـﺠـﻮﻫـﺮ واﻷﺳــﺎس اﻟـــــﺬي ﺗـــﻘـــﻮم ﻋــﻠــﻴــﻪ أي ﺣـــﻀـــﺎرة، وﻓـــــﻲ اﻟــــﻮﻗــــﺖ ذاﺗــــــﻪ ﺗــﻀــﻤــﻦ ﺳــﺮ ﺑــﻘــﺎﺋــﻬــﺎ وﺻــﻤــﻮدﻫــﺎ ﻋــﺒــﺮ اﻟــﺘــﺎرﻳــﺦ واﻷﺟــــﻴــــﺎل، واﻷﺧـــــــﻼق ﻫـــﻲ روح اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻮﺟﻮد.

إن ﺣـــﺎﺟـــﺘـــﻨـــﺎ اﻟـــﻤـــﻠـــﺤـــﺔ اﻟـــﻴـــﻮم ﻟـﺘـﻨـﻈـﻴـﻢ اﻟــﺤــﻴــﺎة وإﻗــﺎﻣــﺘــﻬــﺎ ﻋـﻠـﻰ اﻟــﻤــﺒــﺎدئ اﻷﺧـــﻼﻗـــﻴـــﺔ، ﺣــﻴــﺚ إﻧـﻬـﺎ ﻛــﻔــﻴــﻠــﺔ ﺑـــﺈﻳـــﺠـــﺎد إﻃـــــــﺎر أﺧـــﻼﻗـــﻲ أﻓﻀﻞ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻷن اﻷﺧـﻼق ﺗﻤﺜﻞ اﻟﻘﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻧﺒﻴﻦ اﻟـــﻤـــﻌـــﻨـــﻮي واﻟــــــﺮوﺣــــــﻲ، واﻟــــﻴــــﻮم اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟـﻰ ﻋﻮدة اﻹﺳﻼم ﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻟﻴﻘﺪم ﻟﻬﺎ ﺣــﻀــﺎرة إﻧـﺴـﺎﻧـﻴـﺔ ﺟــﺪﻳــﺪة ﺗﺘﺤﻘﻖ ﻓﻴﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﺗﺘﺄﻟﻖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﻴﻢ اﻟـﺮوﺣـﻴـﺔ واﻷﺧـﻼﻗـﻴـﺔ اﻟـﺘـﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ اﻟﺴﻴﺎج اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﻬﻴﺎر.