ﻣﺒـﺎدئ ﺣــﺮﻳـــﺔ اﻟﺘﻌﺒــﻴﺮ ﻓﻲ اﻹﺳــﻼم

إن اﻟﺬي ﻳﺘﺪﺑﺮ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺠﺪ أن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗـﺪ ﻛﻔﻞ ﻟﻠﻔﺮد ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ؛ ﺑﻞ ﻣﻨﺤﻪ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻹﺑﺪاء رأﻳﻪ، وﻟﻨﺄﺧﺬ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ أﻣﺜﻠﺔ: ﻟﻤﺎ أراد رﺑﻨﺎ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ أن ﻳﺨﻠﻖ آدم -ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم- ﻋــﺮض اﻷﻣــﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ اﻟُﻤﻘّﺮﺑﻴﻦ، وﻫﻨﺎ أﺗﺎح اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻬﻢ أن ﻳُﻌّﺒﺮوا ﻋﻦ رأﻳﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﻀﻴﺔ ﺧﻠﻖ آدم -ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم- ﻗــﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ) َوإِْذ َﻗــﺎ َل َر ﱡﺑــ َﻚ ﻟِْﻠ َﻤ َﻼﺋِ َﻜ ِﺔ إِﻧﱢــﻲ َﺟﺎ ِﻋ ٌﻞ

ًَََََُْ َََ ِْ ِْ َُِ ﱢَِ ُُُ ﱢََ ِِْ َََ ﻓﻲ اﻷرض ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻗﺎﻟﻮا أَﺗﺠﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ َُ َْ َْ ُْ

ََ ِِ ﻣﻦ ﻳﻔﺴﺪ ﻓﻴﻬﺎ وﻳﺴﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء وﻧﺤﻦ ﻧﺴﺒﺢ ﺑﺤﻤﺪك وﻧـﻘـﺪس ﻟـﻚ ﻗـﺎل إﻧﻲ أَْﻋﻠَُﻢ َﻣﺎ َﻻ ﺗَْﻌﻠَُﻤﻮَن(؛ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻵﻳﺎت أﺑـﺪت اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ اﻟُﻤﻘّﺮﺑﻮن رأﻳﻬﻢ ﻓﻲ ﺧـﻠـﻖ أﺑـﻴـﻨـﺎ آدم -ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم-، ﺛﻢ ﺑﻴﻦ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻬﻢ ﺧﻄﺄ رأﻳﻬﻢ؛ ﺑﺄن

ّّ ﻋﻠﻢ أﺑﻴﻨﺎ آدم اﻷﺳﻤﺎء ﻛﻠﻬﺎ، ﺛﻢ ﺳﺄل اﻟـﻤـﻼﺋـﻜـﺔ ﻋــﻦ ﻫـــﺬه اﻷﺷـــﻴـــﺎء، ﻓـــﺮدوا اﻟﻌﻠﻢ إﻟﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻫﻨﺎ أﻣﺮ اﷲ آدم أن ﻳُﺨﺒﺮﻫﻢ ﺑﺄﺳﻤﺎء ﻫﺬه اﻟُﻤﺴﻤﻴﺎت ﻓﺄﺧﺒﺮﻫﻢ ﺑﻬﺎ وأﻋﻠﻤﻬﻢ اﷲ أﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻣـﺎ ﻳـﺒـﺪون وﻣــﺎ ﻳﻜﺘﻤﻮن. وﻣــﻦ ﺻﻮر ﺣــﺮﻳــﺔ اﻟــﺘــﻌــﺒــﻴــﺮ ﻓـــﻲ اﻟـــﻘـــﺮآن: اﻷﻣـــﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﻔﻞ اﻹﺳـﻼم ﻷﺑﻨﺎء اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ - ذﻛـﻮرا ﻛﺎﻧﻮا أو إﻧﺎﺛﺎ- اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮوف واﻟﻨﻬﻲ ﻋــﻦ اﻟــﻤــﻨــﻜــﺮ؛ وﻫــــﺬا ﻻ ﻳـﻘـﺘـﺼـﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻮر اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻌﺒﺎدات واﻟﻌﻘﺎﺋﺪ؛ ﺑﻞ ﻛﻞ ﻧﺸﺎط إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ، واﻟﻨﻘﺪ واﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ، وﺗﻘﻴﻴﻢ اﻷﻣﻮر اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.

ﻟﻘﺪ أﺳـﺲ اﻟﻨﺒﻲ - ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ - ﻟﻤﺒﺪأ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ، وإﺑـﺪاء اﻟــــــﺮأي واﻟـــــــﺮأي اﻵﺧـــــﺮ ﻓـــﻲ ﻣــﻮاﻃــﻦ ﻛــﺜــﻴــﺮة ﻣـــﻦ ﺳــﻨــﺘــﻪ اﻟــﻤــﻄــﻬــﺮة، وﻗــﺪ أﺟــﺎز اﻹﺳــﻼم ﺣﺮﻳﺔ اﻟــﺮأي ﻓﻲ ﻛﺎَّﻓﺔ اﻷﻣــﻮر اﻟـﺪﻧـﻴـﻮﻳـﺔ؛ ﻣﺜﻞ اﻷﻣــﻮر اﻟﻌﺎَّﻣﺔ

واﻻﺟــﺘــﻤــﺎﻋــَّﻴــﺔ. وأﻣـــﺎ اﻟـﺨـﻠـﻔـﺎء ﻓـﻜـﺎن ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب - رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ - ﻳﺘﺮك اﻟﻨﺎس ﻳﺒﺪون آراءﻫﻢ اﻟﺴﺪﻳﺪة، وﻻ ﻳــــﻘــــﻴــــﺪﻫــــﻢ وﻻ ﻳــﻤــﻨــﻌــﻬــﻢ ﻣــﻦ اﻹﻓﺼﺎح ﻋﻤﺎ ﺗﻜﻨﻪ ﺻـﺪورﻫـﻢ، وﻟﻘﺪ ﻇــﻠــﺖ ﺳــﻴــﺎﺳــﺎت اﻟــﺨــﻠــﻔــﺎء اﻟــﺮاﺷــﺪﻳــﻦ واﺟــﺘــﻬــﺎداﺗــﻬــﻢ وﺗــﺼــﺮﻓــﺎﺗــﻬــﻢ ﻣـﻮﺿـﻊ ﻧﻘﺪ وﻣــﺮاﺟــﻌــﺔ؛ ﺑــﺈﻗــﺮار ﻣــﻦ اﻟﺨﻠﻔﺎء أﻧﻔﺴﻬﻢ، وﺑﺮﺿﺎﻫﻢ وﺗﺸﺠﻴﻌﻬﻢ.

واﻟﻴﻮم أﺧﻄﺄ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ وإﺑﺪاء اﻟﺮأي؛ ﻓﺠﺮﻓﻬﻢ ﻫﺬا اﻟﺨﻄﺄ إﻟﻰ ﺷﻔﺎ ﺟﺮف ﻫﺎو؛ ﺣﻴﺚ إﻧــﻬــﻢ ﻳـــﺒـــﺪون آراءﻫــــــﻢ ﻓـــﻲ اﻟــﻘــﻮاﻋــﺪ واﻟـــﺜـــﻮاﺑـــﺖ اﻟــﺸــﺮﻋــﻴــﺔ، وﻳـﺨـﻀـﻌـﻮﻧـﻬـﺎ ﻟﻠﻌﻘﻞ واﻟــﺮأي؛ ﻫـﺆﻻء ﻳﺮﻳﺪون ﺗﺤﺖ ﺳﺘﺎر اﻟﺤﺮﻳﺔ أن ﻳﻌﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺮﻳﻒ اﻟـﺪﻳـﻦ ﻋـﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ، واﻹﺗــﻴــﺎن ﺑﺪﻳﻦ آﺧــــﺮ ﻏــﻴــﺮ اﻟـــﺪﻳـــﻦ اﻹﺳــــﻼﻣــــﻲ اﻟـــﺬي ﻋــﺮﻓــﻪ اﻟــﻤــﺴــﻠــﻤــﻮن ﺧـــﻼل ٤١ ﻗــﺮﻧــﺎ،

وﻗــــﺮأوه ﻓــﻲ اﻟـــﻘـــﺮآن، وﻋــﺮﻓــﻮه ﻓﻲ اﻟُﺴّﻨﺔ، وذاﻛــﺮوه ﻓﻲ دواوﻳــﻦ اﻷﻣـﺔ، وﻣــــﻦ ﺻــــﻮر اﻟـــﺤـــﺮﻳـــﺎت اﻟــﻤــﺰﻋــﻮﻣــﺔ واﻟــﻤــﺪﻋــﻮﻣــﺔ اﻟــﺘــﻲ ﻳـﺮﻓـﻀـﻬـﺎ اﻹﺳــﻼم وﻣـــﻦ اﻟــﺤــﺮﻳــﺎت اﻟــﻤــﺰﻋــﻮﻣــﺔ: اﻟـﺴـﺐ واﻟﺸﺘﻢ واﻟﺘﻌﺪي ﻋﻠﻰ اﻷﻋﺮاض اﻟﺘﻲ ﺻــﺎﻧــﻬــﺎ اﷲ ﺗــﻌــﺎﻟــﻰ ﻓــﺮأﻳــﻨــﺎ وﺳـﻤـﻌـﻨـﺎ اﻟﺴﺐ واﻟﺸﺘﻢ ﺑﺪﻋﻮى اﻟﺤﺮﻳﺔ، واﷲ ﺗــﻌــﺎﻟــﻰ ﻧــﻬــﺎﻧــﺎ ﻋـــﻦ أن ﻧـــﺨـــﻮض ﻓـﻲ أﻋــﺮاض اﻟﻐﻴﺮ وﺣـﺬرﻧـﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻮض ﻓــﻴــﻬــﺎ. اﻟــﺒــﻌــﺾ ﻳــﻌــﺘــﻘــﺪ أن اﻟــﺤــﺮﻳــﺔ ﻫــﻲ اﻟـﺘـﻔـﻠـﺖ ﻣــﻦ اﻟــﻘــﻴــﻮد واﻟــﻀــﻮاﺑــﻂ واﻷﺧﻼﻗﻴﺎت، وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺴﻴﺊ ﻟﻤﻌﻨﻰ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ وﺣﺮﻳﺔ اﻟﺮأي؛ أﻧﺖ ﺣﺮ ﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻀﺮ، وﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻬﻚ اﻷﺧﻼﻗﻴﺎت واﻟﻘﻴﻢ، واﻹﺳـﻼم ﻋﻠﻤﻨﺎ أن ﻧﻠﺘﺰم ﺑﺄﺧﻼﻗﻪ ﻓـﻲ اﻟـﺤـﻮار وﻓﻲ إﺑــــﺪاء اﻟــــﺮأي، وﻧــﻬــﺎﻧــﺎ ﻋــﻦ اﻟـﺴـﺨـﺮﻳـﺔ واﻟﻘﺪح ﻓﻲ اﻵﺧﺮﻳﻦ.