Al-Watan (Qatar)

التطرف والغلو إعراض عن منهج الدين

-

وأكد الخطيب أن الوسطية سمة بارزة لهذه الأمة في الزمان والمكان في الاعتقاد والتشريع في التكليف والعبادة في الأخلاق والسلوك والمعاملة، في كسب المال وإنفاقه في مطالب النفس وشهواتها، في الروح واحتياجها، جاء في الحديث المتفق عليه عن أنس رضي الله عنه قال: قدم ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني». وأضاف الخطيب: الغلو والتطرف آفة الأمم السابقة وسبب هلاك أقوام اتخذوه دينا، فقد صح في حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم عاقبة الغالين في الدين المتعمقين المتجاوزين الحدود في أقوالهم وأفعالهم المتطرفين في أخلاقهم ومعاملاتهم وسلوكهم فقال: «هلك المتنطعون.. قالها ثلاثا»، رواه مسلم. وذكر الداعية عبدالله النعمة أن التطرف والغلو إعراض عن منهج الإسلام في الوسطية والاعتدال والرحمة واليسر والرفق، التطرف ظلم للنفس وظلم للناس بل هو صد عن سبيل الله لما يورثه من تشويه وفتنة وتنفير هؤلاء الغلاة المتطرفين يتعصبون لأفكارهم

ويتمسكون بآرائهم ويوالون ويعادون بمعتقداتهم ويجعلونها مصدر الحق الذي لا يخالف يتبرؤون من مجتمعات المسلمين وربما يكفرون المسلم بالمعاصي، منهجهم سقيم وفكرهم عقيم، هم للجهل أقرب ومن العلم والعلماء أبعد، قال ابن المنير رحمة الله عليه: «رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع .» ولفت الخطيب إلى أن آفة التطرف والغلو امتد حبلها إلى مختلف ممارسات الحياة اليومية، فقد يكون التطرف في الفكر أو السلوك في المعتقد والأخلاق في المعاملات من القريب والبعيد مع الأسرة أو مع أفراد المجتمع وخارجه، وقد يكون التطرف في المجال السياسي حيث يكون رجل السياسة متسلطا لا يقبل الحوار والرأي الآخر، فالتطرف على أنواعه قد يشمل الفكر والسلوك في القول والعمل. وقال الشيخ عبدالله النعمة: عليكم بالشريعة الغراء التي جاءت بالتوسط والاعتدال والتيسير والرفق ناهية عن العلو والتطرف والتكلف والإفراط والتفريط، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي

صلي الله عليه وسلم قال: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحدا إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة». وأردف: عباد الله اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى واعلموا أن للتطرف أسبابا كثيرة، ولعل من أبرزها الجهل وقلة العلم وإصدار الأحكام دون الرجوع إلى القرآن والسنة وأهل العلم والاختصاص، ومن هذه الأسباب اتباع الهوى الذي يصد عن الحق ويعمي البصيرة، قال سبحانه: )أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون(. ومن هذه الأسباب الداعية إلى التطرف والغلو الاستعلاء والتكبر على الغير والتعصب للرأي حتى وإن كان الأمر يتعلق بالعبادة والطاعة بل وإن كان يتعلق بأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: ما هذا الحبل، قالوا: حبل لزينب فإذا فترت تعلقت به، فقال النبي

صلى الله عليه وسلم: «لا حلوه»، ثم قال: «ليصلّ أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد». هكذا جاء الإسلام يدفع التطرف والغلو والتشدد ودعا إلى الرفق والتوسط والاعتدال، فادفعوا عن أنفسكم التكلف وعليكم بالعلماء الربانيين لا المتعالمين أنصاف العلماء، وعليكم بأهل الهدى لا بأهل الهوى الذين لاحظ لهم من العلم، قال سبحانه: )ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا(، وعلى المسلم الرجوع إلى أقوال أهل العلم والعلماء وخاصة في مستجدات المسائل الفقهية ونوازل الأمور ومد جسور المودة والسؤال والرجوع لأهل الاختصاص والعلماء. ونوه الخطيب بأن التزام وصية الإسلام يتطلب علما وعملا وفقها في الدين وإخلاصا وتجردا لرب العالمين، ولأجل هذا يدعو المسلم في كل يوم سبعة عشرة مرة: )اهدنا الصراط المستقيم(، قال ابن القيم: «ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان إما إلى تفريط وإضاعة وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه، والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين».

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar