Al-Watan (Qatar)

من يزرع الظلم يحصد الثورة

- مصطفى البرغوثي كاتب فلسطيني

ما تعيشه فلسطين ليس مجرّد تكرار لأحداث سبق أن جرَت، وليس مجرّد انتشار لأنماط مقاومة من منطقة إلى أخرى، بل هي حالة تحوّل نوعي عميق في الوعي الشعبي، وفي أنماط التوازنات الاجتماعية، والتغير الحادّ في سلوك الأجيال. معظم سكان فلسطين اليوم لم يكونوا قد وُلدوا بعد، أو كانوا في سنّ الطفولة عندما عُقد اتفاق أوسلو وأُنشئت السلطة الفلسطينية. ومعظمهم لم يعودوا يعتمدون في عملهم على التوظيف في أجهزة السلطة الفلسطينية. وبعد مرحلة الانتفاضة الثانية، عادت أعداد العمال المضطرّين إلى العمل في إسرائيل أو مستوطناتها الاستعماري­ة إلى الارتفاع، حتى بلغت 220 ألف عامل، ونشأ قطاع خاص، استهلاكي في الأساس، ولكنه يشغّل عشرات الآلاف. وبالتوازي مع هذه العمليات، تواصل ارتفاع أعداد المستعمرين المستوطنين في الضفة الغربية حتى وصلت إلى 750 ألفاً، وتعمّق تقطيع أوصال الأراضي المحتلة، بالحواجز والجدران، والمستعمرا­ت وطرق الفصل العنصري. وما يصطدم به الشباب الفلسطيني في حياتهم اليومية، يمكن تلخيصه لأغراض التحليل، في أربعة أمور: أولاً، قمع وإهانات متكرّرة، وحواجز لا ترحم، ومعابر يقضي على مداخلها الفلسطينيو­ن ساعات طويلة من المعاناة، وحصار يحوّل مناطق بكاملها إلى سجون كبيرة، كما هو الحال في قطاع غزة. ثانياً، انسداد آفاق المستقبل بالنسبة إلى الغالبية الساحقة من جيل الشباب، بما في ذلك فرص التعليم المنتج، وبشكل أكبر فرص العمل بعد التخرّج، وقلة فرص التطور الشخصي والمهني، في ظل ارتفاع حاد لتكاليف الحياة. ثالثاً، الانغلاق التام لآفاق الحل السياسي لمعضلة الاحتلال المستمر منذ ستة عقود، ونظام الأبارتهاي­د والاضطهاد العنصري الذي صار يتغلغل في كل مناحي الحياة. رابعاً، البطش الإسرائيلي اليومي بحياة الفلسطينيي­ن، سواء على أيدي جنود الاحتلال، أو من المستوطنين المستعمرين. بحيث صار شبح الموت من دون سبب، يهيمن على حياة الشباب الفلسطينيي­ن، ويدفع بهم إلى المخاطرة بحياةٍ لا يضمنون سلامتها، حتى لو اتبعوا كل وسائل الحيطة والحذر. وإذا كان الاحتلال قد كرّس منظومات اضطهاد محدّدة للفلسطينيي­ن، حاول الاحتلال تخفيف آثار بعضها عبر اتفاق أوسلو، ومن خلال السماح بنشوء السلطة الفلسطينية، فإن منظومة الأبارتهاي­د العنصرية التي تطوّرت في رحم الاحتلال، وفي بيئة الفلسفة العنصرية الصهيونية المهيمنة، لا تترك للفلسطيني أي مجالٍ للحياة، أو العمل، أو التعبد والعيش من دون مواجهة الشعور العميق بالتمييز العنصري، والمسّ المهين بالكرامة. وخصوصية الاحتلال والاضطهاد العنصري الإسرائيلي تكمن في أنه، بالاختلاف عن منظومات استعمارية أخرى، لا يتوقف عن التمدّد والتوسع، وعن التهام أرض، ومياه، ومصادر رزق الفلسطينيي­ن من خلال التوسّع الاستيطاني الكولونيال­ي. أي إن منظومة الاضطهاد والتمييز تتعاظم منهجياً، ولا تتوقف عن تعميق الشعور بالظلم والاضطهاد الذي يعاني منه الفلسطينيو­ن. وتزيد القيود والضغوط التي تفرضها إسرائيل على السلطة الفلسطينية،

وخصوصاً من خلال إجبارها على ممارسة التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي يضطهد شعبها، الطين بلة وتعمّق شعوراً داخلياً لدى الشباب بالرغبة في التمرّد، ليس فقط على الاحتلال، بل على السلطة الفلسطينية نفسها، العاجزة عن حمايته من بطش الاحتلال وظلمه، أو من منظومة الفساد الناجمة عن أنماط الواسطة والمحسوبية والتمييز في الفرص والامتيازا­ت. وتتراكم كل هذه الأمور على أرضية الفشل المطلق للمراهنات على عملية سلام وتسوية مع إسرائيل والاحتلال الكولونيال­ي الذي تمارسه، بما في ذلك الفشل الكامل لإتفاق أوسلو ونهجه. لا يستطيع الفلسطينيو­ن، ولن يستطيعوا، احتمال الظلم المتصاعد الذي يتعرّضون له، ولا يوجد أي بصيص أمل أمامهم بأن العالم الذي يتشدّق بالخطابات عن الحرية والديمقراط­ية والقانون الدولي، سينتبه إلى معاناتهم، أو يغادر مستنقع المعايير المزدوجة، عندما يتعلق الأمر بفلسطين، أو يتوقف عن منح الحصانة لإسرائيل من المحاسبة على الجرائم التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني. ولذلك، يثورون، ويشعلون انتفاضة شعبية جديدة، من دون أن ينتظروا توجيهاً تنظيمياً من أحد، أو يعبأوا برأي قوى همّشت نفسها بالابتعاد عن ساحات النضال، أو تورّطت عناصرها في ممارساتٍ سلطويةٍ ضد أبناء شعبها الذين يعيشون معهم تحت الاحتلال نفسه. لن يقدّم استخدام قوة القمع العسكرية أي حل لمشكلة مضمونها سياسي عميق، وهي في هذه الحالة الاحتلال والتطهير العرقي ونظام الأبارتهاي­د والتمييز العنصري.. ومهما زادت إسرائيل عدد القوات التي تزجّها لقمع الفلسطينيي­ن، وخصوصاً في ضواحي القدس الثائرة، ومهما تفنّنت في استخدام أساليب التجسس وتكنولوجيا­ته، ومهما زادت من حجم الاعتقالات التي تنفذها، فانها لن تزيد الأمور إلا تفاقماً، ولن تزيد الشباب إلا إصراراً على الانخراط في أوجه التمرّد والنضال الشعبي. ولو كان لدى قادة الاحتلال القدرة الموضوعية على الفهم، لتعمّقوا على الأقل في دراسة تجربة بلد كالجزائر، حكمه الاستعمار 132 عاماً، وقتل من أبنائه مليوناً ونصف مليون شهيد، ثم اضطرّ، تحت ضغط مقاومته، إلى أن يهرب جارّاً معه مستوطنيه.. مَن يزرع الظلم يحصد الثورة، ذلك هو القانون الأزلي. } العربي الجديد

تونس- الأناضول ــ شهدت العاصمة تونس، مساء السبت، مواجهات عنيفة لليلة الثانية على التوالي بين قوات الأمن ومئات المحتجين على وفاة شاب. وحمّل المحتجون قوات الأمن المسؤولية عن وفاة الشاب، بينما لم يتسن الحصول على تعقيب من وزارة الداخلية. ووفق مراسلة الأناضول، شهد حيا التضامن والانطلاقة في العاصمة تونس مواجهات عنيفة وعمليات كر وفر بين مئات المحتجين ورجال الأمن وسط تواجد أمني مكثف. واستخدمت قوات الأمن الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، الذين ردوا برشق الحجارة وعبوات زجاجية وزجاجات حارقة وألعاب ناري. وتزامنت الاحتجاجات مع تشييع جثمان شاب توفي متأثّرا بإصابته على مستوى الرقبة والظهر، بعد نقله لمستشفى بالعاصمة قبل نحو ثلاثة أسابيع.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar