Al-Watan (Qatar)

فوضى التصوير

- منى بابتي

خالل األسبوع الماضي، قمت باصطحاب أوالدي إلى السينما لحضور فيلم، وبينما كنا نحجز التذاكر ونشتري البوب كورن، كنت أقف بمحاذاة أوالدي أراقب كل ما يدور حولي، وجدت خالل أقل من دقائق أننا نعيش في عالم يعاني من ظاهرة «فوضى التصوير». ففي أقل من نصف ساعة، أعتقد أنني كنت محاطة بأكثر من 100 شاب وصبية، يحملون جواالتهم ويلتقطون الصور - التي تجاوزت المئات - بشكل عبثي وعشوائي، يصورون أي شيء وكل شيء دون هدف ودون مراعاة للخصوصية، حتى دون قلق من التقاط وجوه النساء، أو األطفال، يصورون التذاكر، البوب الكورن، الباعة، اإلعالنات، الجدران، حتى بلغ بهم األمر أن يصوروا أتفه األمور التي ال عالقة لها بفن، أو خبر، أو ذوق... فلقد بلغ األمر بأحد الشباب أن سمح لنفسه بالتقاط صورة لسلة النفايات الممتلئة باألكياس... فاكتفيت بالدهشة فقط واالهتمام بأموري الخاصة. ظننت أنني فور دخولي إلى قاعة السينما، سوف أتمكن من الهروب من حالة الفوضى التي عشتها في الخارج، حيث إن فوضى التصوير ساهمت في اشتداد الزحمة خالل حجز التذاكر وشراء الماء واالحتياجا­ت األخرى، فالعملية تحولت من حجز تذاكر إلى عملية تصوير متسلسلة لما يقوم به كل شخص، هناك رميت نفسي على الكرسي، وكانت الصدمة، لم يتوقف التصوير حتى في القاعة، فالجميع يصور الشاشة، ليضعها على إحدى وسائل التواصل، وآخرون يصورون الكراسي، أو القاعة ليعلموا المتابعين لهم، وأسوأ الصور، كنات تصوير األحذية المرتفعة في وجه الشاشة ...و هنا ابتسمت وقلت «هذا حقهم».. خرجت من السينما مرهقة من أضواء الجواالت التي لم تنطفئ لحظة، ثم توجهت إلى أحد المطاعم القريبة لتناول الطعام مع أوالدي، جلست على الطاوالت، وبينما كنت بانتظار الطعام، -حدث وال حرج - عن كمية الصور التي كان يتم التقاطها في المطعم، عندها آمنت حقا، أننا نعيش في عالم يحيا مأساة واقعية وهي فوضى التصوير، وانعدام الفرص للتمتع بالطعام، أو بالجمال، أو التحدث... فأصبحت موالتنا وحياتنا وطرقاتنا ومجتمعاتنا الوظيفية عبارة عن مجموعة من المصورين المنتشرين في كل مكان ال يدركون معنى عبارة «توقف، ال يحق لك اختراق مساحتي». وعندما عدت إلى بيتي، أمعنت التفكير في كل ما يجري وما شاهدته، وأدركت أن للتصوير متعته الخاصة، وليس من حقنا أن نمنع شباننا من التصوير، أو أن نقيد حرية األشخاص في تسجيل أجمل لحظاتهم، باعتماد الوسائل التكنولوجي­ة المتقدمة، ولكن فلنكن متقدمين؛ ليليق بنا حمل الوسائل المتقدمة لتسجيل لحظات حياتنا الجميلة. سادتي المصورين الجدد في مساحات حياتنا، إن التقاط أكثر من مائة صورة ألحد األشخاص في لبنان منذ أيام وهو يهوي ساقطا عن إحدى الصخور، دفعني اليوم ألقول لكم لو تركتم الكاميرات جانبا، ومددتم ذراعكم لمساعدته، كنتم نقلتم لنا خبر إنقاذه بالحروف، وليس خبر موته بالصور، فاحذروا فوضى التصوير .

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar