Al-Watan (Qatar)

شهر على اشتباكات السودان

-

الخرطوم- األناضول- في 15 أبريل/ نيسان الماضي، بدأت االشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، طالت العاصمة الخرطوم وعدة مدن شمالي البالد وغربيه. واندلعت االشتباكات بعد تبادل الطرفين االتهامات ببدء أحدهما مهاجمة مقار تابعة للطرف اآلخر، ووصف الجيش السوداني قوات الدعم السريع بـ«المتمردة». ومع مواصلة الطرفين القتال بأمل االنتصار في معركة الحسم على مراكز السلطة في البالد، تتضاعف حصيلة االشتباكات في شتى المجاالت. ومن بين ذلك أعداد القتلى والمصابين، مرورا بالخسائر المادية التي طالت المواقع الحيوية في العاصمة، وإلى أعداد الفارين من القتال بالنزوح داخليا أو خارج البالد. األناضول رصدت أبرز حصيلة للشهر األول من االشتباكات المستمرة في السودان.

خريطة السيطرة

انحصرت المعارك بين الجيش و«الدعم السريع» في األسبوع األول في مدن الخرطوم (وسط) ومروي (شمال) والجنينة (غرب)، ثم تركزت بعدها في مدن العاصمة الثالث: الخرطوم، وبحري، وأم درمان، وأحيانا في مدينتي نياال والجنينة (غرب). وخالل الشهر األول، سعى كال الطرفين إلحكام السيطرة على المواقع االستراتيج­ية والحيوية في البالد مثل المطارات والجسور ومقرات الجيش والقصر الرئاسي للوصول إلى حسم سريع للمعارك، لكن ذلك ما لم يتحقق على أرض الواقع، فانتهى الحال بتقاسم المواقع الحيوية بين الجانبين. في الخرطوم، ما زالت «الدعم السريع» تنتشر بمواقع كثيرة عبر مجاميع عرباتها العسكرية وجنودها المدججين بأسلحة خفيفة وثقيلة، منها مضادات للطيران.

أهم المواقع

وأهم المواقع التي تنتشر فيها «الدعم السريع» الجهات المحيطة بالقصر الرئاسي والقيادة العامة للجيش ومطار الخرطوم الدولي، ومصفاة الجيلي للبترول ومحطة المياه الرئيسية بمدينة بحري (شمال شرق) ومبنى اإلذاعة والتلفزيون الرسمي بأم درمان (شمال غرب). واستطاع أفراد «الدعم السريع» احتالل عدة مبان حكومية وسط الخرطوم، كما انتشر قناصة منهم على أسطح المقرات العامة ومنازل المواطنين بعد طردهم منها، وفق شهود عيان لألناضول في مناطق شمالي وجنوبي العاصمة. وبات منسوبو «الدعم السريع» ينصبون «نقاط ارتكاز» (نقاط تفتيش) بعدد من شوارع الخرطوم، يقومون فيها بتفتيش السيارات والمارة.

الجسور

ولمحاولة السيطرة على الجسور الحيوية العشرة في العاصمة تفرض «الدعم السريع» قوتها على 4 جسور منها على نهر النيل األزرق،

وواحد على نهر النيل. فيما يسيطر الجيش على 6 جسور؛ 3 منها على نهر النيل األزرق، و2 على نهر النيل األبيض، وواحد على نهر النيل.

دارفور

وغربي البالد، ظل الجيش السوداني يسيطر على معظم واليات دارفور الخمس، بينما تنتشر قوات الدعم السريع في عدة مواقع بمدينة نياال عاصمة جنوب دارفور المتاخمة لحدود دولة جنوب السودان. ورغم سيطرة الجيش على واليات شرق ووسط وغرب دارفور، فإن اآلثار السلبية لالشتباكات المتقطعة لم تسلم منها هذه الواليات.

نياال

وفي نياال التي تعد ثاني أكبر المدن كثافة سكانية في السودان، يسيطر الجيش على الجزء الغربي من المدينة الذي يضم مرافق الحكومة والقيادة العسكرية، بينما تسيطر «الدعم السريع» على جزئها الشرقي الذي يقع فيه المطار ومقرات الشرطة وجهاز المخابرات.

القتلى والجرحى

في 9 مايو/ أيار الحالي، كشفت منظمة الصحة العالمية، عن مقتل 604 أشخاص على األقل منذ بداية االشتباكات المسلحة في السودان منتصف أبريل الماضي. وقال متحدث المنظمة األممية طارق ياساريفيتش في مؤتمر صحفي، إن 604« أشخاص لقوا حتفهم، وأصيب 5127 شخصا آخر منذ بدء االشتباكات في السودان». وفي 2 مايو الجاري، ذكرت وزارة الصحة السودانية أن حصيلة االشتباكات منذ اندالعها حتى مطلع مايو الحالي بلغت 550 حالة وفاة 4926و حالة إصابة بواليات السودان المختلفة. بينما قالت نقابة أطباء السودان في آخر تقرير نشرته في 12 مايو الجاري، إن «المجموع الكلي للقتلى بلغ ،530 فيما وصل المجموع الكلي لإلصابات .»2948

وهذه اإلحصائيات تشمل فقط الضحايا المدنيين، بينما لم يصدر حصر رسمي للقتلى العسكريين من الطرفين. غير أن عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا قال في 24

أبريل الماضي، إن خسائر «الدعم السريع» بلغت «آالف القتلى وقرابة 10 آالف من الجرحى، لكن لم يتم الحصر الدقيق حتى اآلن». وبين الضحايا المدنيين قتلى أجانب، منهم 15 سوريا وفق القائم باألعمال في سفارة النظام السوري لدى الخرطوم بشر الشعار، وأمريكيان اثنان وفق المتحدث باسم مجلس األمن القومي األميركي جون كيربي، ودبلوماسي مصري وفق بيان للخارجية المصرية.

الخسائر االقتصادية

رغم مرور شهر على االشتباكات، لم تعلن الحكومة السودانية عن أي حصيلة أولية للخسائر المادية جراء الدمار الكبير الذي طال العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، غير أن تقديرات غير رسمية تشير إلى مليارات الدوالرات، في أزمة جديدة تضاف ألزمات اقتصاد يعاني من معدالت قياسية في التضخم وسعر الصرف ونسب الفقر. أدى االنفالت األمني إلى تدمير ونهب العشرات من األسواق ومصانع األغذية واألدوية في العاصمة الخرطوم وخروج المئات منها عن الخدمة مما يفاقم مشاكل اإلمداد الغذائي في البالد، بجانب فقدان آالف األسر لمصادر رزقها التي كانت تأتي من العمل في تلك المنشآت. كما لحقت بالقطاع المصرفي أضرار كبيرة تمثلت في إحراق عدة مصارف بينها حريق جزئي ببنك السودان المركزي، وتعطل الخدمات ألسابيع عدة، بجانب أعمال النهب الواسعة التي طالت عدة فروع.

ويتوقع أن تكلف عمليات إعادة اإلعمار مليارات الدوالرات، نظرا للضرر الكبير الذي أصاب أغلب المنشآت الحيوية، من مطارات ومستشفيات ومقرات وزارية وعسكرية، وشبكات مياه وكهرباء ونفط وغيرها. وخالل شهر من االشتباكات، توقفت بالكامل العديد من مصادر التجارة الخارجية للبالد مثل عائدات الخدمات الجوية والتجارية التي كان يقدمها مطار الخرطوم الدولي الذي خرج من الخدمة منذ اليوم األول من القتال. هذا إلى جانب توقف حركة الصادرات والواردات مما يؤثر على مخزون سالسل اإلمداد ويفقد البالد موارد مهمة من عائدات الذهب والصمغ العربي والحبوب والماشية. ووفق وكالة «موديز» للتصنيف االئتماني في تقرير لها بعد أحداث السودان، فإن تحول الصراع إلى حرب أهلية طويلة األمد في البالد «سيؤدي لتدمير البنية التحتية االجتماعية والمادية وسيكون له عواقب اقتصادية دائمة». وأوضحت الوكالة، أن ذلك «يؤثر على جودة أصول البنوك اإلقليمية التي تمول السودان، إلى جانب ارتفاع نسبة القروض المتعثرة، وتأثر معدالت السيولة في بنوك البالد».

الرعايا األجانب

قامت أكثر من 50 دولة بإجالء رعاياها من السودان، إما برا عبر مصر وإثيوبيا، أو بحرا عبر ميناء بورتسودان، أو جوا مستفيدة من هدنات متقطعة ألغراض إنسانية. وأعلنت السعودية أنها قامت بأضخم عملية نقل لرعايا أجانب من أحد البلدان في تاريخها، بتسهيل مرور مواطني أكثر من 50 دولة، يمثلون دوال في الشرق األوسط، وإفريقيا، وأوروبا وآسيا، وأميركا الشمالية والوسطى. ووفق وكالة األنباء السعودية الرسمية «وصل إجمالي من تم إجالؤهم من السودان منذ بدء عمليات اإلجالء نحو 4879 شخصا 139( مواطنا سعوديا، ونحو 4738 شخصا ينتمون لـ 96 جنسية)». بينما قالت اإلمارات، إنها ساهمت في نقل رعايا نحو 19 دولة من السودان، قالت إنها استقبلتهم على أراضيها قبل نقلهم إلى بلدانهم.

الجئون ونازحون

منذ منتصف أبريل الماضي، رصدت األمم المتحدة «نزوح أكثر من 700 ألف شخص داخليا في السودان، على خلفية االشتباكات»، وفق متحدث المنظمة األممية طارق ياساريفيتش. وكان آخر عدد للنازحين داخليا في السودان والمعلن من قبل األمم المتحدة هو 340 ألف شخص، علما بأنه حتى قبل وقوع االشتباكات، كان هناك 3.7 ماليين نازح داخليا في السودان. وفي 12 مايو الحالي، أعلنت مفوضية األمم المتحدة السامية لشؤون الالجئين «فرار حوالي 200 ألف الجئ من السودان منذ بداية االشتباكات، إلى جانب نزوح مئات اآلالف داخليا». وسبق للمفوضية األممية، أن أعلنت في 8 مايو الحالي، «ارتفاع عدد الفارين من السودان إلى تشاد إلى أكثر من 26 ألف الجئ. وأشارت المفوضية، إلى أن «إجمالي الفارين من السودان إلى الدول المجاورة، بينها مصر وتشاد وإثيوبيا، وصل أكثر من 107 آالف الجئ». وفي ذات التاريخ، ذكر بيان لوزارة الخارجية المصرية، أن «مصر فتحت ذراعيها الستقبال الفارين من جحيم المواجهات العسكرية من األشقاء السودانيين بأعداد تزيد عن 60 ألف شخص».

مبادرات التهدئة

سارعت عدة دول، على رأسها تركيا إلعالن استعدادها استضافة محادثات بين الطرفين المتقاتلين في السودان، بجانب مقترحات

وساطات من منظمات إقليمية. وفي 8 مايو الحالي، أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان في اتصال هاتفي، أنه «في حال التوصل لقرار بدء مفاوضات شاملة في السودان فإن بالده على استعداد الستضافتها». وسعت منظمة «إيغاد» اإلفريقية إلى التوسط بين الطرفين المتنازعين بهدف تمديد هدنة لمدة أسبوع وإجراء محادثات سالم بين الجانبين في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، إال أن المبادرة لم يكتب لها النجاح. وفي 6 مايو الجاري، انطلقت بمدينة جدة السعودية مباحثات بين ممثلي الجيش السوداني و«الدعم السريع» بهدف التوصل التفاق وقف إطالق نار بينهما لقرابة 10 أيام بمراقبة أميركية سعودية دولية، ثم مشاورات أخرى لوقف دائم. وبعد 5 أيام توصلت المباحثات في السعودية إلى التوقيع على «اتفاق جدة» المشتمل على التزامات إنسانية واتفاق على جدولة محادثات مباشرة جديدة، والقى اإلعالن ترحيبا عربيا واسعا، لفتحه باب أمل لحل األزمة المندلعة منذ منتصف أبريل الماضي.

مساعدات دولية

خلفت االشتباكات المستمرة أوضاعا إنسانية وصحية متردية، ما دفع العديد من الدول والمنظمات إلى تقديم يد المساعدة، مع تحذير برنامج األغذية العالمي من أن 40 بالمائة من سكان السودان سيعانون من انعدام األمن الغذائي الحاد حال استمرار العنف في البالد. وفي سياق المساعدات اإلنسانية أعلنت السعودية، تقديم مساعدات إلى السودان بقيمة 100 مليون دوالر، وتنظيم حملة شعبية عبر منصة رسمية لجمع التبرعات لصالح متضرري االشتباكات. كما أعلنت قطر تسيير جسر جوي من 6 طائرات محملة بعشرات األطنان من المساعدات اإلنسانية للسودان تشمل «مساعدات تنموية وغذائية وطبية ومستشفى ميدانيا، مقدمة من صندوق قطر للتنمية، وجمعية قطر الخيرية، والهالل األحمر القطري». من جانبها، أعلنت اإلمارات تسيير جسر جوي من 6 طائرات محملة بمئات األطنان من المساعدات الغذائية والطبية، كما تعهدت بتقديم 50 مليون دوالر كمساعدات إنسانية طارئة للسودان، وفق وكالة األنباء اإلماراتية الرسمية. وبدورها، أعلنت الكويت تسيير جسر جوي من 6 طائرات تحمل عشرات األطنان من المواد الطبية واإلغاثية، كما أعلنت جمعية الهالل األحمر الكويتي أنها «قامت بتوزيع مواد غذائية وطبية على األسر في العاصمة السودانية الخرطوم والتي تأثرت باألوضاع الراهنة هناك». كما أعلنت بريطانيا تقديمها مساعدات إنسانية بقيمة 5 ماليين جنيه إسترليني لتلبية االحتياجات العاجلة للفارين من العنف في السودان، على أن تقدم للواصلين من السودان إلى جنوب السودان وتشاد.

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar