Al-Watan (Qatar)

«النفس األمارة بالسوء» تفقد المرء دينه وخلقه

الــــنـــ­ـفــــوس ثــــاثـــ­ـة أنــــــــ­ــواع األولـــــ­ـــــى شـــــريــ­ـــرة والــــثــ­ــانــــيـ­ـــة خــــيــــ­رة والــــثــ­ــالــــثـ­ـــة الــــلـــ­ـوامــــة

- $

الرسول قدم الوصية بالنفس ورعايتها وحذر من الغفلة عنها

حاسبوا أنفسكم وزنوا أعمالكم وتهيأوا للعرض األكبر

الــــنـــ­ـفــــوس أصـــبـــح­ـــت جـــشـــعـ­ــة مــــتــــ­مــــردة فــتــبــط­ــش بــــقــــ­وة وتـــــأكـ­ــــل الـــــحــ­ـــرام بـــشـــرا­هـــة

أوضح فضيلة الداعية د. محمد حسن المريخي خالل خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع اإلمام محمد بن عبدالوهاب أن دنيا الناس اليوم، دنيا صعبة عسيرة، غريبة عجيبة، وفي نفس الوقت خطيرة، فقد ُتفقد المرء حياته ودينه وخلقه، بل وحتى تفسد عليه آخرته «يا أيها الناس إن وعد الله حق فال تغرنكم الحياة الدنيا وال يغرنكم بالله الغرور»، دنيا تسلطت فيها النفوس على أكثر الناس، واستولت على شؤونهم وأحوالهم، بل وأخذت بزمامهم ورقابهم،

فهي التي ترسم لهم منهج حياتهم، وصراط مستقبلهم ودينهم وأخالقهم وتصرفاتهم وسلوكياتهم، وهذا الحال المتردي عباد الله قوبل باستسالم عجيب منقطع النظير، وترحيب كبير، وغفلة عريضة عن الدين الحنيف، وإرخاء وإهمال للنفوس وأزمتها، نفوس تعربد وتخرب، وتهدم وتتخلى عن المستقيمات، استولت على الرقاب، فأخذتها ذات اليمين، وذات الشمال حتى أسقتها من الحنظل حسيا ومعنويا وأقنعتها بالشرب من كؤوس الحرام، والمحظور والخبيث، ثم قذفتها في أودية الردى والهالك، والخسران، نفوس عمياء مريضة تحب السوء والفحشاء، وتلتهمه.. وتبغض الخير والطيب وتمجه وتنبذه، ال ترى الحق، وال تقبل الطيب، وال تحب المستقيم، لكنها تتبنى الباطل، وتأنس للخبيث، وترافق االعوجاج، هذه هي حقيقة النفوس األمارة بالسوء إذا لم تعالج، وتداوى بدين الله تعالى الحنيف بمتابعة منهج سيد األولين واآلخرين عليه الصالة والسالم. وأضاف الخطيب: تطلق النفس على ذات اإلنسان وروحه، والنفوس ثالثة: نفس شريرة وهي األمارة بالسوء، ونفس خيرة وهي المطمئنة، تأمر بالخير ويمدح صاحبها، ويثنى عليه، ونفس لوامة، وهي التي تترنح بين الخير والشر، تغالب شهواتها تارة، وتسقط في حمأة المعصية تارة أخرى، فصاحبها يستحضر المالمة والحسرة، والخشية عقب اقتراف أي ذنب، فيتوب ويؤوب، قال الله تعالى «وال أقسم بالنفس اللوامة»، وهذه نفس طيبة ألنها رجاعة للحق وال يوجد فيها إصرار أو تحد، وكل أنواع هذه النفوس كلها مذكورة في القرآن، فالنفس الشريرة التي تأمر بالسوء مذكورة في سورة يوسف عليه السالم «وما أبرئ نفسي إن النفس ألمارة بالسوء»، وأما النفس المطمئنة الخيرة التي تأمر بالخير فهي في سورة الفجر «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي»، ونحن عباد الله بصدد النفس الشريرة التي استولت واستحوذت على أكثر ناس هذا الزمان. وقال د. محمد المريخي: لقد قدم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه وسنة نبيه الوصية بالنفس، قدم الوصية بالنفس، ورعايتها، وحذر من الغفلة عنها، واالنتباه، واليقظة لها ولخطورتها، وسوء عاقبتها، فقال الله تعالى «إن النفس ألمارة بالسوء»، فهي أمارة، وليست آمرة، لكثرة أمر صاحبها بالسوء الذي ال تشبع منه من الفواحش وسائر الذنوب، وهي مركب الشيطان، وقال تعالى «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها»، قد أفلح من طهر نفسه وأصلحها، ووقف عليها بصوت الطاعة، وقد خاب وخسر، وضل من أهملها، وأرخى لها الحبل فأغوته وأعمته عن الحق، واكتساب الحسنات، واالستعداد ليوم الدين، قال الله تعالى «فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى»، ومن االهتمام الكبير بالنفس عباد الله، والخوف منها، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء ربه عز وجل، يطلب استقامة نفسه وهدايتها، وتزكيتها ويستعيذ ويلوذ به سبحانه وتعالى ليحميه من شر النفوس وطغيانها، يقول صلى الله عليه وسلم «اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها وموالها»، «اللهم إني أعوذ بك من علم ال ينفع ومن قلب ال يخشع ومن نفس ال تشبع ومن دعوة ال يستجاب لها» وكان يقول أيضا «اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي»، ويقول «اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه». وأردف: أمر الله تعالى بحفظ النفوس، واتخاذ أسباب حفظها وأوصى سبحانه وتعالى برعايتها وحفظها من الهالك واالنتحار، أو بأي سبب يؤدي إلى التهلكة، فقال سبحانه «وال تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما»، وقال تبارك وتعالى «وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها

أبدا» رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم «ال ضرر وال ضرار» رواه أحمد وصححه األلباني، ومن كبير رعاية الدين الحنيف للنفوس أنه اعتبر من تسبب في إنقاذ نفس من الهالك أو تسبب في فساد النفوس بأي طريقة حسية أو معنوية، فكأنما أهلك الناس جميعا، ومن أحيا النفوس، بأي حياة حسية أو معنوية ترضي الله تعالى، فكأنما أحيا الناس جميعا، يقول الله تعالى «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في األرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، يعني من أنجاها وتسبب في نجاتها من هالك حسي أو معنوي، فله أجر كبير كأجر من تسبب في نجاة الناس جميعا، فكيف إذن سيكون جزاء من أحيا نفوسا حياة إيمانية مرتبطة بالتوحيد بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟. وقال د. محمد المريخي: إن النفوس اليوم جشعة متمردة، تبطش بقوة، وتأكل الحرام بشراهة، وتعتدي وتسرق وتنهب، وكأنها فكت من قيدها، كثير من النفوس، اليوم عباد الله تقود أصحابها، وتتولى أمرهم، فأوردتهم الموارد والمهالك، والخزي وألقت بهم في أودية الرذيلة، والفسوق والحسرة، حتى عادت بعض النفوس من شدة فلتانها، عادت كأنها إله يعبد من دون الله تعالى، واتخذت ما تمليه على أصحابها دينا، وشريعة تسير عليه، وتتصرف بناء عليه، حتى ألقت بهم في الحرج مع الله عز وجل، ماتوا وهم عبيد ألنفسهم، قال الله تعالى «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفال تذكرون». قال المفسرون هذا الذي ال يهوى شيئا إال ركبه وفعله، ألنه ال يؤمن بالله، وال يحرم ما حرم الله، وال يحل ما أحل الله، إنما دينه ما هوته نفسه يعمل به، «لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم». وإن البلوى كلها هي نسيان النفس، والغفلة عنها وإهمالها وإرخاء حبلها وقاربها، فتغدو في سخط الله وتروح في غضبه وتبيت في غير رضاه، وإن نسيان الله تعالى أو نسيان دينه كارثة سيدفع العبد ثمنها غدا يوم تبلى السرائر، إن نسيان الله تعالى والرضا بالدنيا ومتاعها والتفرغ لها ذنب كبير وحمل ووزره ثقيل عاقب الله عليه أقواما اقترفوه وسكنوا فيه فعاقبهم وحذر منهم سبحانه فقال «وال تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون» نسوا الذي من أجله خلقوا، حتى خرجوا من الدنيا، فعاقبهم بأن أنساهم أنفسهم بأن يقيموها في طاعته، فخرجوا من الدنيا خاسرين، وتوعدهم وغيرهم بالتضييق عليهم في الدنيا قبل اآلخرة، «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى»، ال يرى الحجج وال البراهين. وذكر الخطيب أن النفوس السيئة الظالمة سوف تتخلى عن أصحابها في يوم عظيم ال تنفع فيه الحسرة وال الندامة، قال الله تعالى عن الشيطان «وقال الشيطان لما قضي األمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إال أن دعوتكم فاستجبتم لي فال تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم». ولفت الخطيب أن النفوس ال تحفظ وال تصان وال تــعــالــ­ج إال بـديـن الله تعالى

بتشريعات الدين، وال تشتط النفوس عباد الـلـه، وال تستأسد إال عند ضعف سلطان الـديـن عليها، وعند االبـتـعـا­د عنه، والتمرد عليه، وإال فسلطان ديـن الله تعالى حصن حصين، وسياج منيع، وسور عظيم ال يمكن اقتحامه وال تـسـوره، وال القفز عليه، يقول رســول الله صلى الله عليه وسلم «ال يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وال يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن وال يسرق حين يسرق وهو مؤمن وال ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حتى حين ينتهبها وهو مؤمن»، وقال صلى الله عليه وسلم «ال يزني منكم زان إال نزع الله منه نور اإليمان، فإن شاء أن يرده عليه رده وإن شاء أن يمنعه منعه»، وقال «ال يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ينزع عنه اإليمان كما يخلع أحدكم قميصه، فإن تاب تاب الله عز وجل عليه». ونوه الخطيب بأنه لما كانت الوسوسة عباد الله وحديث النفس شيئا يهجم على القلب بغير اختيار اإلنسان، تفضل الله تعالى على األمة فعفا عنها، فال يؤاخذ عليها، ال يؤاخذ عبده على الوسواس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تجاوز ألمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم» رواه البخاري ومسلم، فاتقوا الله عباد الله واحفظوا أنفسكم مما يسخط الله ويغضبه من المعاصي والذنوب واألغاني التي هدمت أخالق الناس وأفسدت عليهم دينهم وأخالقهم وصدتهم عن ذكر الله وعن الصالة، احفظوا النفوس عباد الله بالصالة، ومتابعة ما أمر الله والرسول، احفظوا النفوس عباد الله من الجرأة عليه، وعلى دينه، وعلى رسوله، وكتابه وسنة رسوله، احفظوا النفوس من التقول على الله، واالستهزاء والسخرية بأحكامه وتشريعاته، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله ما ال تعلمون، عالجوا النفوس عباد الله بالوحي المنزل بالكتاب والسنة، احفظوا النفوس من الفكر الشاذ، والثقافات المغشوشة، يحفظوها من إرخاء حبلها، ومن ظلم الناس واحتقارهم، وهضم حقوقهم، والتسلط عليهم وقهرهم، ومن أكل أموال الناس بالباطل بالغش والتزوير، والكذب، والحجج الباطلة، والدلو عند القضاء ومن الطمع والجشع، ومن االستكبار واالستعالء والغرور، وقهر الفقراء والمساكين واليتامى، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم، يقول عمر رضي الله عنه «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم وتهيأوا للعرض األكبر... يومئذ تعرضون ال تخفى منكم خافية».

 ?? ??
 ?? ??
 ?? ?? } د. محمد حسن المريخي
} د. محمد حسن المريخي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar