سباق الفئران

ورد مصطلح «سباق الفئران» على لسان الكاتب روبرت كيوساكي في كتاب األب الغني واألب الفقير، والذي يصف من خالله حال الموظفين الذين يعتمدون في دخلهم على الراتب الذي يحصلون عليه من الوظيفة فقط. ويشتمل روتين تلك الفئة الكبيرة من الناس على االستيقاظ المبكر من النوم، والمسارعة إلى العمل المحدد بساعات معينة، وانتظار يوم استالم الراتب، ليتم توزيعه بين الرسوم والمصاريف والفواتير والقروض المختلفة، وإعادة هذه الدائرة المغلقة كل شهر، حتى إشعار آخر. ومن الطبيعي على اإلنسان أن تزداد مصاريفه كلما تقدم به العمر، إذ ستزداد النفقات بعد الزواج وما يلزم ذلك من تجهيزات، يضطر معها الكثير إلى اللجوء إلى القروض، وبعدها ستزداد النفقات مع حضور األوالد، ثم نفقات دراستهم. وقد يلجأ البعض إلى اقتناء سيارة، أو شراء منزل عن طريق الرهن العقاري والقروض البنكية طويلة األمد، وهو ما يزيد من قائمة النفقات الشهرية التي تتمدد باستمرار. ومع زيادة تلك النفقات؛ يجد الموظفون أنفسهم بحاجة إلى المزيد من الدخل، يبدؤون بطلب العالوات والحوافز من الشركة، أو يبحثون عن وظيفة أخرى براتب أعلى، ويعتقدون أن حل المشكلة يكمن في الحصول على المزيد من المال، ولكنها في الحقيقة تزيد الطين ِبّلة، وستزداد األمور صعوبًة مع مرور األيام. إن قلب المشكلة يكمن في مستوى الثقافة المالية لدى هؤالء الموظفين، ومستوى إدراكهم للفرق الكبير بين األصول وااللتزامات، وما يترتب على اقتناء كل واحدة منهما. فاألصول؛ هي الممتلكات التي تزيد من مقدار الوارد من األموال، أي أنها تقدم نفعًا ماديًا، كأن تشتري قطعة أرض أو شقة لتؤجرها، أو أن تمتلك سيارة أجرة، أو أن تستحوذ على أسهم في شركات معينة، أو غيرها من األصول التي تزيد من قيمة وارداتك، وتعزز مفهوم األمن المالي لديك في الحاضر والمستقبل. أما االلتزامات؛ فهي االستثمارات التي تزيد من قيمة المصروفات، والتي يمكن تشبيهها باالستثمار الخاسر، كأن تشتري بيتًا كبيرًا للسكن برفاهية، عندها سترتفع مصروفات التكييف والكهرباء والماء، وستدفع رسوما سنوية أكثر. أو أن تشتري سيارة للتنقل؛ والتي ستكلفك مبلغًا محترمًا للوقود اليومي والترخيص السنوي، باإلضافة إلى مصروفات االستخدام واالستهالك التي تحتاج إلى تبديل وصيانة كل فترة معينة. اذا كنت ممن يعانون نقصا في الثقافة المالية كما عانى جيلنا واألجيال التي سبقتنا؛ ستبدأ بشراء المنزل الكبير الواسع عبر برامج القروض البنكية، وكذلك ستشتري سيارة، وهذه التزامات وليست أصول، وبالتالي ستبدأ قائمة المصروفات بالنمو، ثم ستلجأ إلى االقتراض لتغطية تلك المصاريف، وستدفع أرباحا على تلك المصاريف من خالل التورط في القروض بشكل أكبر، إلى أن تصل إلى مرحلة اإلفالس واالنهيار، وعندها ستبيع المنزل والسيارة لتعود إلى نقطة الصفر. إن المعيار الرئيس لشراء التزام جديد (كالبيت أو السيارة) هو أن يكون ميزان الواردات أكبر من ميزان النفقات، وليس مساويًا له، عندها تكون قادرًا على زيادة االلتزامات بمقدار الفرق بينهما. أما إن كان حجم الواردات أقل من حجم النفقات؛ فأنت بحاجة إلى اقتناء أصول جديدة، تعمل على زيادة الواردات لك في المرحلة القادمة، وإال ستبدأ في مرحلة االنهيار التي سبق وذكرتها.