Al-Watan (Qatar)

أنقذوا «األونروا» قبل فوات األوان

- د. محمود الحنفي أستاذ القانون الدولي وحقوق اإلنسان { الجزيرة نت

في رسالة إلى رئيس الجمعية العامة لألمم المتحدة خالل األيام الماضية، حذر فيليب الزاريني، المفوض العام لوكالة األمم المتحدة لغوث وتشغيل الالجئين الفلسطينيي­ن (األونروا)، من أن الوكالة وصلت إلى «نقطة االنهيار». جاء هذا النداء األخير بعد تعليق دول دعمها لألونروا. فما هي القصة ولماذا هذا التحذير؟ تطلق الماكينة الدعائية اإلسرائيلي­ة خطا ًبا تحريض ًيا على أه ّم وكالة أممية هي وكالة األونروا المعنية بإغاثة وتشغيل الالجئين الفلسطينيي­ن. جوهر الخطاب اإلعالمي اإلسرائيلي يقوم على أن استمرار عمل المنظمة يؤدي إلى إطالة أمد «مشكلة الالجئين الفلسطينيي­ن»، وأن وجود هذه المنظمة الدولية هو عقبة في طريق «السالم». وأن سلوك هذه المنظمة الدولية يتطابق مع سلوك حركة حماس «اإلرهابي». ال يمكن أن تشكل هذه الدعاية أي مس بالمركز القانوني لماليين الالجئين الفلسطينيي­ن 5.9( مليون الجئ فلسطيني)، أو أن تمس بحقوقهم غير القابلة للتصرف، كما ال يمكن أن يبقى هؤالء الجئين إلى األبد. ليس من الصعوبة اكتشاف أن الدول الغربية تقدم الدعم إلسرائيل، سواء في ظروف السلم أم الحرب، وأنها هي من أطالت أمد أزمة اللجوء، وعمقت معاناتهم خالل 7 عقود من الزمن ويزيد. تتعرض وكالة األونروا الستهداف إسرائيلي مباشر وواضح المعالم منذ سنوات، رغم أهمية دورها بالنسبة لماليين الالجئين. ولقد نجحت إسرائيل بدفع 17 دولة -أغلبها غربية- لتعليق تمويلها لألونروا. هناك عشر مالحظات عاجلة نوردها بهذا الخصوص، وهي: ثمة معطيات رقمية تفيد بأن تعليق تمويل األونروا له انعكاسات جوهرية تتعلق بحياة ماليين الالجئين الفلسطينيي­ن في جميع أماكن تواجدهم. إن تعليق تمويل األونروا -بسبب فعل قد يكون ارتكبه أفراد سوف يشمل تأثيره ماليين الالجئين- هو فعل محظور حسب القانون الدولي، وهو يصنف على أنه شكل من أشكال «العقوبات الجماعية»، وبالتالي قد يرقى إلى مستوى جريمة حرب. هذا القرار غير قانوني وغير أخالقي؛ ألن الدول المنضوية تحت إطار األمم المتحدة عليها تعهدات والتزامات تجاه الشعوب األخرى خالل األزمات اإلنسانية الناجمة عن الكوارث والزالزل والحروب. فكيف والحال مع الجئين منذ عام ؟1948 إن هذا القرار سوف يتسبب بضرر بالغ على الالجئين في مناطق عمل األونروا الخمس، وبشكل خاص على الالجئين والنازحين الفلسطينيي­ن في قطاع غزة؛ بسبب حرب اإلبادة التي تشنها إسرائيل هناك. إن الدول التي علقت تمويلها لألونروا أخطأت ثالث مرات؛ مرة عندما ساهمت ابتداء بخلق أزمة الجئين فلسطينيين، وسمحت بقيام دولة إسرائيل على أنقاض حقوق وأرض شعب فلسطين، دونما أي سند قانوني، وعدم قدرتها أو ربما عدم رغبتها على مدار عقود من الزمن بإعادتهم إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها خالل الحروب اإلسرائيلي­ة عام الـ 1948 .1967و إن ثمة مؤشرات ومعلومات تفيد بأن إسرائيل ومنذ اتفاق أوسلو عام 1993 بدأت بالترويج أن األونروا لم يعد لها حاجة فعلية، وأن على العالم أن يهتم بقيام دولة فلسطينية التي سوف تناقش بعد خمس سنوات من هذا االتفاق! وقد َوضعت خطًطا لذلك، كما صرح أكثر من مسؤول بذلك عالنية. وقد استغلت إسرائيل حرب اإلبادة التي تشنها على قطاع غزة؛ لتتابع حملتها ضد األونروا. إسرائيل ال تريد للشاهد الملك أن يبقى على قيد الحياة، وهو هدف إسرائيلي إستراتيجي ال تهاون أمام تحقيقه، بل وتعتبر أن موضوع الالجئين يشكل عقبة أمام عمليات التطبيع مع الدول العربية. إن استبدال منظمة األونروا بأية هيئة دولية أخرى أمر غير مقبول، لعدة أسباب، أهمها أن وكالة األونروا تمتلك خبرة عميقة تمتد لعقود من الزمن، كما تعمل من خالل كادرها البشري الكبير 33( ألف موظف)، ولديها رصيد طويل في حسن التعامل مع احتياجات الالجئين. إن تعليق التمويل من قبل الدول المانحة، يتزامن مع قرار محكمة العدل الدولية الذي أثار استياء إسرائيل، مما يعتبر رَّد فعٍل واضحا من هذه الدول لصالح إسرائيل. لقد قبلت هذه المحكمة الطلب الجنوب إفريقي، واعتبرت أن ثمة مؤشرات قوية الرتكاب إسرائيل جرائم إبادة، وأن إسرائيل فعال ال قوال متهمة. لقد تغاضت هذه الدول عن جرائم االحتالل بحق مراكز األمم المتحدة، واستشهاد أكثر من 150 موظًفا أممًيا، فضًال عن استهداف مراكز إيواء النازحين التابعة للوكالة نفسها، واستشهاد وجرح المئات منهم. وفي الوقت الذي يكون فيه الجاني معروفا (وهي إسرائيل) وال يحتاج إلى كثير من الجهد والبحث االستقصائي، فإنه ال خطوات وال إجراءات وال عقوبات وال حتى شكلية. وفي المقابل اآلخر، تفرض هذه الدول عقوبات جماعية على 5.9 مليون الجئ؛ بسبب سلوك أفراد 12( موظفا من أصل 30 ألف موظف)، لم يثبت بالتحقيقات أنهم ارتكبوا ما يعتبر خرقا «للحيادية». أي منطق هذا؟! وهل هذا التعليق يتوافق مع التزامات الدول واحترامها أجسام األمم المتحدة بما فيها الجمعية العامة لألمم المتحدة التي أنشأت األونروا، أو محكمة العدل الدولية التي طالبت بضرورة إدخال المساعدات اإلنسانية؟ إن السلوك اإلسرائيلي تجاه المنظمة الدولية أو تعليق الدول مساهماتها المالية ال يمكن أن يغير المركز القانوني لألونروا التي نشأت بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة. إن القرار ال يلغى إال بقرار مثله. وعليه فإن هذه اإلجراءات ال تغير من الوالية القانونية لألونروا. األثر المتوقع لكل هذا الضجيج أو هذا االبتزاز هو أن يجعل هذه المنظمة الدولية غير قادرة عملًيا على الوفاء بالتزاماته­ا الدولية، األمر الذي قد يجعل هذه المنظمة عاجزة.

تتعرض الوكالة الستهداف إسرائيلي مباشر وواضح المعالم منذ سنوات.. رغم أهمية دورها لماليين الالجئين

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar