Al-Watan (Qatar)

مجاعـــــة ومــــرض وقصــف

-

غزة- األناضول- لم يعد الطفل فاروق أبو قمر، البالغ من العمر

15 شهرا، يقوى على البكاء من شدة الجوع، فمعدته فارغة منذ عدة أيام بفعل النقص الحاد في المواد الغذائية شمال قطاع غزة. ويجلس والد الطفل، محمود أبو قمر، بجواره على سرير المرض داخل مستشفى كمال عدوان في بلدة بيت الهيا شمال قطاع غزة، ينتظر تحسن حالة ابنه الصحية. ووسط هذا الوضع العصيب، يشعر األب الذي يعتصر قلبه باأللم بالعجز تجاه طفله، الذي ال يستطيع تقديم له الطعام ليسكته. ويواجه آالف الفلسطينيي­ن في شمال غزة خطر الجوع والعطش، وال سيما األطفال، حيث تتواصل حرب اإلبادة اإلسرائيلي­ة منذ 7 أكتوبر / تشرين األول الماضي. وبحسب نتائج فحوص لسوء التغذية أجرتها مؤخرا منظمات شريكة في مجموعة التغذية (تابعة لألمم المتحدة)، توجد في غزة زيادة كبيرة في نسبة سوء التغذية الحاد العام بين األطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر

و95 شهرا.

ووصل سوء التغذية الحاد العام إلى

16.2 بالمائة، وهي نسبة تتخطى العتبة الحرجة التي تحددها منظمة الصحة العالمية عند 15 بالمائة. علف الحيوانات يقول أبو قمر لمراسل األناضول: «إن المرض سيطر على فاروق بسبب اإلعياء الشديد والهزال الذي أصابه بفعل شح الغذاء والماء». ويضيف وعالمات اإلعياء ظاهرة على وجهه الشاحب: «فاروق يستيقظ باكيا كل ليلة من شدة الجوع وقرقرة بطنه، لكننا ال نجد من نطعمه إياه، حتى علف الحيوانات الذي كنا نأكله لم يعد متوفرا». ولجأ سكان غزة والشمال إلى طحن علف الحيوانات للحصول على الدقيق الالزم إلعداد الخبز وضمان بقائهم على قيد الحياة، لكن مخزون تلك الحبوب يتضاءل بشكل كبير.

ويعاني سكان شمال قطاع غزة من ظروف صعبة، حيث يجدون أنفسهم غالًبا يمضون أياًما كاملة دون تناول الطعام. الوضع يتطلب من البالغين تحمل الجوع حتى يتسنى لألطفال الحصول على الطعام. ويستكمل أبو قمر حديثه: «في شمال غزة، نعيش بدون أرز، بدون خضار، بدون طحين، بدون أي مواد غذائية، المساعدات الغذائية واإلغاثية ال تدخل». على سرير مجاور، يرقد الطفل أحمد حماد 3( سنوات)، حيث يعاني من ارتفاع حرارته بشكل شديد، ويحاول والده بكل جهده التخفيف من حرارته وآالمه عبر وضع كمادات ماء باردة. ويقول والد حماد لمراسل األناضول: «المرض يجتاح جسد طفلي الصغير بال رحمة، هذا الجسد الذي أرهقته حياة صعبة ومجاعة ال تنتهي، ال أعرف كيف أتصرف أمام صرخاته القاسية وهو يتضور جوعا».

ويضيف بحزن: «لجأنا لطحن علف الحيوانات وأكل لحوم الطيور، للتخفيف من جوع أطفالنا، لم أتخيل يوما أن نصل إلى هذه الحالة، لم أتوقع أبدا أن نضطر لتناول طعام الحيوانات». ويتساءل باالستغراب: «ما ذنبنا؟ ما ذنب األطفال؟ في شمال قطاع غزة، من ينجو من القصف ال ينجو من الجوع والعطش». ويكمل حديثه: «لقد متنا جوعا، ال يوجد طعام، نحن جائعون جدا، هنا ال ماء وال طعام، نريد أن تتوقف الحرب لنعود إلى حياتنا الطبيعية». وحفر العديد من سكان شمال غزة في الشوارع الترابية وفي أرصفة الشوارع للوصول إلى خطوط المياه للحصول على احتياجاتهم للشرب والغسيل، في ظل النقص الحاد بالمياه وأزمة العطش التي تعيشها غزة والشمال. في 16 شباط/ فبراير الحالي، أعلن مكتب األمم المتحدة لتنسيق الشؤون اإلنسانية «أوتشا» أنه بين األول من كانون الثاني/ يناير و21 فبراير، رفضت السلطات اإلسرائيلي­ة وصول 51 بالمائة من البعثات التي خططت لها المنظمات الشريكة في مجال العمل اإلنساني إليصال المعونات وإجراء تقييمات إلى المناطق الواقعة إلى الشمال من وادي غزة. وبحسب األمم المتحدة، تشير التقارير إلى تزايد المستويات الكارثية النعدام األمن الغذائي الحاد في شتى أرجاء قطاع غزة، حيث يتزايد عدد التقارير عن األسر التي تكافح من أجل إطعام أطفالها، ويزداد خطر الوفيات الناجمة عن الجوع في شمال القطاع. وأوضح مكتب «أوتشا»، إن أكثر من نصف شحنات المساعدات إلى شمال غزة منعت من الوصول الشهر الماضي، وأن هناك تدخال متزايدا من الجيش اإلسرائيلي في كيفية ومكان تسليم المساعدات.

ويضيف بأن ما يقدر بـ003 ألف شخص يعيشون في المناطق الشمالية محرومون إلى حد كبير من الحصول على المساعدات، ويواجهون خطر المجاعة المتزايد.

تأثيرات المجاعة

ويقول مدير مستشفى كمال عدوان الطبيب حسام أبو صفية، إن «سكان شمال غزة بدؤوا يتأثرون بالمجاعة وقلة التغذية المنتشرة بسبب الحصار اإلسرائيلي». ويضيف أبو صفية في تصريح لألناضول، «أن اغلب الحاالت المدخلة إلى مستشفى كمال عدوان تصل في وضع حرج جدا بسبب سوء التغذية». ويوضح أن «األطفال المرضى القادمين من مراكز اإليواء يصلون المشفى في وضع حرج جدا جراء إصابتهم بنزالت معوية وأمراض تسبب لهم جفافا

متقدًما يتطلب تدخال عالجًيا عاجًال ومتقدما»..ويشير إلى «قيام الطواقم الطبية بإدخال المرضى إلى أقسام العناية المركزة لحاجتها إلى مراقبة الطبية والعالجية على مدار الساعة». ويحذر الطبيب «من أن قلة المستهلكة الطبية والمعدات واألدوات الطبية في مشفى كمال عدوان ونقص التغذية السليمة تهدد بأن تحصد هذه المجاعة الكثير من األرواح». ويقول: «الكادر الطبي في المشفى يعاني من المجاعة كالمرضى، وإدارة المستشفى عاجزة عن توفير وجبة طعام سليمة للكادر العامل في المستشفى الذي يقدم الخدمة الصحية على مدار الساعة». ويتساءل: «كيف سيقدم الطبيب أو الحكيم الخدمة الصحية للمريض وهو جائع؟، لألسف الجوع ينهش أجساد المرضى والكوادر الطبية والسكان شمال غزة».

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar