تفضيل الموت
طـــلـــب اإلدارة بـــدفـــع الستقبال املريض. وعــــــرض الــــشــــاب دفـــــع مــبــلــغ 5 آالف دوالر إلدخـال والـده سريعًا إلى املستشفى بسبب تـــفـــاقـــم حـــالـــتـــه بــســبــب مـــعـــانـــاتـــه مــــن مـــرض الـسـرطـان، لكن اإلدارة رفضت طلبه بحجة وجـــــود مـشـكـلـة مـــع شـــركـــة الـــتـــأمـــن املـقـفـلـة خال ساعات املساء، فصرخ الشاب في وجه املوظفن معبرًا عن غضبه مما يحصل، في وقت كان يسمع صوت والده يئن من الوجع، وكــّرر مطالبته بإدخاله على الفور تمهيدًا للذهاب إلحـضـار بقية املبلغ مـن منزله في مــديــنــة صـــور (جـــنـــوب) الــتــي يـبـعـد حــوالــى ســاعــة عـــن بـــيـــروت، لــكــن املـسـتـشـفـى واصـــل رفض طلب الشاب حتى بعدما عرض إبقاء هويته عند اإلدارة ضمانًا لعودته مع املبلغ املــطــلــوب، ثـــم وافـــقـــوا عــلــى ذلـــك بـسـبـب دقــة الحالة الصحية للمريض.
مــبــلــغ 10 آالف دوالر
مستشفى «جهنم»
وفـــي واقــعــة أخــــرى، تـخـبـر ســلــوى «الـعـربـي الجديد» أن والدها عانى من مشكلة خطيرة فــي الــقــلــب، فـقـصـدت فــي الــبــدايــة مستشفى خاصًا في بيروت، ألن الطبيب الـذي يعالج والــدهــا يعمل فــيــه، فـطـلـب منها دفـــع مبلغ مــقــداره 45 مليون لـيـرة 750( دوالرًا) لفتح غــرفــة افــتــقــدت الـتـدفـئـة، وخــلــت مــن املــحــارم والـصـابـون، وانقطعت عنها الكهرباء وقتًا طـويـا، فأحضرت سلوى الــلــوازم بنفسها، ووصفت الوقت الذي مر عليها وعلى والدها داخـل املستشفى بأنه «جهنم»، مشيرة إلى أن مــمــرضــن حــــاولــــوا ابــــتــــزاز أمــــــوال منها لتأمن بعض الـخـدمـات، فـي وقـت أخبرتها اإلدارة أن ال نواقص في املستشفى. وأشـــارت سلوى إلـى أنها اضطرت إلـى نقل والدها إلى مستشفى خاص آخر في بيروت، في عملية احتاجت أوال إلى أخذ موعد عند طـبـيـب تــقــاضــى تــعــرفــة لـتـنـفـيـذ هــــذا األمــــر، ثـم حـــول والــدهــا إلــى املستشفى الـــذي طلب بــــــدوره 2500 دوالر لــفــتــح غـــرفـــة، مـــن دون احـتـسـاب تكاليف األدويــــة الـتـي بـاتـت على نفقة املريض. تـــأســـف ســـلـــوى ملــــا وصـــــل إلـــيـــه الــــحــــال فـي لبنان، حيث ينحصر العاج بمن يحملون عملة الــدوالر ومن يتمتعون بتأمن «عالي الـقـيـمـة» ومـــدفـــوع أيــضــًا نــقــدًا بـــالـــدوالر، ما يــتــرك الــنــاس والــفــقــراء ملــواجــهــة مصيرهم. وتقول بغصة كبيرة: «لن أنسى قول أمي أنه لـو لـم نكن موجودين فـي البلد ملــات والــدي على باب الطوارئ. وبعدما مر والدي بمآس كبيرة في هذا البلد، يعاني اليوم من رؤية جـنـى عــمــره مــحــجــوزًا فـــي مـــصـــرف، وراتــبــه التقاعدي فقد كل قيمته في ظل انهيار قيمة تظهر أرقام أصدرتها نقابة المستشفيات الخاصة في لبنان تراجع نسبة اإلشغال منذ بداية األزمة االقتصادية نهاية عام ،2019 وعدم قدرة المرضى على العالج حتى في المنزل في ظل ارتفاع أسعار األدوية بعدما رفع مصرف لبنان المركزي الدعم عنها، ما يهدد صحة الناس ويدفع الفقراء إلـى تفضيل الموت بسبب ارتفاع «تكاليف البقاء أحياء». الليرة، في وقـت يفترض أن يرتاح ويعيش براحة بال. ويدمي القلب مجرد التفكير بما يعانيه مرضى الكلى والسرطان واألمراض املـــزمـــنـــة، ســــواء إليـــجـــاد أدويـــتـــهـــم، أو لـدفـع تكاليف العاج التي باتت باملاين».
تقديمات بتعريفات قديمة
فـــــي الــــســــيــــاق، يــــقــــول هـــــــــارون إن «مـــســـألـــة دفــــع املـــريـــض ثــمــن أدويــــتــــه فـــي املـسـتـشـفـى اتجهت إلى حلحلة مؤقتة بتدخل من وزير الــصــحــة فـــــراس أبـــيـــض ورئـــيـــس الــحــكــومــة نجيب مـيـقـاتـي عـنـد حــاكــم مــصــرف لبنان، عـــبـــر تــخــصــيــص مــبــلــغ شـــهـــري يـــدفـــع نــقــدًا للمستشفيات من حساباتها املصرفية، كي
مجرد التفكير بما يعانيه مرضى الكلى والسرطان واألمراض المزمنة يدمي القلب تستطيع تسديد ثمن األدويــة، ال سيما تلك الخاصة باألمراض السرطانية واملستعصية لـــلـــمـــســـتـــورديـــن، مــــن دون تــكــبــيــد املـــريـــض تكاليف إضــافــيــة». ويـلـفـت إلـــى أن الجهات الضامنة الرسمية لم ترفع أسعارها بشكل يواكب ارتفاع سعر صرف الــدوالر، وما زال معظمها يـسـدد بـــدل الـتـقـديـمـات بـنـاء على تعريفات قديمة، مـا يجعل الـفـروقـات التي يدفعها املريض من جيبه كبيرة. ويشير إلــى أن فــاتــورة االستشفاء ارتفعت كثيرًا، وأصبحت باهظة جـدًا، ال سيما بعد رفع الدعم عن األدوية واملستلزمات الطبية، وفــــي ظـــل االنـــهـــيـــار املــســتــمــّر لـقـيـمـة العملة الـــوطـــنـــيـــة، وارتــــفــــاع ســعــر صــــرف الــــــدوالر، وغـــاء املــحــروقــات واملـــــازوت الـــذي تشتريه املــســتــشــفــيــات لـــلـــمـــولـــدات الـــخـــاصـــة لـتـأمـن الكهرباء، كما ارتفعت تعرفة األطباء. وفــيــمــا يـلـفـت هـــــارون إلــــى أن املـسـتـشـفـيـات تطالب املرضى بتأمن مبالغ مالية مسبقة الســتــقــبــالــهــم فـــي الــــحــــاالت الــصــحــيــة الــتــي تحتمل تأجيل، يشير إلى أنه «في الحاالت الطارئة التي تهدد حياتهم، هذا خطر أحمر، وعلى كل مستشفى أن يستقبل املريض من دون أي شرط مالي».