انعكاسات الفائدة األميركية
األسواق تحتفل بقرب نهاية دورة الزيادات... وتراجع صرف الدوالر
خسر الدوالر أمس الخميس، أمام جميع العمالت الرئيسية بعد خفض بنك االحتياط الفيدرالي وتيرة الزيادات في الفائدة األميركية وتوجهه نحو سياسة نقدية تدفع النمو االقتصادي بدًال من مكافحة التضخم
رحـــبـــت أســـــــواق املــــــال األمــيــركــيــة والعاملية بخفض بنك االحتياط الــــفــــيــــدرالــــي وتــــيــــرة رفــــــع أســـعـــار الفائدة أول مـن أمــس األربــعــاء، رغــم أنــه أكد مــرة أخـــرى أن لـديـه املـزيـد مـن العمل للقيام بــــه فــــي جــــهــــوده املـــســـتـــمـــرة لــلــســيــطــرة عـلـى التضخم. ورفعت اللجنة الفيدرالية للسوق املفتوحة )FOMC( سعر الفائدة على األموال الـفـيـدرالـيـة قصيرة األجـــل بـمـقـدار 25 نقطة أساس، أو %0.25 إلى النطاق املستهدف من %4.50 إلى .%4.75 ولم تكن الخطوة مفاجئة لــخــبــراء األســــــواق واالقـــتـــصـــاد الـــذيـــن كــانــوا يـراهـنـون على مـزيـد مـن الـتـراجـع فـي معدل الفائدة األميركية خالل العام الجاري. وأكــبــر دلـيـل على ترحيب األســــواق بخطوة االحتياط الفيدرالي، تحول جميع املؤشرات الرئيسية األميركية في سوق «وول ستريت» الثالثة من األحمر إلى األخضر بعد املؤتمر الصحافي لرئيس بنك االحتياط الفيدرالي، جيروم باول. وحسب بيانات «وول ستريت»، أنــهــى كــل مــن مــؤشــر داو جــونــز الـصـنـاعـي، ومـــؤشـــر «ســـتـــانـــدرد أنــــد بــــــورز» ونـــاســـداك املــركــب تـعـامـالت األربــعــاء محققني مكاسب كــبــيــرة، حـيـث ارتـــفـــع مــؤشــر «ســـتـــانـــدرد أنـد بورز »500 بنسبة .%1.05 كما أضاف مؤشر ناسداك املركب 2%، مدعوما باملكاسب التي حققتها شركات الشرائح اإللكترونية بقيادة األربــــــاح الــقــويــة لــشــركــة «أدفـــانـــســـد مـايـكـرو ديــفــايــســس». كــمــا ارتـــفـــع مــؤشــر داو جـونـز الصناعي 6.92 نقطة أو .%0.02 ويــــــــــرى مــــحــــلــــلــــون أن مــــجــــلــــس االحــــتــــيــــاط الـــفـــيـــدرالـــي بـــــات واثــــقــــا مــــن أنـــــه يــخــطــو فـي االتــجــاه الصحيح للسيطرة على التضخم وأنه يأخذ منحى جديدًا يبتعد عن مكافحة التضخم فـي اتـجـاه دفــع النمو االقـتـصـادي فـــي الــــبــــالد. ويــســتــهــدف مــجــلــس االحــتــيــاط خفض التضخم إلى نسبة %0 .2 ودفع النمو االقـــتـــصـــادي خـــالل الـــعـــام الـــجـــاري. ويـتـوقـع محللون أن يرفع االحتياط الفيدرالي الفائدة بنسبة ربع نقطة خالل الشهر الجاري وفي شهر مارس/آذار املقبل، ثم يتوقف بعد ذلك. فـــي هــــذا الـــشـــأن قــــال االقـــتـــصـــادي بـمـصـرف «ويـــلـــز فـــارغـــو» األمـــيـــركـــي، جــــاي بــريــســون، فــي تعليق عـلـى مــوقــع الــبــنــك: «مـــن املـتـوقـع أن يـــرفـــع الــبــنــك الـــفـــائـــدة بـــربـــع نــقــطــة خــالل الــشــهــر الــــجــــاري وكـــذلـــك فـــي شــهــر مــــارس/ آذار املــقــبــل». مــن جـانـبـه، تـوقـع االقـتـصـادي بشركة «أل بـي أل فاينانشيال» األميركية، على موقع الشركة، أن يتراجع التضخم أكثر خـــالل الـشـهـور املـقـبـلـة، مــا يعني أن مجلس االحـــتـــيـــاط الــفــيــدرالــي ربــمــا سـيـنـهـي دورة الزيادات في نسبة الفائدة. أما محلل األدوات الــثــابــتــة بــشــركــة «بـــــالك روك»، ريــــك رايـــــدر، فــيــرى أن مـجـلـس االحــتــيــاط الــفــيــدرالــي بـدأ رحلة الخفض البطيء للفائدة وربما بنسبة %0.25 وربما ملرة واحدة وبربع نقطة. وكــــــان مــجــلــس االحـــتـــيـــاط الـــفـــيـــدرالـــي رفـــع تـــكـــالـــيـــف االقــــــتــــــراض بــــأســــرع وتــــيــــرة مـنـذ أوائــــل الثمانينيات فــي مـحـاولـة لترويض أسوأ تضخم شهدته الواليات املتحدة منذ أربـعـة عـقـود. ولكن بــدا أن التضخم قـد بلغ ذروتـــــه فـــي عـــام ،2022 وبــالــتــالــي لــجــأ بنك االحـــتـــيـــاط الــفــيــدرالــي إلــــى تـخـفـيـف مـوقـفـه املـــتـــشـــدد فـــي الــســيــاســة الــنــقــديــة واالتـــجـــاه نحو دفـع االقتصاد للنمو وتفادي الوقوع في مستنقع الركود االقتصادي. ولكن كيف استجابت أســـواق املـــال والـعـمـالت والـذهـب واالقــــتــــصــــادات الــنــاشــئــة لــتــوجــهــات الـبـنـك الجديدة بطي فترة الفائدة؟
الدوالر
واصــــــل الــــــــدوالر خـــســـائـــره أمـــــس الــخــمــيــس، وتـــراجـــع مــقــابــل مـعـظـم الــعــمــالت الرئيسية بـيـنـمـا ارتــفــعــت عــمــالت األســــــواق الـنـاشـئـة. وهبط الـــدوالر إلـى أدنــى مستوى في تسعة أشـهـر مـقـابـل سـلـة مــن الـعـمـالت بـعـد أن أكـد رئيس مجلس االحتياط الفيدرالي، جيروم
بــاول إحـــراز تقدم فـي خفض التضخم، رغم تحذيره من احتمال خطوات أخـرى من رفع الفائدة خالل الشهور املقبلة. فـــي هـــذا الـــشـــأن قـــال كـبـيـر مـحـلـلـي الــســوق فـــي شــركــة «أونـــــــادا» فـــي نــيــويــورك إدوارد مـويـا: «األســـواق عـازمـة إلــى حـد كبير على أن يرى بنك االحتياط الفيدرالي انخفاض الـتـضـخـم، ويــبــدو أنـــه واثـــق تـمـامـا مــن أنـه ســيــســتــمــر». وأضــــــاف مـــويـــا: «لـــــدى الـبـنـك تــــقــــريــــران آخــــــــران لــلــتــضــخــم فــــي اجـــتـــمـــاع مارس/آذار، وإذا رأينا أن ضغوط التضخم مستمرة فــي الــتــراجــع ربـمـا سيتعني على البنك رفع سعر الفائدة مرة أخرى». ويرى محللون أن هذه الخطوة تمثل أخبارًا ســـارة لـأصـول الخطرة واألســــواق الناشئة
وكذلك لعمالت اليورو والـني الياباني التي شهدت تراجعات تاريخية في العام املاضي. انخفض الــدوالر إلـى أدنـى مستوى له أمس مقابل سلة من العمالت، وهو أدنى مستوى منذ 22 أبـريـل/ نيسان. ووصــل الـيـورو إلى 1.10020 دوالر، وهــو أعـلـى مستوى منذ 4 أبريل/ نيسان. كما انخفض الــدوالر مقابل العملة اليابانية إلى 128.55 ينا، وهو أدنى مستوى منذ 20 يناير/ كانون الثاني، وذلك وفقا لبيانات بلومبيرغ.
السندات
بالنسبة للمستثمرين في األدوات الثابتة، فــإنــهــم أكـــبـــر مــســتــفــيــديــن مـــن خـــطـــوة بنك االحــتــيــاط الــفــيــدرالــي يـــوم األربـــعـــاء، إذ إن الــتــركــيــز تـــحـــول فـــجـــأة مـــن الــســيــطــرة على الـــتـــضـــخـــم املــــرتــــفــــع إلــــــى مـــعـــالـــجـــة تــبــاطــؤ الــنــمــو االقـــتـــصـــادي بـــالـــبـــالد، وذلـــــك وفــقــا لتعليقات نــائــب الــرئــيــس املـــشـــارك للدخل الــــثــــابــــت بـــمـــصـــرف «غــــولــــدمــــان ســــاكــــس»، ويـــتـــنـــي واتــــــســــــون. وتـــعـــتـــقـــد «غــــولــــدمــــان ساكس»، أن العالقة بني السندات وأصـول املــخــاطــرة سـتـصـبـح أقـــل إيــجــابــيــة، وربــمــا تدخل في املنطقة السلبية. وقالت واتسون فـــي مـــذكـــرة يــــوم األربــــعــــاء إن «خــصــائــص الـــتـــحـــوط املـــحـــســـنـــة لـــلـــســـنـــدات جـــنـــبـــا إلـــى جنب مــع الــدخــل املـرتـفـع وإجـمـالـي العائد املــــحــــتــــمــــل ســــيــــقــــدم لـــلـــمـــســـتـــثـــمـــريـــن أكـــبـــر فــــــرصــــــة لــــتــــحــــقــــيــــق أربــــــــــــــاح فـــــــي أســــــــــواق الـــــــــســـــــــنـــــــــدات مـــــــنـــــــذ أكـــــــــثـــــــــر مـــــــــــن عـــــــقـــــــد».
سياسة االحتياط الفيدرالي تفيد الذهب والسندات واألسواق الناشئة
الذهب
مـن الـواضـح أن املـعـادن النفيسة التي تباع معظمها بــالــدوالر كـانـت أكـبـر الـرابـحـني من خـفـض وتـــيـــرة الــفــائــدة وربـــمـــا يـنـهـي البنك دورة رفع الفائدة تماما بنهاية الربع األول مــن الــعــام الـــجـــاري، وهـــو مــا يـعـنـي أن سعر صرف الدوالر يتجه للتراجع، حسب مراقبني.
ومعروف أن لسعر الدوالر عاقة عكسية مع الــذهــب، إذ كلما تـراجـع الـــدوالر ارتـفـع سعر الذهب. وبالتالي من املتوقع أن تقود خطوة االحتياط الفيدرالي يوم األربعاء إلى زيادة مشتريات الحلي واملـجـوهـرات الذهبية في آســيــا الــتــي تــعــد مـــن أكــبــر مــحــركــات أســعــار الذهب إلى جانب مشتريات البنوك املركزية. وارتــــفــــع ســعــر الـــذهـــب أمــــس الــخــمــيــس إلــى أعلى مستوى، لم يشهده منذ أبريل/ نيسان املـاضـي. وحسب بيانات بلومبيرغ، كسبت أوقية الذهب «األونـصـة» في تعامات نهار الـخـمـيـس 25 دوالرًا لـتـرتـفـع إلـــى 1968.10 دوالرا وتـــقـــتـــرب مــــن حـــاجـــز 2000 دوالر. ويـــتـــوقـــع الـــعـــديـــد مــــن املـــحـــلـــلـــني أن الـــذهـــب سيشهد ارتفاعا حادا خال العام الجاري. تتأثر األسواق الناشئة دائما وبدرجة كبيرة بتقلبات سعر صرف الدوالر. ويتوقع رئيس تداوالت العمات األجنبية، تشارلز مانجني، أن االحتياط الفيدرالي يقترب من قمة دورة تشديد أسعار الفائدة وال يستبعد أن يتوقف في الربع الثاني من العام عن دورة الزيادات فــــي الــــفــــائــــدة. ويـــضـــيـــف أنـــــه «إذا كـــــان بـنـك االحتياط الفيدرالي يقترب بالفعل من قمة دورة تشديد سعر الـفـائـدة، فسوف يستمر الــــــدوالر فـــي الـــتـــراجـــع عـــن أعــلــى مـسـتـويـاتـه ويـسـتـقـر عـنـد مـسـتـويـات منخفضة بشكل ملحوظ. وفي هذه الحالة، ستستفيد األسواق الناشئة من تراجع سعر صرف الدوالر عند مستويات دنـيـا. ويعد الـــدوالر املرتفع أكبر عـدو لأسواق الناشئة التي تدهورت قيمة عماتها فــي الــعــام املــاضــي وشـهـد بعضها اضـــطـــرابـــات ســيــاســيــة وســقــطــت حــكــومــات. وبالتالي هربت االستثمارات األجنبية من معظم األسـواق الناشئة وأثرت على قدرتها على تسديد ديونها الــدوالريــة وكـذلـك على توريد السلع الرئيسية التي تباع بالدوالر، مثل املحروقات واملـواد الغذائية مثل القمح. وكانت باكستان، آخر ضحايا الدوالر املرتفع بـعـد أن أدت االضـــطـــرابـــات فـــي املـــاضـــي إلـى سقوط حكومة سيريانكا في العام املاضي. وبالتالي فإن توقف االحتياط الفيدرالي عن رفـع سعر الفائدة سيلعب دورًا رئيسيًا في الـنـمـو االقــتــصــادي بــاالقــتــصــادات الناشئة وعودة االستثمارات إلى أسواقها.