Al Araby Al Jadeed

دالالت إصدار السلفادور لسندات «بيتكوين»

- عبد الحافظ الصاوي

خالل األيام القليلة املاضية، أقّر الكونغرس في السلفادور إصدار سندات «بيتكوين»، مقومة بالدوالر، وذلك لجمع 500 مليون دوالر، لبناء مدينة ساحلية تحمل اســم «بـيـتـكـوي­ـن». وينتظر التشريع توقيع نجيب بوكيلي، رئيس الجمهورية. وتأتي هذه الخطوة ذات الداللة املهمة على صعيد النظام النقدي العاملي، لترسخ العمالت املـشـفـرة، وخـصـوصـا بيتكوين، لتكون جـــزءًا مـن مـكـونـات نظام نقدي عاملي جديد، وال سيما أن السلفادور هي الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي أقـرت تـداول البيتكوين كعملة رسمية بجوار الـــدوالر األمـيـركـ­ي. إال أن وكـــاالت التصنيف االئتماني وصندوق النقد الدولي اعترضوا على خطوة إصدار سندات بيتكوين، وهو أمـر طبيعي، فوجود هـذه الـوكـاالت وصـنـدوق النقد مرتبط كثيرًا بالعمالت التقليدية، ويعد وجود صندوق النقد على وجه التحديد مرتبطا بــوجــود الـنـظـام الـنـقـدي الـحـالـي الـــذي يعتمد على النقود التقليدية. والجدير بالذكر أن عملة «بيتكوين» قد كسرت حاجز الهبوط الذي استمر خالل األشهر املاضية، وصعد سعر الوحدة ألكثر من 23 ألـف دوالر نهاية يناير/ كانون الثاني ،2023 ولكن هــل كـــان لـهـذا الـصـعـود أثـــر بـخـطـوة الـسـلـفـا­دور بــإصــدار سـنـدات بيتكوين؟ قـد يكون األمــر بعيدًا عـن الـربـط بـن صعود بيتكوين وإقرار تشريع بإصدار سندات بذات العملة في السلفادور، فاألمر في سـوق العمالت املشفرة، مرتبط كثيرًا بعالم املضاربات، وقد ُمنيت هذه العمالت بخسائر كبيرة خالل عام ،2022 بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا وتأثيراتها السلبية في االقتصاد العاملي، ما أدى إلى تراجع الثقة في األســواق الدولية، ومن بينها العمالت املشفرة. فضال عن أن هناك عامال آخر قد يكون أسهم في عودة االنتعاش للعمالت املشفرة، وهو انخفاض التضخم إلى حد ما في الواليات املتحدة، وكذلك وجود حالة هدوء نسبي في أسعار النفط بالسوق الدولية، ما أتاح فرصة بمساحة ما لعودة املضاربة على العمالت املشفرة، بعد أن انصرفت أموال املضاربات إلى النفط إبان اشتعال أسعاره بالسوق الدولية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

سندات بناء مدينة التعدين

أحد التحديات التي تحد من انتشار العمالت املشفرة على نطاق واســـــع، تـــحـــدي الــحــصــ­ول عــلــى الــطــاقـ­ـة الـــالزمـ­ــة إلجـــــرا­ء عـمـلـيـات التعدين، ولذلك وجدنا أن التشريع في السلفادور الخاص بإصدار سندات بيتكوين بقيمة 500 مليون دوالر، يستهدف إنشاء مدينة ساحلية بجوار بركان قريب من النطاق الجغرافي للمدينة املنتظرة. بحيث تحصل هذه املدينة على طاقة حرارية مستمدة من املحيط الجغرافي للبركان، وباإلضافة إلى سعي السلفادور للحصول على طاقة حرارية للتوسع في إجراء عمليات التعدين للعمالت املشفرة، فإن املدينة ستحظى بإعفاء ضريبي. ومـــن هـنـا يمكننا أن نـتـوقـع أن املــشــرو­ع يستهدف بشكل كبير جــذب األمــــوا­ل مـن الــخــارج، لالستثمار فـي عمليات الـتـعـديـ­ن، من خــالل اإلعــفــا­ء الضريبي، ومـحـاولـة تقديم الـطـاقـة الــالزمــ­ة لعملية التعدين بسعر يمكن أن يجعل للسلفادور ميزة تنافسية. ال شك في أن بالفكرة شيئا من املعقولية في إطار التكلفة والعائد، ولكن هل سيسمح النظام الدولي بإكمال هـذه الفكرة، ألنها إذا نجحت ستغري آخرين بإنشاء مشاريع مناظرة، وسيعزز ذلك من فكرة إزاحة العمالت املشفرة للعمالت التقليدية، وما ينبني على ذلك من تحديات كبيرة. ولكن من أهم مشكالت العمالت املشفرة عموما، وخــطــوات الـسـلـفـا­دور خـصـوصـا، فــي اعـتـمـاد البيتكوين كعملة رسمية أو إصدار سندات بها، أنها ما زالت مرتبطة بالدوالر، سواء للتقويم أو الترويج. فالبيتكوين لم تتعد بعد أن تكون سلعة، وليست عملة، ومن هنا يمكن تحكم النظام النقدي العاملي بهذه العمليات والحد منها، وبخاصة أنها تهدد أكبر عملة في العالم، وهي الدوالر.

هل ستحظى الفكرة بالنجاح؟

الخطوة األولى التي اعتمدتها السلفادور باعتماد بيتكوين كعملة رسمية للتداول، كبدتها العديد من الخسائر بسبب تراجع قيمة العملة بعد اعتمادها كثيرًا، وهو ما أفقد الثقة ببيتكوين، كعملة رسمية للبالد، ونحسب أن األفراد هناك أكثر ميال للدوالر، ملا له من استقرار كبير، فضال عن أنه يمثل أكبر اقتصادي بالعالم. وكما هو معلوم، هناك مجموعة من العوامل تقف خلف اإلقبال أو اإلعـراض عن السندات، منها قوة االقتصاد الذي تصدر عنه السندات، وسعر الفائدة املعلن عليها، وكذلك األجواء االقتصادية لـلـدولـة، وأيـضـا املحيط اإلقليمي والــدولــ­ي. وإذا نظرنا إلــى واقـع الـسـلـفـا­دور االقـتـصـا­دي، نجد أن ناتجها املحلي اإلجـمـالـ­ي بلغ 28.7 مليار دوالر عام ،2021 حسب أرقـام قاعدة بيانات البنك الدولي، كذلك فإن تجارتها الخارجية من السلع والخدمات بحدود 24.1 مليار دوالر، وهي تعاني من عجز في تجارتها الخارجية من السلع والخدمات بلغ 7.3 مليارات دوالر في .2021 وبالتالي نحن أمـام اقتصاد شديد الضعف، وال يوجد له تأثير يــذكــر فــي مـــقـــدر­ات االقــتــص­ــاد الــعــامل­ــي، أو عـلـى خـريـطـة الـقـوى االقتصادي الدولية، ومثل هـذه املشروعات، التي من شأنها أن تـحـدث تـأثـيـرًا فــي الـنـظـام الـنـقـدي الـعـاملـي، أن تقف وراءهــــا قوة اقتصادية كبيرة، أو تحالف أو تكتل دولـــي. األمــر الثاني، الـذي يـخـص سعر الــفــائـ­ـدة، نجد أن الـبـيـانـ­ات املـنـشـور­ة عــن مشروع سندات بيتكوين ستكون الفائدة املقدرة عليها ،%6.5 وأن أجل الـسـنـدات 10 أعـــوام. وبــال شــك، السعر املعلن للفائدة على هذه الـسـنـدات كبير، فـضـال عـن أن مــدة 10 سـنـوات وارد أن تشهد تقلبات اقتصادية كبيرة، قد تجعل اإلقبال على هذه السندات ال يحظى بقبول يؤدي إلى نجاحها. بقى العامل الثالث، وهــو مـا يتعلق باملحيط اإلقليمي والـدولـي، فتقرير آفاق االقتصاد العاملي الصادر عن صندوق النقد الدولي فــي أكـتـوبـر/ تشرين األول ،2022 يحمل رؤيـــة تشاؤمية لعام ،2023 حيث يتوقع أن يتراجع معدل النمو االقتصادي العاملي إلى ،%2.7 مقارنة بــ2.3% متوقع في عام .2022 ومن هنا سيكون املناخ الدولي غير مواٍت ملثل هذه األطروحات التي تمثل مخاطرة كبيرة. لــعــل أصـــحـــا­ب هــــذا املــــشــ­ــروع فـــي الـــســـل­ـــفـــادو­ر، يـــراهـــ­نـــون على استقطاب أموال األفراد، ألن املبلغ املطروح للسندات صغير جدًا، بحدود 500 مليون دوالر فقط، كذلك إن العائد على السندات جــيــد، بــحــدود %6.5 طــــوال فــتــرة الــســنــ­دات، وهـــي 10 ســنــوات، وهو سعر فائدة أعلى من سعر الفائدة املعلن من قبل املجلس الفيدرالي األميركي.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar