Al Araby Al Jadeed

جائزة الشيخ حمد للترجمة من نوافذ اآلخرين

- عائشة بلحاج

كيف نترجم كلمة «غربة» إلى لغات أخـرى؟ وهي كلمة تحمل من الثقل ما ال تتحمله لغة أخرى؟ طرح املترجم اإليطالي آلدو نيقوسيا هذا السؤال، في ندوات منتدى جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، في دورتها التاسعة في الدوحة أخيرًا. وضغط على زر تداعي الكلمات، بني املترجمني الذين على الرغم من أنهم ينتمون إلـى جنسيات وألـــوان وأعـــراق مختلفة، إال أنـك حني تحييهم بالعربية، يجيبونك بفصحى من الجمال بمكان. بل كانت اللغة العربية على ألسنتهم أجمل مما هي على ألسنة أهلها. شــاب من كازاخستان، وآخــر من الــصــني، وثــالــث مــن بـاكـسـتـا­ن، ورابـــع مــن إفـريـقـيـ­ا جـنـوب الــصــحــ­راء، وصبية بمنتهى النعومة من اسكتلندا... هـذا جيل جديد من املترجمني، يضاف إلى املتبنني للغة العربية، ممن قضوا عقودًا في تلقيها، وإعادة تقديم ما كتب بها إلـى الـقـراء في لغتهم. مع ذلـك، يصعب عليهم اإلجابة عن ســؤال: ملـاذا اخترت دراسة العربية؟ سألت املترجم الروماني الذي قدم أعماال عربية كثيفة للقارئ الـرومـانـ­ي، جـورج غريغوري، وقـال إنـه انجذب أوال إلـى شخصية ابـن بطوطة، الــذي وصــل إلــى رومانيا فـي رحلته نحو غـرائـب األمــصــا­ر، وتـحـدث عـن بلدة صغيرة هناك، ما جعل أهلها يستشهدون به في بناء تاريخها. مما يرويه معظم غير العرب الذين تعلموا اللغة العربية، نعرف أنهم انجذبوا إليها بفعل سبب شخصي، دفعهم إلى اختيار لغة صعبة لعالم غامض للقارئ من دول الشرق والغرب، الذي يستقي معرفته باملنطقة العربية من اإلعالم. مع ذلك، انشغل معظم املترجمني بالقارئ املتخصص، ولعلهم فعلوا بسبب النقص في املراجع العربية خالل دراساتهم األكاديمية. مــن الفلسفة العربية فــي زمــن تألقها مــع ابــن رشــد والــفــار­ابــي وآخــريــن، إلى الفلسفة املعاصرة مع محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن، إلى الكتب الدينية وبعضها متخصص إلى درجـة االنغالق أمـام القارئ العربي. ورغـم االعتقاد السائد بأن ترجمة األدب أسهل، مقابل الكتب الفقهية مثال، بل إن فيلسوفًا معاصرًا مثل طه عبد الرحمن سيجد معه املستعرب صعوبة هائلة، يجدها املهتم العربي نفسه في فهم االشتقاقات اللغوية التي يختارها في كتبه، مع ذلك، ال تقل ترجمة األدب صعوبة، فهو يتطلب أكثر من اللغة، ألنه يفرض على املترجم أن يكون مبدعًا بدوره، وأن يكون على مستوى قريب من روح الكتابة التي يكتب من داخلها كاتب النص األصلي، فمترجم هذه الرواية أو ذلك الديوان الشعري يحتاج إلى استعارة العني التي رأى بها، والروح التي كتب بها، والعاطفة التي تسيطر على صفحات رواية أو ديوان أو سيرة... وكـــان الـلـقـاء بـعـشـرات ّمـن املتخصصني فـي فـــروع معرفية مختلفة مناسبة فريدة لم أشهدها في أي لقاء أو منتدى عربي. ولم أجد نفسي يومًا في مكان يجمع هذا القدر من التنوع في األشجار املثمرة من كل فاكهة لغوية ومعرفية. بني البنغالية واألورديــ­ـة والسواحلية والكورية واليابانية والصينية والتركية والفارسية واللغات األوروبــي­ــة... فسيفساء لغوية وثقافية وعرقية بديعة. ما فعلته جائزة الشيخ ّحمد للترجمة فريد وعظيم في أثــره وأهـدافـه. ومـن رأى ليس كمن سمع. لكن منتمني إلى املنطقة العربية كثيرين، ال يعلمون عن هذه الجائزة وتأثيرها الكبير، واملنتدى املقام على هامشها، وهذا العدد الهائل من املـغـرمـن­ي باللغة العربية. ضمن املـواضـيـ­ع الـتـي أثـــارت اهتمام كاتبة مهمومة بـــاألدب مثلي مــوضــوع الـتـرجـمـ­ة الـشـخـصـي­ـة. أي تـرجـمـة كـاتـب كتبه إلــى لغة أخـرى. ألسباب كثيرة، منها ما أورده عبد السالم بنعبد العالي في مداخلته عــن هــنــات املـتـرجـم­ـني الـتـي أشـــار إلـيـهـا صـاحـب «لـولـيـتـا» الــروســي فالديمير نابوكوف. إضافة إلى ما يلمسه الكاتب من فروق بني اللغتني. خير مثال على ذلك الترجمات الذاتية لإليرلندي صمويل بيكيت الذي كان ينطلق في رواياته من الفرنسية، «لجماليتها املتقشفة»، ومن اإلنكليزية في مسرحياته، لبراعة خطابها. ولم يكن يتعامل مع النصني واللغتني بوصفه مترجمًا، بل كان يعيد الكتابة فيما يترجم نصه بنفسه. ولعل كل ترجمة إعـادة كتابة، ألن للكلمات طريقتها الخاصة، لتصف صاحبها. رغم أنها الكلمات نفسها التي يستعملها اآلخرون، ورغم أنها تعيد إنتاج ما أنتج بلغة أخرى، إال أنها مثل البصمات تعبر عن شخص واحد فقط، هو املؤلف أو مترجمه.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar