الهروب في تونس إلى القاع
كــــــان مـــــن املـــنـــتـــظـــر أن يــــخــــرج الـــرئـــيـــس الــتــونــســي قــيــس ســعــيــد، للتعليق على نـــتـــائـــج االنـــتـــخـــابـــات الــتــشــريــعــيــة الــتــي انـــتـــظـــمـــت نــــهــــايــــة األســــــبــــــوع املـــــاضـــــي، خصوصا بعدما تكرر الفشل في الـدور الــثــانــي الــــذي تـمـظـهـر فـــي نـسـب اإلقــبــال الضعيفة جدا ،)%11( وعزوف املواطنني عن عملية االقتراع. كـــــان الـــــــدور األول صــفــعــة قـــاســـيـــة عـلـى وجـــه الــرئــيــس الــــذي لـطـاملـا تـفـاخـر على مــعــارضــيــه بـشـعـبـيـتـه الـــواســـعـــة، وبــأنــه املــمــثــل الــوحــيــد لــــــارادة الــشــعــبــيــة، كما كـان صفعة على وجـه هيئة االنتخابات التي لم تتوان في تطويع كل اإلجــراءات لصالح مشروع الرئيس. إال أن هـــــــذا اإلخــــــفــــــاق لـــــم يـــمـــنـــع قــيــس ســعــيــد وأنــــصــــاره مـــن الــتــأكــيــد عــلــى أن هـذه االنتخابات املوضوعة على مقاس الـــســـلـــطـــة ال يـــمـــكـــن تـــقـــيـــيـــمـــهـــا إال بــعــد اســتــيــفــاء دورتـــيـــهـــا، واثـــقـــني مـــن ارتــفــاع نسب اإلقـبـال على الصناديق فـي الـدور الـثـانـي، زاعــمــني، فـي اآلن ذاتـــه، أن غياب املــــال الــســيــاســي جــعــل حـــوالـــي %90 من الشعب التونسي يتغيب عن أداء واجبه، وهــو مـا وصـفـه عميد املحامني السابق واملـــــتـــــرشـــــح الــــحــــالــــي ملـــجـــلـــس الـــــنـــــواب، إبــراهــيــم بـــودربـــالـــة، بـالـاوطـنـيـة، إال أن ريــــاح الــــدور الــثــانــي مــن االنــتــخــابــات لم تـأت بما تشتهيه سفن الرئيس املبحرة في أمواج العجز السياسي واالقتصادي املــتــتــالــي. األمــــر الــــذي جـعـلـه يـفـسـر هــذا الفشل املـتـكـرر بـانـعـدام ثقة التونسيني فـــي الـــبـــرملـــان، أي الــنــظــام الــبــرملــانــي، في مـــحـــاولـــة مـــنـــه لـــشـــرعـــنـــة مــــا قـــــام بــــه مـن انقاب على هذا النظام واستحواذه على كـــل الــســلــطــات. ال تــعــدو هـــذه املـــحـــاوالت لــلــقــفــز عـــلـــى الــــواقــــع الـــســـيـــاســـي املـــتـــأزم فـي الـبـاد أن تـكـون إال شبيهة برياضة القفز بالزانة أو الهروب إلى القاع، حيث تبحث منظومة 25 يوليو، عقب كل عثرة، عـــن شــمــاعــة تـخـفـي خـلـفـهـا عــجــزهــا عن إدارة شـؤون الباد، وحتى إدارة شؤون انقابها املرتبك الـذي سرعان ما أصبح مـــعـــزوال ومـــرفـــوضـــا مـــن مــجــمــل الـطـيـف الحزبي واملدني والشعبي. وقـــــــد تــــزامــــنــــت هـــــــذه االنـــــتـــــخـــــابـــــات مــع تــخــفــيــض تــصــنــيــف تـــونـــس مــــن وكـــالـــة مـــوديـــز لـلـتـصـنـيـف االئــتــمــانــي الـعـاملـيـة إلـــى درجــــة ،caa2 وهـــي املــرحــلــة مـــا قبل األخيرة، أي ما قبل اإلعـان عن اإلفاس الــرســمــي لــلــدولــة وعــجــزهــا عـــن تـسـديـد ديونها... عزلة وطنية سياسية لانقاب ترافقها مخاطر اقـتـصـاديـة وتـحـذيـرات مالية دولـيـة لـم تؤثر فـي خـيـارات قيس سعيد الـفـرديـة، ولــم تجعله يفكر وهلة بـــضـــرورات الـتـراجـع واســتــبــدال املغالبة بالحوار والتعاون، رغم تعدد املبادرات الساعية إلى إنقاذه، فبعد أن عبر االتحاد الــعــام الـتـونـسـي للشغل عــن عــزمــه على طرح مبادرة وطنية لإلنقاذ تحت سقف شـــعـــارات 25 يــولــيــو، ومـــن دون تشريك لألحزاب، لم تتوان سلطات االنقاب في التضييق على نشاط املنظمة التشغيلية الكبرى، ومغازلة غريمها النقابي اتحاد عمال تونس. لم يكن هذا السلوك غريبا عـــن هــــذه املــنــظــومــة، فــكــل مـــن اقـــتـــرب أو حــــاول الــتــقــرب مــن قـيـس سـعـيـد احـتـرق بـــنـــار تــــفــــرده وعــــنــــاده الـــســـيـــاســـي، الـــذي يـسـتـوجـب الــتــصــدي لـــه بـــوحـــدة وطنية جــادة وملتزمة بقضايا الباد الحارقة، وليس بمبادرات صفراء إقصائية. هـــنـــاك فـــــرص عــــديــــدة لـــلـــمـــعـــارضـــة، رغـــم قتامة الوضع لتأسيس أرضية مشتركة مع تقاطعات سياسية عقانية للتصدي ملــســار إنـــهـــاك الـــدولـــة وإفــاســهــا، طبعا إن تـخـلـت عـــن وهـــم الـزعـامـتـيـة والـطـمـع السريع في مرحلة ما بعد االنقاب التي يستغلها رأس الدولة في تشتيت املشتت وتجزيء املجزأ وتمديد أنفاسه.