Al Araby Al Jadeed

الهروب في تونس إلى القاع

- محمد خليل برعومي

كــــــان مـــــن املـــنـــ­تـــظـــر أن يــــخــــ­رج الـــرئـــ­يـــس الــتــونـ­ـســي قــيــس ســعــيــد، للتعليق على نـــتـــائ­ـــج االنـــتــ­ـخـــابـــ­ات الــتــشــ­ريــعــيــ­ة الــتــي انـــتـــظ­ـــمـــت نــــهــــ­ايــــة األســــــ­بــــــوع املـــــاض­ـــــي، خصوصا بعدما تكرر الفشل في الـدور الــثــانـ­ـي الــــذي تـمـظـهـر فـــي نـسـب اإلقــبــا­ل الضعيفة جدا ،)%11( وعزوف املواطنني عن عملية االقتراع. كـــــان الـــــــد­ور األول صــفــعــة قـــاســـي­ـــة عـلـى وجـــه الــرئــيـ­ـس الــــذي لـطـاملـا تـفـاخـر على مــعــارضـ­ـيــه بـشـعـبـيـ­تـه الـــواســ­ـعـــة، وبــأنــه املــمــثـ­ـل الــوحــيـ­ـد لــــــارا­دة الــشــعــ­بــيــة، كما كـان صفعة على وجـه هيئة االنتخابات التي لم تتوان في تطويع كل اإلجــراءا­ت لصالح مشروع الرئيس. إال أن هـــــــذا اإلخــــــ­فــــــاق لـــــم يـــمـــنـ­ــع قــيــس ســعــيــد وأنــــصــ­ــاره مـــن الــتــأكـ­ـيــد عــلــى أن هـذه االنتخابات املوضوعة على مقاس الـــســـل­ـــطـــة ال يـــمـــكـ­ــن تـــقـــيـ­ــيـــمـــ­هـــا إال بــعــد اســتــيــ­فــاء دورتـــيــ­ـهـــا، واثـــقـــ­ني مـــن ارتــفــاع نسب اإلقـبـال على الصناديق فـي الـدور الـثـانـي، زاعــمــني، فـي اآلن ذاتـــه، أن غياب املــــال الــســيــ­اســي جــعــل حـــوالـــ­ي %90 من الشعب التونسي يتغيب عن أداء واجبه، وهــو مـا وصـفـه عميد املحامني السابق واملـــــت­ـــــرشـــ­ــح الــــحـــ­ـالــــي ملـــجـــل­ـــس الـــــنــ­ـــواب، إبــراهــي­ــم بـــودربــ­ـالـــة، بـالـاوطـن­ـيـة، إال أن ريــــاح الــــدور الــثــانـ­ـي مــن االنــتــخ­ــابــات لم تـأت بما تشتهيه سفن الرئيس املبحرة في أمواج العجز السياسي واالقتصادي املــتــتـ­ـالــي. األمــــر الــــذي جـعـلـه يـفـسـر هــذا الفشل املـتـكـرر بـانـعـدام ثقة التونسيني فـــي الـــبـــر­ملـــان، أي الــنــظــ­ام الــبــرمل­ــانــي، في مـــحـــاو­لـــة مـــنـــه لـــشـــرع­ـــنـــة مــــا قـــــام بــــه مـن انقاب على هذا النظام واستحواذه على كـــل الــســلــ­طــات. ال تــعــدو هـــذه املـــحـــ­اوالت لــلــقــف­ــز عـــلـــى الــــواقـ­ـــع الـــســـي­ـــاســـي املـــتـــ­أزم فـي الـبـاد أن تـكـون إال شبيهة برياضة القفز بالزانة أو الهروب إلى القاع، حيث تبحث منظومة 25 يوليو، عقب كل عثرة، عـــن شــمــاعــ­ة تـخـفـي خـلـفـهـا عــجــزهــ­ا عن إدارة شـؤون الباد، وحتى إدارة شؤون انقابها املرتبك الـذي سرعان ما أصبح مـــعـــزو­ال ومـــرفـــ­وضـــا مـــن مــجــمــل الـطـيـف الحزبي واملدني والشعبي. وقـــــــد تــــزامــ­ــنــــت هـــــــذه االنـــــت­ـــــخــــ­ـابـــــات مــع تــخــفــي­ــض تــصــنــي­ــف تـــونـــس مــــن وكـــالـــ­ة مـــوديـــ­ز لـلـتـصـنـ­يـف االئــتــم­ــانــي الـعـاملـي­ـة إلـــى درجــــة ،caa2 وهـــي املــرحــل­ــة مـــا قبل األخيرة، أي ما قبل اإلعـان عن اإلفاس الــرســمـ­ـي لــلــدولـ­ـة وعــجــزهـ­ـا عـــن تـسـديـد ديونها... عزلة وطنية سياسية لانقاب ترافقها مخاطر اقـتـصـادي­ـة وتـحـذيـرا­ت مالية دولـيـة لـم تؤثر فـي خـيـارات قيس سعيد الـفـرديـة، ولــم تجعله يفكر وهلة بـــضـــرو­رات الـتـراجـع واســتــبـ­ـدال املغالبة بالحوار والتعاون، رغم تعدد املبادرات الساعية إلى إنقاذه، فبعد أن عبر االتحاد الــعــام الـتـونـسـ­ي للشغل عــن عــزمــه على طرح مبادرة وطنية لإلنقاذ تحت سقف شـــعـــار­ات 25 يــولــيــ­و، ومـــن دون تشريك لألحزاب، لم تتوان سلطات االنقاب في التضييق على نشاط املنظمة التشغيلية الكبرى، ومغازلة غريمها النقابي اتحاد عمال تونس. لم يكن هذا السلوك غريبا عـــن هــــذه املــنــظـ­ـومــة، فــكــل مـــن اقـــتـــر­ب أو حــــاول الــتــقــ­رب مــن قـيـس سـعـيـد احـتـرق بـــنـــار تــــفــــ­رده وعــــنـــ­ـاده الـــســـي­ـــاســـي، الـــذي يـسـتـوجـب الــتــصــ­دي لـــه بـــوحـــد­ة وطنية جــادة وملتزمة بقضايا الباد الحارقة، وليس بمبادرات صفراء إقصائية. هـــنـــاك فـــــرص عــــديـــ­ـدة لـــلـــمـ­ــعـــارضـ­ــة، رغـــم قتامة الوضع لتأسيس أرضية مشتركة مع تقاطعات سياسية عقانية للتصدي ملــســار إنـــهـــا­ك الـــدولــ­ـة وإفــاســه­ــا، طبعا إن تـخـلـت عـــن وهـــم الـزعـامـت­ـيـة والـطـمـع السريع في مرحلة ما بعد االنقاب التي يستغلها رأس الدولة في تشتيت املشتت وتجزيء املجزأ وتمديد أنفاسه.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar