لماذا يغادر السود نيويورك؟
كـانـت مدينة نـيـويـورك تضم الـعـديـد من األمـيـركـيـن مــن بـيـئـات وأعــــراق مختلفة. وكـــــــان الــــســــود مــــوجــــوديــــن بـــكـــثـــرة فـيـهـا وشـكـلـوا جـــزءًا مــن هـويـة املــديــنــة، وخـصـوصـا من النواحي الثقافية واالجتماعية والفنية. واقع بدأ يتغير في الفترة األخـيـرة في ظل مـغـادرة العديد من العائالت ذات البشرة السوداء املدينة تدريجيا. وبحسب صحيفة «نــيــويــورك تـايـمـز» األميركية، تـشـهـد املــديــنــة تــغــيــرات ديــمــوغــرافــيــة عـــديـــدة، مع هـجـرة الـعـائـالت الـــســـوادء. وخـــالل األعــــوام مـا بن 2010 ،2020و ارتــفــع عــدد الـسـكـان فــي املـديـنـة من جـراء زيـادة عدد اآلسيوين واملتحدرين من أصل إســـبـــانـــي، فــيــمــا انــخــفــض عــــدد الــــســــود. ويـعـكـس هــذا توجه الشباب الـسـود والـعـائـالت مـن الطبقة املتوسطة واملتقاعدين إلى مغادرة املدن في الشمال الشرقي والغرب األوسـط والتوجه نحو الجنوب. وانخفض عدد السكان السود في نيويورك بنحو 200000 شـــخـــص خـــــالل الـــعـــقـــديـــن املـــاضـــيـــن، أو حوالي 9 في املائة. وفي الوقت الحالي، فإن واحدًا من كل خمسة أشخاص ليسوا من أصـل إسباني هو شخص أسود، باملقارنة مع واحد من كل أربعة في عام 2000 استنادًا إلى أحدث البيانات. وتلعب الـعـوامـل االقـتـصـاديـة واالجـتـمـاعـيـة دورًا
فــي خفض عــدد األمـيـركـيـن الــســود، إذ إن ارتـفـاع األسعار، من بينها تكاليف التعليم واالستشفاء، دفعت العائالت لالنتقال إلى مناطق أخرى. نشأت أثينا رودني في أحياء في بروكلن (إحدى البلدات الخمس فـي مدينة نـيـويـورك) التي يقطن السود فـــي مــعــظــمــهــا. تــخــرجــت مـــن املـــــــدارس الـحـكـومـيـة والـتـحـقـت بـكـلـيـة الــفــنــون الـــحـــرة بـمـنـحـة دراســيــة كاملة، ثم وجـدت نفسها تعيش في شقة صغيرة بــاإليــجــار تـتـضـمـن غــرفــة نـــوم واحـــــدة، ويـتـشـارك أطفالها الثالثة سريرًا بطابقن في غرفة املعيشة. كـــان مــن الـصـعـب إلـحـاقـهـم بـــأي أنـشـطـة ترفيهية، فقررت التوجة إلى والية جورجيا (جنوب شرق). وأثــــــر نــــــزوح رودنـــــــي وغـــيـــرهـــا عـــلـــى الــســيــاســات الـــعـــامـــة الـــتـــي تــضــعــهــا الــســلــطــات فـــي مـــا يتعلق بتنويع الفئات االجتماعية والعمرية. يشار إلى أن االنــخــفــاض شــمــل األطـــفـــال واملـــراهـــقـــن الــســود الذين يعيشون في املدينة بنسبة أكبر (أكثر من 19 فـــي املـــائـــة مـــن عــــام 2010 وحـــتـــى عــــام .)2020 وأدى التضخم املرتفع مـع انحسار وبــاء كورونا إلــى إلـحـاق الـضـرر بسكان نـيـويـورك فـي مجاالت مـخـتـلـفـة، إال أن الــعــائــالت الـــســـوداء كــانــت األكــثــر تــــأثــــرًا، واضـــطـــر الـــعـــديـــد مــنــهــا إلــــى تــــرك الــبــيــوت املستأجرة والتوجه إلى منازل اإليـواء الحكومية. وتــواجــه الـعـائـالت الــســوداء تـحـديـات عــدة تتعلق بالسياسات التمييزية وخصوصا في ما يتعلق
بالرواتب. ويبلغ متوسط دخل تلك األسر 53 ألف دوالر مقارنة بنحو 98 ألف دوالر لألسر البيضاء، مـا يعد سببا لـقـرار بعض الـسـود تــرك نيويورك. إال أن الــهــجــرة الـجـمـاعـيـة لــلــســود مـــن شــأنــهــا أن تــتــرك تــأثــيــرات عميقة عـلـى الـنـسـيـج االجـتـمـاعـي واالقــتــصــادي وحـتـى الـثـقـافـي، ويمكن قـــراءة تلك التأثيرات وفق ما يلي: أوال: مــخــاوف مــن نقص الـيـد العاملة املــاهــرة في قطاعات حيوية. إذ يخشى العديد من السياسين واالقـــتـــصـــاديـــن مـــن أن تــــؤدي هــجــرة الـــســـود إلــى نـــقـــص الـــيـــد الـــعـــامـــلـــة فــــي املـــديـــنـــة، وتـــحـــديـــدًا فـي قــطــاعــات االســتــشــفــاء وقـــطـــاع الــتــمــريــض. ثـانـيـا: هناك مخاوف من تغيير الوجه الثقافي للمدينة. ويــقــول مــخــرج األفــــالم والــكــاتــب واملــنــتــح واملـمـثـل األمـــيـــركـــي ســبــايــك لــــي: «أخـــشـــى أن تـفـقـد املـديـنـة بريقها الـثـقـافـي. كـانـت نـيـويـورك مـهـدًا ملوسيقى الهيب هوب، والتي تشكلت بفضل السود». ثالثا: تغيرات في البيئة الديموغرافية والعرقية. تزداد املـــخـــاوف مـــن أن تـصـبـح نـــيـــويـــورك مـنـطـقـة ثـريـة مـخـصـصـة ألصـــحـــاب الـــبـــشـــرة الــبــيــضــاء يصعب التعايش بن مكوناتها. ويشكل السكان البيض اآلن حوالي 31 في املائة من السكان، والسكان من أصل إسباني 28 في املائة، واآلسيويون حوالي 16 في املائة. لم يتغير تعداد السكان البيض تقريبا فيما ازداد اآلسيويون بنسبة 34 في املائة، كما زاد عدد السكان من أصل إسباني بنسبة 7 في املائة. رابــــــعــــــا: تــــداعــــيــــات عـــلـــى نــــظــــام الـــتـــعـــلـــيـــم. كـــانـــت النخفاض عــدد الـعـائـالت الـسـود تـداعـيـات كبيرة عــلــى نـــظـــام الــتــعــلــيــم، إذ انــخــفــض عــــدد املــــــدارس، واضطر املعلمون لالنتقال إلى أماكن أخرى. بشكل عـام، خسرت املــدارس الحكومية أكثر من 100000 تلميذ خـالل السنوات الخمس املاضية. ففي عام ،2005 كــان األطــفــال الـسـود يشكلون 35 فـي املائة من رياض األطفال وحتى الصف الثاني عشر في نيويورك، لتتراجع النسبة إلى 20 في املائة.