Al Araby Al Jadeed

هل ما يزال اإلسالم السياسي البراغماتي بديًال للحكم؟

إطالالت على مصر وتونس والمغرب

- أحمد بسيوني

خالل مســار الربيع العربي وصلت بعض أحزاب اإلســالم السياسي إلى السلطة، وقد بيّن ســلوكها عدم جهوزيتها إلدارة الدولة واستالم الحكم، من دون أن يعني ذلك تحميلها وحدها مسؤولية الفشل، فاألمر يعود إلى وجود مشكالت بنائية ترتب عليها عدم توازن في وظائف الدولة. وهذا ما تبحث فيه المطالعة التالية

عــــــاش اإلســــــ­ـــام الـــســـي­ـــاســـي بــعــد ثـــــورات الــربــيـ­ـع الــعــربـ­ـي تــحــديــ­ات واجــهــت اسـتـمـرار­يـتـه حــزبــا أول، وتــجــربـ­ـة ديــمــقــ­راطــيــة ثـــانـــي­ـــا، ومــــع تـصـاعـد نجم أحـــزاب اإلســـام الـسـيـاسـ­ي، باعتبارها مــــخــــ­رجــــات ثــــــــو­رات الـــربـــ­يـــع الــــعـــ­ـربــــي، لـيـس كـــأســـا­س وجــــــود­ي، وإنـــمـــ­ا بـــروزهــ­ـم مــن أجـل ديـــمـــق­ـــراطـــي­ـــة مــقــبــل­ــة، أي إعــــــاد­ة األمــــــ­ور إلــى نــصــابــ­هــا الــحــقــ­يــقــي، وإشـــــــ­راك األحــــــ­ـزاب في الـــعـــم­ـــلـــيــ­ـة الـــديـــ­مـــقـــرا­طـــيـــة، كـــمـــا شـــهـــدن­ـــا فـي الـــحـــا­لـــتـــن، الــتــونـ­ـســيــة واملــــصـ­ـــريــــة، مـــن أجــل الــعــبــ­ور عــبــر الـــتـــح­ـــديـــات املــؤســس­ــاتــيــة، إلــى ديمقراطية الــدولــة، تبدأ بالسماح لحركات اإلسام السياسي املشاركة السياسية، إل أن هذه األحزاب واجهت السقوط والفشل، ولكن ألســبــاب متباينة. كـــان الــهــدف مــن الــثــورا­ت، وانــتــخـ­ـاب نــجــم اإلســامــ­يــن وصـــعـــو­ده، هو تـطـبـيـق الـــحـــر­يـــة/ الـــديـــ­مـــقـــرا­طـــيـــة، والـــعـــ­دالـــة الجـــتـــ­مـــاعـــي­ـــة/ الــــتـــ­ـوزيــــع الـــــعــ­ـــادل لـــلـــثـ­ــروات والـــــفـ­ــــرص، وتـــحـــر­يـــر اإلرادة الـــوطـــ­نـــيـــة مـن الهيمنة الدولية، أي إعادة بناء دولة وطنية بـنـخـب جــديــدة، وهـنـا الــســؤال الـــذي يصاعد لنا، مـا مــدى ّقــدرة اإلسامين على تجسيد الدولة الوطنية؟ فـــي خــضــم الــفــشــ­ل الـهـيـكـل­ـي لــلــدولـ­ـة فـــي أداء وظـائـفـهـ­ا، كالفشل املــؤّســســاتــ­ي الـــذي رفـض إدماج أحزاب سياسية في عملية بناء القرار الـــســـي­ـــاســـي، ومــــــدى وجــــــود مـــفـــهـ­ــوم «الــــدولـ­ـــة الـعـمـيـق­ـة» وتـغـلـغـل­ـه فـــي املــؤســس­ــات الـتـابـعـ­ة الـدولـة، وتفاعل القوى الفاعلة غير املنتخبة فــــي الـــتـــأ­ثـــيـــر عـــلـــى اكـــتـــم­ـــال إدمـــــــ­ـاج حـــركـــا­ت اإلســــــ­ام الــســيــ­اســي فـــي مـــؤســـس­ـــات الــــدولـ­ـــة. وإن كــــان هــنــالــ­ك فــشــل ل يــتــحــم­ــلــه اإلســــام

ّّ الـــســـي­ـــاســـي، وإنــــمــ­ــا أيـــضـــا تــتــحــم­ــلــه، بــدرجــة أولــــــى، الــــدولـ­ـــة الـــعـــر­بـــيـــة، ألنـــهـــ­ا عــمــلــت على وقــــف الــتــحــ­ولــن، الــلــيــ­بــرالــي والــديــم­ــقــراطــ­ي، عبر مجموعة مــن الـسـلـوكـ­يـات السـتـبـدا­ديـة والعنف املفرط. ويعود سبب ذلك إلى معاناة الـدولـة العربية من فشل مؤسساتي ل يتيح لــــإســـ­ـام الـــســـي­ـــاســـي النـــــدم­ـــــاج، ولـــيـــس هـــذا الفشل فقط امتدادا لبناء الدولة العربية بعد الستعمار، وإنما هو فشل اختياري، توجهت

ّّ «الـــبـــي­ـــروقـــر­اطـــيـــة» الــعــربـ­ـيــة نـــحـــوه، وثــبــتــ­تــه. لــذلــك ل يمكننا الــحــديـ­ـث عـــن عـــدم جــهــوزيـ­ـة حركات اإلسام السياسي فقط، وإنما وجود مشكات بنائية تـرتـب عليه عــدم تـــوازن في وظائف الدولة. وعليه، كانت النتيجة انفجار هـذا الخلل في خضم وجــود حركات اإلسـام السياسي في السلطة.

مصر، تونس، المغرب

ِّ تطرق باحثون عديدون للحالة املصرية، من أجــل وصــف طبيعة النظام الــذي يتفاعل مع املجتمع، حيث يرى ويليام تايلور في الدولة املصرية رؤيــة عسكرية، واملتمثلة في تدخل الجيش في الحياة السياسية، ربطها بالهوية الـثـقـافـ­يـة لـلـعـسـكـ­ري، واملــصــا­لــح الشخصية والعسكرية، باإلضافة إلى ضعف املؤسسات السياسية، وحجم املؤسسة العسكرية. وبما أن الحركة الديمقراطي­ة فـي الــدولــة املصرية فشلت بسبب األدوار غير الفاعلة في الدولة، عـــــــاو­ة عـــلـــى ذلــــــك، األيـــديـ­ــولـــوجـ­ــيـــة الــديــنـ­ـيــة وفشلهاّ في ضم ّالشارع لها، أتاح للمؤسسة العسكرية املصرية أداء دور سياسي وكسب تــأيــيــ­د شــعــبــي، بـصـفـتـهـ­م «مــشــروعـ­ـا وحــيــدا قابا للتحقيق»، وهذا ما جاء نقيضا ملا ذكره صموئيل هنتغتون، عندما دعـا إلـى تطبيق نـــظـــام «الــــرقــ­ــابــــة الــــحـــ­ـيــــاديـ­ـــة»، والــــتــ­ــي تـعـنـي فــصــل الــحــكــ­م املـــدنــ­ـي واملـــمــ­ـارســـة الـعـسـكـر­يـة، أي يــجــب عــلــى الــــقـــ­ـادة الــســيــ­اســيــن تـحـديـد الهدف من وجود العسكر، وأل يتدخل املدني فـــي تـفـاصـيـل عــمــل الــعــســ­كــري، وكـــذلـــ­ك يبقى العسكري بعيدا عن السياسية، ويبقى دوره مهنيا ل سـيـاسـيـا. لـكـن فــي ظـــل المــتــيـ­ـازات الــكــبــ­يــرة الـــتـــي حــظــي بــهــا الــجــيــ­ش املــصــري تراكميا عبر السنوات، وقدرته على الحفاظ على مهنيته ومصالحه، بقي بعيدا عن ثورة 25 يناير ،2011 ولــم يتدخل إل عندما شعر بــــأن الـــثـــو­رة ســتــؤثــ­ر عــلــى مــصــالــ­حــه وأجــبــر

ِّّ مبارك على التنحي. في السياق نفسه، تدخل مـــــرة أخــــرى لـتـنـحـيـ­ة الــرئــيـ­ـس مـحـمـد مـرسـي فــــي 30 يـــونـــي­ـــو ،2013 مــســتــغ­ــا املـــظـــ­اهـــرات الـــتـــي جـــابـــت الـــــشــ­ـــوارع ضـــــد حـــكـــم «اإلســــــ­ام الــســيــ­اســي»، وبــالــتـ­ـالــي وصـــــف هـــذا الـتـدخـل بانقاب عسكري. وأصـبـح اآلن دور الجيش املـصـري حماية النظام، بعد أن وضــع نفسه في خانة الَحَكم على الثورات. ذهبت دراسات أخـرى إلـى تفسير أسباب خسارة «اإلخــوان» حـــكـــم مــــصــــ­ر، عـــلـــى الـــصـــع­ـــيـــد الجـــتـــ­مـــاعـــي، يـــعـــود إلــــى خـــســـار­ة اإلخــــــ­ـوان املــســلـ­ـمــن أهــم فئتن اجتماعيتن، طبقة الـفـقـراء، والطبقة الوسطى، وأيضا إلى أدلجة الدولة املصرية، أي إقامة دولة الحزب على أساس أيديولوجي فــي املـسـتـوي­ـات الـوسـطـيـ­ة مــن الـبـيـروق­ـراطـيـة املصرية التليدة، باإلضافة إلى تهميش دور املـرأة في املجتمع. وعلى الصعيد السياسي، ذهبت إلى التوقعات الشعبية التي صاحبت الغليان الثوري ّللمجتمع املصري، وتحديات اإلســـام السياسي بعدما وصــل إلــى الحكم، ومحاولته إنقاذ الدولة املصرية من النهيار الــــــــ­ـذي وصـــــلــ­ـــت إلـــــيــ­ـــه بـــفـــعـ­ــل حــــكــــ­م الـــرئـــ­يـــس حسني مــبــارك، وعـلـى البرنامج القتصادي لـــإخـــو­ان املـسـلـمـ­ن، فـلـم يـكـن هـنـالـك نـمـوذج تنمية اقـتـصـادي­ـة يستجيب ملطالب الشعب املصري، وأيضا عدم خبرة اإلخوان املسلمن

ّّ عـلـى قــيــادة الـــدولــ­ـة، والـعـمـلـ­يـات الـدسـتـور­يـة الفاشلة وأيضا عـداء البيروقراط­ية املصرية ومــؤســسـ­ـات الـــدولــ­ـة لـــإخـــو­ان املـسـلـمـ­ن. ولـم تتخيل أدبيات العقل العربي أن تصل جماعة اإلخـــوان املسلمن إلـى السلطة، كونها كانت محظورة قانونيا، وكانت تمارس أعمالها في الخفاء، ليس بصفتها جماعة سـريـة، وإنما بصفتها جماعة تعيش حالة قمع سياسية واجتماعية، هــذه الجماعة الـتـي انتقلت من مربع املعارضة إلى قمة هرم السلطة املصرية، وهذه املفاجأة، ألن الجماعة كانت تطمح إلى بناء شرعية لوجودها، أي البحث عن اعتراف رســـمـــي بـــهـــا، عــــن طـــريـــق الـــســـم­ـــاح ألفــــراد­هــــا بالعمل، إل أن «اإلخــوان» وصلوا إلى الحكم، بطريقة ديمقراطية. وكان الرئيس مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ الدولة املصرية الحديثة. وبالتالي، ومع صدمة الوصول إلى الحكم، اعتبرت األدبــيــ­ات أن أخـطـاء اإلخــوان

ّّ املــســلـ­ـمــن كــــثــــ­رت، وكــــــان أول خـــطـــأ حـقـيـقـي تعديل الدستور عبر منح صاحيات واسعة لرئيس السلطة دونــا عن السلطات األخــرى، باإلضافة إلى تكاتف األحــزاب الليبرالية مع املـنـظـوم­ـة الـعـسـكـر­يـة مــن أجـــل الـتـخـلـص من وجـــود اإلخــــوا­ن فـي رأس الــهــرم، وتشكيل ما يسمى بجبهة اإلنقاذ، والتي كانت مكونة من مجموعة من البيروقراط­ين، وأيضا الفاعلن غير املنتخبن، أي «الدولة العميقة».

ًً من جهة أخرى، كان اإلسام السياسي تونسيا ممثا في حركة النهضة التونسية، حاضرا في خضم غياب السلطة السياسية التي وقع إسقاطها جراء الثورة، والجدل الحاصل بن الخطاب السياسي للحركات اإلسامية الذي يـنـادي فـي باطنه تطبيق الـدولـة اإلسامية، انصهر وانــدمــج ضمن حـــدود دولـــة القانون واحـــــتـ­ــــرام الــــســـ­ـيــــادة، بـــاإلضــ­ـافـــة إلـــــى تـفـعـيـل مـــبـــاد­ئ املــــســ­ــاواة والـــحـــ­ريـــات الـــعـــا­مـــة، وهــي مـــؤشـــر­ات الـــدولــ­ـة املـــدنــ­ـيـــة، وأصــبــحـ­ـت حـركـة النهضة واقعة في هذا الصراع، بعد أن كانت رافـــضـــ­ة الــديــمـ­ـقــراطــي­ــات بــاعــتــ­بــارهــا تـقـلـيـدا للنظم الــغــربـ­ـيــة، ولـكـنـهـا تــحــولــ­ت فـيـمـا بعد إلى اختيار التيار العتدالي الوسطي إلدارة املـرحـلـة النـتـقـال­ـيـة، الـــذي يــوافــق بــن الــواقــع الجتماعي والشمولية اإلسامية يرافقهما النـــفـــ­تـــاح عـــلـــى الـــحـــد­اثـــة الـــعـــا­ملـــيـــة، وهـــــو مـا كــان واضــحــا جليا فـي الـبـرنـام­ـج النتخابي لـحـزب الـنـهـضـة، مــا أشـعـل أزمـــة هــويــة داخــل الـــحـــز­ب اإلســــام­ــــي، ألّنـــــه تــخــّلــى عـــن نـشـاطـه الــدعــوي، وركـــز فـي العمل السياسي، مـا أدى إلــــى عــــدم تــكــيــف­ــه مـــع كـــونـــه قـــــوة قــــــادر­ة على التغيير الجـتـمـاع­ـي والقــتــص­ــادي، وهـــذا ما كـان واضحا عندما أصــرت قيادة «النهضة» على التأقلم بعد مؤتمر عـام 2016 والتركيز عــلــى الــعــمــ­ل الــســيــ­اســي مـــع مـــا يـقـتـضـيـ­ه من التحفيزات للحفاظ على القاعدة األساسية ألنصار الحزب. ومـن التحديات التي واجهها حـزب النهضة ومنعته من استمراريته في ممارسة الحكم، عدم معرفته كيفية اشتغال الدولة، ألن الدولة الـعـربـيـ­ة، بطبيعة الــحــال، مبنية على شبكة راسخة من المتيازات واملصالح، وحاجتها لـلـخـبـرا­ت والـــدراي­ـــة الـتـكـنـو­قـراطـيـة. وانـتـهـت قصة حزب النهضة في تونس بعد القرارات املتتالية للرئيس قيس سعيد الغريبة، فقد انـقـلـب عـلـى املـــســـ­ار الــديــمـ­ـقــراطــي فـــي الــبــاد، بعد أن جمد عمل البرملان الذي يسيطر عليه حزب النهضة اإلسامي، ورفع الحصانة عن النواب وإعفاء رئيس الوزراء هشام املشيشي وتولي السلطة التنفيذية، عبر تعين رئيس وزراء جديد، حتى وصل به األمر إلى التهديد بــحــل املــجــلـ­ـس األعـــلــ­ـى لــلــقــض­ــاء، والــــــذ­ي فيه تجاوز للدستور التونسي، باعتباره انقابا صريحا، وحصر السلطات في قبضة سعيد، لكن املفارقة بن تجربتي النقاب في تونس ومــصــر، أن الـنـخـب الـتـونـسـ­يـة ومؤسساتها املــدنــي­ــة، وبـــخـــا­ف الــحــالـ­ـة املـــصـــ­ريـــة، رفـضـت «انـــــقــ­ـــاب» قـــيـــس ســـعـــيـ­ــد. وهـــنـــا­لـــك مـــخـــاو­ف حقيقية مــا زالـــت ظــاهــرة مــن تعطيل املـسـار الديمقراطي في تونس، وهذا ل يعني تأييد حــــزب الــنــهــ­ضــة، وإنـــمـــ­ا تـحـمـيـلـ­هـا جـــــزءا من املسؤولية عما آلت إليه األوضاع. وبالنسبة للمغرب، فقد مـنـي حــزب اإلســام الـــســـي­ـــاســـي، الــــعـــ­ـدالــــة والـــتـــ­نـــمـــيـ­ــة، بـــخـــسـ­ــارة فـــي شـعـبـيـتـ­ه بــعــد ســقــوطــ­ه فـــي النــتــخـ­ـابــات الــتــشــ­ريــعــيــ­ة بــعــد مـــــرور عــشــر ســـنـــوا­ت على تــصــدره املشهد السياسي فـي املــغــرب، وهـذا يعود إلـى أسباب عــدة، أهمها افتقاد الحزب برنامجا اقتصاديا - اجتماعيا يحقق العدالة. وفـــي خـضـم مـتـابـعـة أداء اإلســــام السياسي منذ ثـورات الربيع العربي وحتى عام ،2019 كان من الواضح تطبيع الحركات اإلسامية مع الواقع العربي، بكل ما تحمله الكلمة من مــعــنــى، بــعــد أن كـــانـــت الـــحـــر­كـــات اإلســامــ­يــة تـــــعـــ­ــارض أنـــظـــم­ـــة الـــحـــك­ـــم وطــــريــ­ــقــــة الـــحـــك­ـــم، أصبحت جزء ا منها، كما سياسة التطبيع مع دولة الحتال اإلسرائيلي، ولربما هي كانت الفضيلة الوحيدة املتبقية لتيارات اإلســام السياسي، وهـو موقفها الـصـارم من العاقة مــع إســرائــي­ــل، إل أن رئــيــس حـكـومـة املــغــرب، ورئيس حـزب العدالة والتنمية (اإلسـامـي)، سـعـد الــديــن الـعـثـمـا­نـي، وقـــع ثـــاث اتفاقيات تــطــبــي­ــع مــــع دولــــــة إســــرائـ­ـــيــــل. وهـــنـــا يـمـكـنـنـ­ا الفهم أن اإلسامين في السلطة واملعارضة، يتحركون ويتصرفون كما الفواعل السياسية األخرى، لتحقيق أهداف مبنية وفق تحالفات ل أيـــــديـ­ــــولــــ­ـوجـــــيـ­ــــات، ويــــتـــ­ـصــــرفــ­ــون كـــمـــا أي حـــاكـــم عـــربـــي، آخــــــذا النـــتـــ­هـــازيـــ­ة الــســيــ­اســيــة «تـــجـــرب­ـــة ومـــمـــا­رســـة» قــديــمــ­ة وحـــديـــ­ثـــة، كما لـو أن الــثــورا­ت لـم تـحـدث، وهــذا ل يـعـد خلا فـــي اإلســـــا­م الــســيــ­اســي، وإنـــمـــ­ا فـــي منظومة الــــدولـ­ـــة بــشــكــل عـــــام، ومـــــدى تــفــشــي عــامــات النتكاس السياسي. وهذا ما أثبتته حركات اإلسام السياسي، أن الدولة العربية مأزومة، وتجربة اإلسامين ومشاريعهم السياسية زادت الــــواقـ­ـــع تـــــأزمـ­ــــا، ألنــــهــ­ــا، فـــي مـعـظـمـهـ­ا، شعارات ابتعدت عن الواقع كثيرا، وتعرضت لنتكاسات بفعل عسكرة الــدول العربية، ما أثــــرت فــي ســـرديـــ­ة الـشـرعـيـ­ة ألحــــزاب اإلســـام الـــســـي­ـــاســـي، ألن األحــــــ­ـزاب فــشــلــت فـــي تـقـديـم سردية جديدة مغايرة لسردية القرن املاضي في بناء/ إصـاح دولـة عربية، وهـذا ما ظهر جــلــيــا عــنــدمــ­ا نــظــرت الــشــعــ­وب الــعــربـ­ـيــة إلــى األحزاب اإلسامية باعتبارها طرفا سياسيا، فاصلة بن املكون الديني للخطاب واملمارسة السياسية. والـصـراع الـذي يـدور اليوم داخل األنظمة العربية، إن بقي هنالك صـــراع، بن أحــــزاب اإلســــام الـسـيـاسـ­ي ومـــا يـقـابـلـه­ـا من تــــيــــ­ارات عــلــمــا­نــيــة، هـــو صـــــراع عــلــى الــنــفــ­وذ والــتــأي­ــيــد الــســيــ­اســي واســـتـــ­خـــدامـــ­ه الـتـعـبـئ­ـة والـــحـــ­شـــد، واإلســـــ­ـام أحــــد أدوات الــــصـــ­ـراع ل جوهره. في املوجة األولى من الربيع العربي كــــان اإلســـــا­م الــســيــ­اســي فـــي املـــعـــ­ارضـــة ضــد الحكام واألنظمة القائمة. وفي املوجة الثانية مـــن الــربــيـ­ـع الــعــربـ­ـي كـــان اإلســـــا­م الـسـيـاسـ­ي جـــزءا مـن الـنـظـام حـكـامـا أو داعــمــن، وأوجــد ديناميكية مختلفة لـإسـام السياسي كما «تــونــس، لـبـنـان، الـــســـو­دان الـــعـــر­اق»، وأصـبـح اإلسام السياسي داخل هذه األنظمة يحشد ضـد أطــراف أخــرى من اإلســام السياسي في الـّسـلـطـة. وبـبـسـاطـٍة شــديــدة، أظـهـر هــذا مدى عمق النقسام بن حركات اإلسام السياسي في العالم العربي، إذا هنالك فواعل تسيطر على السلوك السياسي عند اإلسام السياسي أكثر من األيديولوج­يا.

تعاني الدولة العربية من فشل مؤسساتي ال يتيح لإلسالم السياسي االندماج

ال تستطيع الحركات اإلسالمية أن تدير ظهرها وتتصرف كحزب يريد الوصول إلى السلطة فقط في خضم غياب الثوابت

خاتمة

إذا عندما نتحدث عن إســام سياسي بديا للحكم فــي املنطقة الــعــربـ­ـيــة، يـجـب أن يكون لـــإســـا­م الـسـيـاسـ­ي دور مـبـاشـر فـــي الــثــورة الديمقراطي­ة فـي الـــدول الـعـربـيـ­ة، كما حصل في النتخابات املصرية والتونسية واملغربية أيــــضـــ­ـا، وبـــالـــ­تـــالـــي دور اإلســــــ­ـام الــســيــ­اســي أســاســي فــي عملية الـتـحـول الـديـمـقـ­راطـي، ل أن يــكــون بــديــا بـالـكـامـ­ل عــن أنـظـمـة الـحـكـم، ألن لـــدى الـــدولــ­ـة الـعـربـيـ­ة ســيــرورة تاريخية ثقافية، ل يمكن تجاوزها ببساطة، خصوصا وأن معظم األنظمة العربية عاشت انقابات بينها وبـــن بعضها، والــتــي بــدورهــا عملت على ظهور فواعل داخل أطر الدولة، أصبحت

ّّ جزءا من مكونات الدولة العربية، كما الحالة فـــــي املـــنـــ­طـــقـــة، ألن هـــنـــال­ـــك خـــصـــوص­ـــيـــة فـي الـعـالـم الـعـربـي، وهـــذا مـا ذكـــره عـزمـي بشارة فـــي كــتــابــ­ه «املـــســـ­ألـــة الـــعـــر­بـــيـــة»، أن املـنـطـقـ­ة العربية ل تعيش حـالـة مـن ثـابـت، ومــا زالـت تناقش مفهوم الدولة، واألمة، والهوية، أي أن النظام ليس ثابتا ومتفقا عليه، بأمن قومي ونظام اقتصادي ثابت، والنتخابات تجري تحت ظــل هــذه الـثـوابـت. وبالتالي، لـو أرادت األنظمة العربية أن تبني ثـوابـت، يصبح أي حـزب إســام سياسي جــزءا من هـذه الثوابت املّتفق عليها، وتستطيع أن تِصل إلى الّسلطة بانتخابات من دون أن تكون بديا صارخا،

ًٍ وإنما مرورا ديمقراطيا. األهم من هذا، ل تستطيع الحركات اإلسامية أن تــــديـــ­ـر ظـــهـــره­ـــا وتــــتـــ­ـصــــرف كــــحــــ­زب يــريــد الــوصــول إلــى السلطة فقط فــي خـضـم غياب الثوابت. وعليه، تعيش أزمة هوية كما حصل فـــي الــحــالـ­ـتــن الــتــونـ­ـســيــة واملـــغــ­ـربـــيـــ­ة. وعـلـى هـــــذا، الـــهـــد­ف مـــن وجـــــود اإلســـــا­م الـسـيـاسـ­ي اليوم محاولة اإلجابة عم هي األمـة، وما هي الهوية، والـدولـة، وحتى مفهوم النظام، ولن يمكنك أن تـتـمـكـن مــن اسـتـيـعـا­ب «املــواطــ­نــة» مـــن دون فــهــم «األمــــــ­ــة»، وهـــــذا لـــن يــصــلــح إل فـي حالة واحـــدة، أن تستفيد أحـــزاب اإلسـام السياسي من تجربة التيار القومي العربي، والقوى الوطنية داخـل الباد العربية، لترى ما إذا كان اإلسام السياسي يمكنه أن يكون «بديا» ألنظمة الحكم، من دون أن يعيد تكرار تجربة الفشل.

 ?? )Getty( ?? احتجاج لحركة النهضة في العاصمة التونسية في ‪2021 /2 /27‬
)Getty( احتجاج لحركة النهضة في العاصمة التونسية في ‪2021 /2 /27‬

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar