هل ما يزال اإلسالم السياسي البراغماتي بديًال للحكم؟
إطالالت على مصر وتونس والمغرب
خالل مســار الربيع العربي وصلت بعض أحزاب اإلســالم السياسي إلى السلطة، وقد بيّن ســلوكها عدم جهوزيتها إلدارة الدولة واستالم الحكم، من دون أن يعني ذلك تحميلها وحدها مسؤولية الفشل، فاألمر يعود إلى وجود مشكالت بنائية ترتب عليها عدم توازن في وظائف الدولة. وهذا ما تبحث فيه المطالعة التالية
عــــــاش اإلســـــــــام الـــســـيـــاســـي بــعــد ثـــــورات الــربــيــع الــعــربــي تــحــديــات واجــهــت اسـتـمـراريـتـه حــزبــا أول، وتــجــربــة ديــمــقــراطــيــة ثـــانـــيـــا، ومــــع تـصـاعـد نجم أحـــزاب اإلســـام الـسـيـاسـي، باعتبارها مــــخــــرجــــات ثــــــــورات الـــربـــيـــع الــــعــــربــــي، لـيـس كـــأســـاس وجــــــودي، وإنـــمـــا بـــروزهـــم مــن أجـل ديـــمـــقـــراطـــيـــة مــقــبــلــة، أي إعــــــادة األمــــــور إلــى نــصــابــهــا الــحــقــيــقــي، وإشـــــــراك األحـــــــزاب في الـــعـــمـــلـــيـــة الـــديـــمـــقـــراطـــيـــة، كـــمـــا شـــهـــدنـــا فـي الـــحـــالـــتـــن، الــتــونــســيــة واملــــصــــريــــة، مـــن أجــل الــعــبــور عــبــر الـــتـــحـــديـــات املــؤســســاتــيــة، إلــى ديمقراطية الــدولــة، تبدأ بالسماح لحركات اإلسام السياسي املشاركة السياسية، إل أن هذه األحزاب واجهت السقوط والفشل، ولكن ألســبــاب متباينة. كـــان الــهــدف مــن الــثــورات، وانــتــخــاب نــجــم اإلســامــيــن وصـــعـــوده، هو تـطـبـيـق الـــحـــريـــة/ الـــديـــمـــقـــراطـــيـــة، والـــعـــدالـــة الجـــتـــمـــاعـــيـــة/ الــــتــــوزيــــع الـــــعـــــادل لـــلـــثـــروات والـــــفـــــرص، وتـــحـــريـــر اإلرادة الـــوطـــنـــيـــة مـن الهيمنة الدولية، أي إعادة بناء دولة وطنية بـنـخـب جــديــدة، وهـنـا الــســؤال الـــذي يصاعد لنا، مـا مــدى ّقــدرة اإلسامين على تجسيد الدولة الوطنية؟ فـــي خــضــم الــفــشــل الـهـيـكـلـي لــلــدولــة فـــي أداء وظـائـفـهـا، كالفشل املــؤّســســاتــي الـــذي رفـض إدماج أحزاب سياسية في عملية بناء القرار الـــســـيـــاســـي، ومــــــدى وجــــــود مـــفـــهـــوم «الــــدولــــة الـعـمـيـقـة» وتـغـلـغـلـه فـــي املــؤســســات الـتـابـعـة الـدولـة، وتفاعل القوى الفاعلة غير املنتخبة فــــي الـــتـــأثـــيـــر عـــلـــى اكـــتـــمـــال إدمــــــــاج حـــركـــات اإلســــــام الــســيــاســي فـــي مـــؤســـســـات الــــدولــــة. وإن كــــان هــنــالــك فــشــل ل يــتــحــمــلــه اإلســــام
ّّ الـــســـيـــاســـي، وإنــــمــــا أيـــضـــا تــتــحــمــلــه، بــدرجــة أولــــــى، الــــدولــــة الـــعـــربـــيـــة، ألنـــهـــا عــمــلــت على وقــــف الــتــحــولــن، الــلــيــبــرالــي والــديــمــقــراطــي، عبر مجموعة مــن الـسـلـوكـيـات السـتـبـداديـة والعنف املفرط. ويعود سبب ذلك إلى معاناة الـدولـة العربية من فشل مؤسساتي ل يتيح لــــإســــام الـــســـيـــاســـي النـــــدمـــــاج، ولـــيـــس هـــذا الفشل فقط امتدادا لبناء الدولة العربية بعد الستعمار، وإنما هو فشل اختياري، توجهت
ّّ «الـــبـــيـــروقـــراطـــيـــة» الــعــربــيــة نـــحـــوه، وثــبــتــتــه. لــذلــك ل يمكننا الــحــديــث عـــن عـــدم جــهــوزيــة حركات اإلسام السياسي فقط، وإنما وجود مشكات بنائية تـرتـب عليه عــدم تـــوازن في وظائف الدولة. وعليه، كانت النتيجة انفجار هـذا الخلل في خضم وجــود حركات اإلسـام السياسي في السلطة.
مصر، تونس، المغرب
ِّ تطرق باحثون عديدون للحالة املصرية، من أجــل وصــف طبيعة النظام الــذي يتفاعل مع املجتمع، حيث يرى ويليام تايلور في الدولة املصرية رؤيــة عسكرية، واملتمثلة في تدخل الجيش في الحياة السياسية، ربطها بالهوية الـثـقـافـيـة لـلـعـسـكـري، واملــصــالــح الشخصية والعسكرية، باإلضافة إلى ضعف املؤسسات السياسية، وحجم املؤسسة العسكرية. وبما أن الحركة الديمقراطية فـي الــدولــة املصرية فشلت بسبب األدوار غير الفاعلة في الدولة، عـــــــاوة عـــلـــى ذلــــــك، األيـــديـــولـــوجـــيـــة الــديــنــيــة وفشلهاّ في ضم ّالشارع لها، أتاح للمؤسسة العسكرية املصرية أداء دور سياسي وكسب تــأيــيــد شــعــبــي، بـصـفـتـهـم «مــشــروعــا وحــيــدا قابا للتحقيق»، وهذا ما جاء نقيضا ملا ذكره صموئيل هنتغتون، عندما دعـا إلـى تطبيق نـــظـــام «الــــرقــــابــــة الــــحــــيــــاديــــة»، والــــتــــي تـعـنـي فــصــل الــحــكــم املـــدنـــي واملـــمـــارســـة الـعـسـكـريـة، أي يــجــب عــلــى الــــقــــادة الــســيــاســيــن تـحـديـد الهدف من وجود العسكر، وأل يتدخل املدني فـــي تـفـاصـيـل عــمــل الــعــســكــري، وكـــذلـــك يبقى العسكري بعيدا عن السياسية، ويبقى دوره مهنيا ل سـيـاسـيـا. لـكـن فــي ظـــل المــتــيــازات الــكــبــيــرة الـــتـــي حــظــي بــهــا الــجــيــش املــصــري تراكميا عبر السنوات، وقدرته على الحفاظ على مهنيته ومصالحه، بقي بعيدا عن ثورة 25 يناير ،2011 ولــم يتدخل إل عندما شعر بــــأن الـــثـــورة ســتــؤثــر عــلــى مــصــالــحــه وأجــبــر
ِّّ مبارك على التنحي. في السياق نفسه، تدخل مـــــرة أخــــرى لـتـنـحـيـة الــرئــيــس مـحـمـد مـرسـي فــــي 30 يـــونـــيـــو ،2013 مــســتــغــا املـــظـــاهـــرات الـــتـــي جـــابـــت الـــــشـــــوارع ضـــــد حـــكـــم «اإلســــــام الــســيــاســي»، وبــالــتــالــي وصـــــف هـــذا الـتـدخـل بانقاب عسكري. وأصـبـح اآلن دور الجيش املـصـري حماية النظام، بعد أن وضــع نفسه في خانة الَحَكم على الثورات. ذهبت دراسات أخـرى إلـى تفسير أسباب خسارة «اإلخــوان» حـــكـــم مــــصــــر، عـــلـــى الـــصـــعـــيـــد الجـــتـــمـــاعـــي، يـــعـــود إلــــى خـــســـارة اإلخـــــــوان املــســلــمــن أهــم فئتن اجتماعيتن، طبقة الـفـقـراء، والطبقة الوسطى، وأيضا إلى أدلجة الدولة املصرية، أي إقامة دولة الحزب على أساس أيديولوجي فــي املـسـتـويـات الـوسـطـيـة مــن الـبـيـروقـراطـيـة املصرية التليدة، باإلضافة إلى تهميش دور املـرأة في املجتمع. وعلى الصعيد السياسي، ذهبت إلى التوقعات الشعبية التي صاحبت الغليان الثوري ّللمجتمع املصري، وتحديات اإلســـام السياسي بعدما وصــل إلــى الحكم، ومحاولته إنقاذ الدولة املصرية من النهيار الـــــــــذي وصـــــلـــــت إلـــــيـــــه بـــفـــعـــل حــــكــــم الـــرئـــيـــس حسني مــبــارك، وعـلـى البرنامج القتصادي لـــإخـــوان املـسـلـمـن، فـلـم يـكـن هـنـالـك نـمـوذج تنمية اقـتـصـاديـة يستجيب ملطالب الشعب املصري، وأيضا عدم خبرة اإلخوان املسلمن
ّّ عـلـى قــيــادة الـــدولـــة، والـعـمـلـيـات الـدسـتـوريـة الفاشلة وأيضا عـداء البيروقراطية املصرية ومــؤســســات الـــدولـــة لـــإخـــوان املـسـلـمـن. ولـم تتخيل أدبيات العقل العربي أن تصل جماعة اإلخـــوان املسلمن إلـى السلطة، كونها كانت محظورة قانونيا، وكانت تمارس أعمالها في الخفاء، ليس بصفتها جماعة سـريـة، وإنما بصفتها جماعة تعيش حالة قمع سياسية واجتماعية، هــذه الجماعة الـتـي انتقلت من مربع املعارضة إلى قمة هرم السلطة املصرية، وهذه املفاجأة، ألن الجماعة كانت تطمح إلى بناء شرعية لوجودها، أي البحث عن اعتراف رســـمـــي بـــهـــا، عــــن طـــريـــق الـــســـمـــاح ألفــــرادهــــا بالعمل، إل أن «اإلخــوان» وصلوا إلى الحكم، بطريقة ديمقراطية. وكان الرئيس مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ الدولة املصرية الحديثة. وبالتالي، ومع صدمة الوصول إلى الحكم، اعتبرت األدبــيــات أن أخـطـاء اإلخــوان
ّّ املــســلــمــن كــــثــــرت، وكــــــان أول خـــطـــأ حـقـيـقـي تعديل الدستور عبر منح صاحيات واسعة لرئيس السلطة دونــا عن السلطات األخــرى، باإلضافة إلى تكاتف األحــزاب الليبرالية مع املـنـظـومـة الـعـسـكـريـة مــن أجـــل الـتـخـلـص من وجـــود اإلخــــوان فـي رأس الــهــرم، وتشكيل ما يسمى بجبهة اإلنقاذ، والتي كانت مكونة من مجموعة من البيروقراطين، وأيضا الفاعلن غير املنتخبن، أي «الدولة العميقة».
ًً من جهة أخرى، كان اإلسام السياسي تونسيا ممثا في حركة النهضة التونسية، حاضرا في خضم غياب السلطة السياسية التي وقع إسقاطها جراء الثورة، والجدل الحاصل بن الخطاب السياسي للحركات اإلسامية الذي يـنـادي فـي باطنه تطبيق الـدولـة اإلسامية، انصهر وانــدمــج ضمن حـــدود دولـــة القانون واحـــــتـــــرام الــــســــيــــادة، بـــاإلضـــافـــة إلـــــى تـفـعـيـل مـــبـــادئ املــــســــاواة والـــحـــريـــات الـــعـــامـــة، وهــي مـــؤشـــرات الـــدولـــة املـــدنـــيـــة، وأصــبــحــت حـركـة النهضة واقعة في هذا الصراع، بعد أن كانت رافـــضـــة الــديــمــقــراطــيــات بــاعــتــبــارهــا تـقـلـيـدا للنظم الــغــربــيــة، ولـكـنـهـا تــحــولــت فـيـمـا بعد إلى اختيار التيار العتدالي الوسطي إلدارة املـرحـلـة النـتـقـالـيـة، الـــذي يــوافــق بــن الــواقــع الجتماعي والشمولية اإلسامية يرافقهما النـــفـــتـــاح عـــلـــى الـــحـــداثـــة الـــعـــاملـــيـــة، وهـــــو مـا كــان واضــحــا جليا فـي الـبـرنـامـج النتخابي لـحـزب الـنـهـضـة، مــا أشـعـل أزمـــة هــويــة داخــل الـــحـــزب اإلســــامــــي، ألّنـــــه تــخــّلــى عـــن نـشـاطـه الــدعــوي، وركـــز فـي العمل السياسي، مـا أدى إلــــى عــــدم تــكــيــفــه مـــع كـــونـــه قـــــوة قــــــادرة على التغيير الجـتـمـاعـي والقــتــصــادي، وهـــذا ما كـان واضحا عندما أصــرت قيادة «النهضة» على التأقلم بعد مؤتمر عـام 2016 والتركيز عــلــى الــعــمــل الــســيــاســي مـــع مـــا يـقـتـضـيـه من التحفيزات للحفاظ على القاعدة األساسية ألنصار الحزب. ومـن التحديات التي واجهها حـزب النهضة ومنعته من استمراريته في ممارسة الحكم، عدم معرفته كيفية اشتغال الدولة، ألن الدولة الـعـربـيـة، بطبيعة الــحــال، مبنية على شبكة راسخة من المتيازات واملصالح، وحاجتها لـلـخـبـرات والـــدرايـــة الـتـكـنـوقـراطـيـة. وانـتـهـت قصة حزب النهضة في تونس بعد القرارات املتتالية للرئيس قيس سعيد الغريبة، فقد انـقـلـب عـلـى املـــســـار الــديــمــقــراطــي فـــي الــبــاد، بعد أن جمد عمل البرملان الذي يسيطر عليه حزب النهضة اإلسامي، ورفع الحصانة عن النواب وإعفاء رئيس الوزراء هشام املشيشي وتولي السلطة التنفيذية، عبر تعين رئيس وزراء جديد، حتى وصل به األمر إلى التهديد بــحــل املــجــلــس األعـــلـــى لــلــقــضــاء، والــــــذي فيه تجاوز للدستور التونسي، باعتباره انقابا صريحا، وحصر السلطات في قبضة سعيد، لكن املفارقة بن تجربتي النقاب في تونس ومــصــر، أن الـنـخـب الـتـونـسـيـة ومؤسساتها املــدنــيــة، وبـــخـــاف الــحــالــة املـــصـــريـــة، رفـضـت «انـــــقـــــاب» قـــيـــس ســـعـــيـــد. وهـــنـــالـــك مـــخـــاوف حقيقية مــا زالـــت ظــاهــرة مــن تعطيل املـسـار الديمقراطي في تونس، وهذا ل يعني تأييد حــــزب الــنــهــضــة، وإنـــمـــا تـحـمـيـلـهـا جـــــزءا من املسؤولية عما آلت إليه األوضاع. وبالنسبة للمغرب، فقد مـنـي حــزب اإلســام الـــســـيـــاســـي، الــــعــــدالــــة والـــتـــنـــمـــيـــة، بـــخـــســـارة فـــي شـعـبـيـتـه بــعــد ســقــوطــه فـــي النــتــخــابــات الــتــشــريــعــيــة بــعــد مـــــرور عــشــر ســـنـــوات على تــصــدره املشهد السياسي فـي املــغــرب، وهـذا يعود إلـى أسباب عــدة، أهمها افتقاد الحزب برنامجا اقتصاديا - اجتماعيا يحقق العدالة. وفـــي خـضـم مـتـابـعـة أداء اإلســــام السياسي منذ ثـورات الربيع العربي وحتى عام ،2019 كان من الواضح تطبيع الحركات اإلسامية مع الواقع العربي، بكل ما تحمله الكلمة من مــعــنــى، بــعــد أن كـــانـــت الـــحـــركـــات اإلســامــيــة تـــــعـــــارض أنـــظـــمـــة الـــحـــكـــم وطــــريــــقــــة الـــحـــكـــم، أصبحت جزء ا منها، كما سياسة التطبيع مع دولة الحتال اإلسرائيلي، ولربما هي كانت الفضيلة الوحيدة املتبقية لتيارات اإلســام السياسي، وهـو موقفها الـصـارم من العاقة مــع إســرائــيــل، إل أن رئــيــس حـكـومـة املــغــرب، ورئيس حـزب العدالة والتنمية (اإلسـامـي)، سـعـد الــديــن الـعـثـمـانـي، وقـــع ثـــاث اتفاقيات تــطــبــيــع مــــع دولــــــة إســــرائــــيــــل. وهـــنـــا يـمـكـنـنـا الفهم أن اإلسامين في السلطة واملعارضة، يتحركون ويتصرفون كما الفواعل السياسية األخرى، لتحقيق أهداف مبنية وفق تحالفات ل أيـــــديـــــولـــــوجـــــيـــــات، ويــــتــــصــــرفــــون كـــمـــا أي حـــاكـــم عـــربـــي، آخــــــذا النـــتـــهـــازيـــة الــســيــاســيــة «تـــجـــربـــة ومـــمـــارســـة» قــديــمــة وحـــديـــثـــة، كما لـو أن الــثــورات لـم تـحـدث، وهــذا ل يـعـد خلا فـــي اإلســـــام الــســيــاســي، وإنـــمـــا فـــي منظومة الــــدولــــة بــشــكــل عـــــام، ومـــــدى تــفــشــي عــامــات النتكاس السياسي. وهذا ما أثبتته حركات اإلسام السياسي، أن الدولة العربية مأزومة، وتجربة اإلسامين ومشاريعهم السياسية زادت الــــواقــــع تـــــأزمـــــا، ألنــــهــــا، فـــي مـعـظـمـهـا، شعارات ابتعدت عن الواقع كثيرا، وتعرضت لنتكاسات بفعل عسكرة الــدول العربية، ما أثــــرت فــي ســـرديـــة الـشـرعـيـة ألحــــزاب اإلســـام الـــســـيـــاســـي، ألن األحـــــــزاب فــشــلــت فـــي تـقـديـم سردية جديدة مغايرة لسردية القرن املاضي في بناء/ إصـاح دولـة عربية، وهـذا ما ظهر جــلــيــا عــنــدمــا نــظــرت الــشــعــوب الــعــربــيــة إلــى األحزاب اإلسامية باعتبارها طرفا سياسيا، فاصلة بن املكون الديني للخطاب واملمارسة السياسية. والـصـراع الـذي يـدور اليوم داخل األنظمة العربية، إن بقي هنالك صـــراع، بن أحــــزاب اإلســــام الـسـيـاسـي ومـــا يـقـابـلـهـا من تــــيــــارات عــلــمــانــيــة، هـــو صـــــراع عــلــى الــنــفــوذ والــتــأيــيــد الــســيــاســي واســـتـــخـــدامـــه الـتـعـبـئـة والـــحـــشـــد، واإلســــــام أحــــد أدوات الــــصــــراع ل جوهره. في املوجة األولى من الربيع العربي كــــان اإلســـــام الــســيــاســي فـــي املـــعـــارضـــة ضــد الحكام واألنظمة القائمة. وفي املوجة الثانية مـــن الــربــيــع الــعــربــي كـــان اإلســـــام الـسـيـاسـي جـــزءا مـن الـنـظـام حـكـامـا أو داعــمــن، وأوجــد ديناميكية مختلفة لـإسـام السياسي كما «تــونــس، لـبـنـان، الـــســـودان الـــعـــراق»، وأصـبـح اإلسام السياسي داخل هذه األنظمة يحشد ضـد أطــراف أخــرى من اإلســام السياسي في الـّسـلـطـة. وبـبـسـاطـٍة شــديــدة، أظـهـر هــذا مدى عمق النقسام بن حركات اإلسام السياسي في العالم العربي، إذا هنالك فواعل تسيطر على السلوك السياسي عند اإلسام السياسي أكثر من األيديولوجيا.
تعاني الدولة العربية من فشل مؤسساتي ال يتيح لإلسالم السياسي االندماج
ال تستطيع الحركات اإلسالمية أن تدير ظهرها وتتصرف كحزب يريد الوصول إلى السلطة فقط في خضم غياب الثوابت
خاتمة
إذا عندما نتحدث عن إســام سياسي بديا للحكم فــي املنطقة الــعــربــيــة، يـجـب أن يكون لـــإســـام الـسـيـاسـي دور مـبـاشـر فـــي الــثــورة الديمقراطية فـي الـــدول الـعـربـيـة، كما حصل في النتخابات املصرية والتونسية واملغربية أيــــضــــا، وبـــالـــتـــالـــي دور اإلســـــــام الــســيــاســي أســاســي فــي عملية الـتـحـول الـديـمـقـراطـي، ل أن يــكــون بــديــا بـالـكـامـل عــن أنـظـمـة الـحـكـم، ألن لـــدى الـــدولـــة الـعـربـيـة ســيــرورة تاريخية ثقافية، ل يمكن تجاوزها ببساطة، خصوصا وأن معظم األنظمة العربية عاشت انقابات بينها وبـــن بعضها، والــتــي بــدورهــا عملت على ظهور فواعل داخل أطر الدولة، أصبحت
ّّ جزءا من مكونات الدولة العربية، كما الحالة فـــــي املـــنـــطـــقـــة، ألن هـــنـــالـــك خـــصـــوصـــيـــة فـي الـعـالـم الـعـربـي، وهـــذا مـا ذكـــره عـزمـي بشارة فـــي كــتــابــه «املـــســـألـــة الـــعـــربـــيـــة»، أن املـنـطـقـة العربية ل تعيش حـالـة مـن ثـابـت، ومــا زالـت تناقش مفهوم الدولة، واألمة، والهوية، أي أن النظام ليس ثابتا ومتفقا عليه، بأمن قومي ونظام اقتصادي ثابت، والنتخابات تجري تحت ظــل هــذه الـثـوابـت. وبالتالي، لـو أرادت األنظمة العربية أن تبني ثـوابـت، يصبح أي حـزب إســام سياسي جــزءا من هـذه الثوابت املّتفق عليها، وتستطيع أن تِصل إلى الّسلطة بانتخابات من دون أن تكون بديا صارخا،
ًٍ وإنما مرورا ديمقراطيا. األهم من هذا، ل تستطيع الحركات اإلسامية أن تــــديــــر ظـــهـــرهـــا وتــــتــــصــــرف كــــحــــزب يــريــد الــوصــول إلــى السلطة فقط فــي خـضـم غياب الثوابت. وعليه، تعيش أزمة هوية كما حصل فـــي الــحــالــتــن الــتــونــســيــة واملـــغـــربـــيـــة. وعـلـى هـــــذا، الـــهـــدف مـــن وجـــــود اإلســـــام الـسـيـاسـي اليوم محاولة اإلجابة عم هي األمـة، وما هي الهوية، والـدولـة، وحتى مفهوم النظام، ولن يمكنك أن تـتـمـكـن مــن اسـتـيـعـاب «املــواطــنــة» مـــن دون فــهــم «األمــــــــة»، وهـــــذا لـــن يــصــلــح إل فـي حالة واحـــدة، أن تستفيد أحـــزاب اإلسـام السياسي من تجربة التيار القومي العربي، والقوى الوطنية داخـل الباد العربية، لترى ما إذا كان اإلسام السياسي يمكنه أن يكون «بديا» ألنظمة الحكم، من دون أن يعيد تكرار تجربة الفشل.