Al Araby Al Jadeed

إيران تعزز وجودها فيسورية

تتزايد تحركات المليشيات اإليرانية في شمال وشرق وجنوبي سورية، على نحو يتصل ربما بمواجهات إيران اإلقليمية والدولية، مستفيدة من استمرار انشغال روسيا بحربها على أوكرانيا

- ـ عدنان أحمد

مـع انـهـمـاك روسـيـا فـي حربها مـع أوكـرانـيـ­ا، بـــــرزت مـــؤشـــر­ات عــــدة عــلــى تــنــامــ­ي األنـشـطـة والـــتـــ­حـــركـــا­ت اإليــــرا­نــــيــــ­ة فــــي عـــمـــوم املــنــاط­ــق الـــــســ­ـــوريــــ­ـة، وال ســـيـــمـ­ــا فـــــي شـــــرقــ­ـــي الــــبـــ­ـاد وجــنــوبـ­ـهــا. وهـــــذه الــتــحــ­ركــات تــرتــبــ­ط أيـضـا بــــمــــ­حــــاوالت إيــــــــ­ـران ومـــلـــي­ـــشـــيــ­ـاتـــهـــ­ا، تـــفـــاد­ي الضربات اإلسرائيلي­ة واألميركية، عبر إعادة التموضع، أو التغلغل املخفي ضمن القوات الرسمية للنظام السوري. وتشير مصادر إعامية متطابقة إلـى تزايد تحركات املليشيات اإليرانية في شمال وشرق وجـــنـــو­بـــي ســــوريــ­ــة، عــلــى نــحــو يــتــصــل ربـمـا بـمـواجـهـ­ات إيــــران اإلقليمية والــدولــ­يــة. ومـن املحتمل أن تـكـون األراضــــ­ي الــســوري­ــة إحــدى الـسـاحـات الرئيسية لـهـذه املــواجــ­هــات، سـواء مع إسرائيل، أم مع الواليات املتحدة والغرب، خصوصا في ضوء جملة من العوامل، منها االنشغال الـروسـي في أوكرانيا، ودعــم إيـران لـــروســـ­يـــا فــــي هـــــذه الــــحـــ­ـرب، مــــا أثــــــار غـضـبـا غـربـيـا، فـضـا عــن االسـتـعـص­ـاء الـحـاصـل في مفاوضات امللف النووي اإليراني. وياحظ أن محافظة ديـر الــزور (شرقي سـوريـة) وريفها الـغـربـي، حيث تتقاسم كــل مــن قـــوات النظام الـــــســ­ـــوري، و«قــــــــو­ات ســــوريــ­ــا الــديــمـ­ـقــراطــي­ــة» (قسد) النفوذ فيها، باتت مسرحا لتحركات وتعزيزات وتنقات عدة في األشهر األخيرة، في ما تبدو محاوالت من إيران ومليشياتها لانسحاب من املناطق الساخنة، أو تقليص الظهور العلني فيها، مثل املناطق الحدودية مـع الــعــراق، باتجاه األريــــا­ف، ومـركـز املدينة. ويـــــبــ­ـــدو أن هــــــذه املـــلـــ­يـــشـــيـ­ــات تــــأمـــ­ـل تـــفـــاد­ي الــضــربـ­ـات الــجــويـ­ـة، مــع تـشـديـد االحـتـيـا­طـات األمنية لتقليص االخـتـراق­ـات والـتـي تسببت في خسائر فادحة لها. وعـــلـــى الــــرغــ­ــم مــــن انـــتـــش­ـــار مــلــيــش­ــيــاتــه­ــا فـي مجمل املـنـاطـق الـسـوريـة، إال أن إيـــران ركـزت خــال السنوات املاضية على بعض املناطق الـحـيـويـ­ة بـالـنـسـب­ـة إلــيــهــ­ا، ســــواء فـــي محيط العاصمة دمـشـق، خصوصا منطقة السيدة زينب، والجنوب السوري القريب من الحدود مـــع فـلـسـطـن املــحــتـ­ـلــة واألردن، أم فـــي حلب ومحيطها، إضافة إلى مناطق الشرق بالقرب مـن الــحــدود الـعـراقـي­ـة، لتأمن طـريـق اإلمـــداد البرية بن العراق وسورية. ويــرى مراقبون أن الـغـارات اإلسرائيلي­ة على املـواقـع اإليـرانـي­ـة فـي جنوب الـبـاد، هـي أحد أهم األسباب في التحركات اإليرانية باتجاه الشرق السوري. وتشير معلومات إلى وصول خــبــراء عسكرين مــوالــن إليــــران إلـــى منطقة دير الزور بشكل مستمر. وتــحــدث املــرصــد الـــســـو­ري لـحـقـوق اإلنــســا­ن، يـــوم 27 يــنــايــ­ر/ كــانــون الــثــانـ­ـي املـــاضــ­ـي، عن وصــــول الـــعـــش­ـــرات مـــن عــنــاصــ­ر «حــــزب الــلــه» اللبناني واملليشيات اإليرانية من دمشق إلى

شمال شرقي سورية عبر طائرة شحن ضمت 125 شخصا من الخبراء واملدربن، بالتزامن مع وصول مجموعة من عناصر للمليشيات اإليـرانـي­ـة إلــى مدينة البوكمال فـي ريــف دير الزور الشرقي، قادمن من ريف حلب وحمص. ووفـــق املــرصــد أيــضــا، عـمـدت تـلـك املليشيات نهاية الشهر املاضي إلى فتح باب االنتساب لتشكيل فصيل جديد، في مدينة دير الزور. كـــمـــا أفـــــــا­دت مــــصــــ­ادر مــتــطــا­بــقــة، مـــثـــل مـجـلـة «نـــيـــوز­ويـــك» األمــيــر­كــيــة (بـــتـــار­يـــخ 10 يـنـايـر املـاضـي نـقـال عـن مـصـادر خـاصـة) و«املـرصـد الـــســـو­ري لــحــقــو­ق اإلنـــســ­ـان» (فـــي 17 يـنـايـر) وغـــيـــر­هـــمـــا، بـــــأن اإليــــرا­نــــيــــ­ن يـــعـــمـ­ــلـــون عـلـى تجهيز بطاريات دفـاع جـوي إيرانية الصنع ضـمـن األراضــــ­ـي الــســوري­ــة، سـيـتـم تنصيبها في 3 مواقع على األقــل جنوب وجنوب غرب دمشق، وقرب مطار دمشق الدولي. من جهته، قـال العميد الـسـوري أحمد رحـال، املنشق عن قـوات النظام السوري، في حديث مع «العربي الجديد»، إنه بعد انشغال الروس بـــالـــح­ـــرب األوكـــــ­رانـــــيـ­ــــة، زاد عـــــدد اإليـــران­ـــيـــن ومـلـيـشـي­ـاتـهـم وانــتــشـ­ـارهــم وتـسـلـيـح­ـهـم في ســـوريـــ­ة، وحـــتـــى عــلــى الــصــعــ­يــد االقــتــص­ــادي جـــرى تفعيل االتـفـاقـ­يـات املـوقـعـة مــع النظام عــامــي 1918 .1919و وأضــــاف رحــــال أنـــه من الـــنـــا­حـــيـــة الـــجـــغ­ـــرافـــي­ـــة، تـــتـــمـ­ــركـــز املــلــيـ­ـشــيــات املدعومة من إيران في شرق سورية في ثالث مـنـاطـق رئـيـسـيـة، وهـــي الـبـوكـمـ­ال واملـيـادي­ـن وديـــر الــــزور. ورأى رحـــال أن املهمة الجديدة لإليرانين فـي شــرق سـوريـة، والـتـي تحددت بــعــد االجـــتــ­ـمـــاع الـــــذي جــمــع رؤســــــا­ء روســيــا وإيـــــرا­ن وتــركــيـ­ـا، فـالديـمـي­ـر بــوتــن وإبـراهـيـ­م رئيسي ورجب طيب أردوغـان (يوليو/ تموز املاضي)، هو تجنيد خاليا في مناطق شرق الـــفـــر­ات بـــإشـــر­اف الـــحـــر­س الـــثـــو­ري اإليـــران­ـــي، بهدف مهاجمة القواعد األميركية في املنطقة ســــــواء عـــبـــر الــــطـــ­ـائــــرات املـــســـ­يـــرة أم عـمـلـيـات القصف. وتشير تقديرات إلى وجود ما يقرب مــن بــن 12 و51 ألـــف مـقـاتـل مــن املـجـمـوع­ـات الـعـراقـي­ـة واألفـغـان­ـيـة والباكستان­ية املوالية إليران في دير الزور وحدها. ويــــرجــ­ــح الـــبـــع­ـــض وجــــــود دور لـــروســـ­يـــا فـي إبعاد إيران ومليشياتها من مناطق جنوبي ســـــــور­يـــــــة، حــــيــــ­ث تــــتــــ­عــــرض هـــــنـــ­ــاك لــقــصــف إسرائيلي مستمر يـحـرج الـنـظـام فـي دمشق بسبب عجزه عن الرد، باتجاه الشرق، لتكون في تصادم مع القوات األميركية هناك، وبما يـصـعـب مــن عـمـلـيـات اسـتـهـداف­ـهـا مــن جانب إســــرائـ­ـــيــــل. ومـــنـــذ مــنــتــص­ــف الــــعـــ­ـام املـــاضــ­ـي، أشــارت معلومات مختلفة إلـى أن املليشيات اإليـرانـي­ـة عـــززت وجــودهــا فـي بعض مناطق جـنـوبـي حــمــاة، وســـط ســوريــة. وعــمــدت هـذه املليشيات إلى تحويل اللواء 47 التابع لجيش النظام في جبل معرين بريف حماة الجنوبي إلــــى قـــاعـــد­ة عـسـكـريـة خــاصــة بـفـيـلـق الــقــدس اإليـرانـي. وتعتبر هذه القاعدة هي املسؤولة عن إدارة الوجود اإليراني في مجمل املحافظة ومطار حماة العسكري. وتضم القاعدة أيضا مــركــزًا لــتــدريـ­ـب الـــقـــو­ات اإليـــران­ـــيـــة، فـيـمـا بـات الــــلـــ­ـواء 47 هـــو لـــــواء دبــــابــ­ــات خـــاضـــع تـمـامـا لـلـسـيـطـ­رة اإليـــران­ـــيـــة، وفـــق مــصــدر مـطـلـع في فصائل املعارضة املوجودة باملنطقة، تحدث لــــ «الـــعـــر­بـــي الــــجـــ­ـديــــد». وشـــمـــل­ـــت الـــتـــع­ـــزيـــزا­ت اإليرانية أيضا مستودعات مهن العسكرية شــرق حمص الـتـي وصـلـت إليها فـي إبـريـل/ نــيــســا­ن 2022 تـــعـــزي­ـــزات كــبــيــر­ة مـــن الــحــرس الثوري اإليراني ضمت نحو 70 آلية عسكرية، بعضها مــزودة برشاشات متوسطة، إضافة إلــــى عــــدد مـــن الـــعـــر­بـــات املــصــفـ­ـحــة واآللـــيـ­ــات الـعـسـكـر­يـة لـلـفـرقـة الــرابــع­ــة فــي قـــوات النظام املوالية إليران. وجاء ذلك بعد انسحاب القوات الروسية بما في ذلك عناصر من مجموعات مـــرتـــز­قـــة «فــــاغـــ­ـنــــر»، ونـــحـــو 200 عــنــصــر مـن «الفيلق الخامس» املوالي لروسيا. وبــــعـــ­ـد تـــســـوي­ـــة 2018 فـــــي مـــحـــاف­ـــظـــة درعــــــا، والتفاهمات الروسية اإلسرائيلي­ة على إبعاد إيـــــران ومـلـيـشـي­ـاتـهـا مـــن الــجــنــ­وب الـــســـو­ري، عـــمـــدت إيــــــرا­ن إلــــى «الــتــغــ­لــغــل الـــصـــا­مـــت» في الجنوب السوري، سواء العسكري واألمني، أم االجتماعي والثقافي. ومـن الناحية العسكرية، تغلغلت إيــران في مجمل مفاصل األجهزة األمنية والعسكرية الـتـابـعـ­ة لـلـنـظـام، إضــافــة إلـــى خـلـق شبكات للتهريب واالغتيال، وفق أيمن أبو محمود، املتحدث باسم موقع «تجمع أحرار حوران» املــحــلـ­ـي. وأضـــــاف أبــــو مــحــمــو­د، فـــي حـديـث مــــع «الــــعـــ­ـربــــي الــــجـــ­ـديــــد»، أن إيـــــــر­ان عــمــدت عـبـر املــجــمـ­ـوعــات املــوالــ­يــة لـهـا إلـــى تصفية املناهضن لـلـوجـود اإليــرانـ­ـي فـي الجنوب، من خالل شبكة معقدة أنشأتها مثل مكتب الـدراسـات التابع ملكتب أمن الفرقة الرابعة، واألجــهــ­زة األمنية وخـاليـا تنظيم «داعــش» ومــــجـــ­ـمــــوعــ­ــات أخــــــــ­ـرى تـــعـــمـ­ــل وفـــــــق نـــظـــام االرتـــــ­زاق، فـضـال عـن الـتـدخـل بشكل مباشر في قوات النظام والفروع األمنية في مسألة التعيينات األمنية والعسكرية. وأضاف أبو محمود أن إيـران استطاعت فرض الضباط املحسوبن عليها في نشرات التعيينات في الجنوب وذلك لتبدو هذه التعيينات وكأنها جاء ت من قبل النظام.

 ?? (لؤي بشارة/فرانس برس) ?? مواطن سوري يرفع العلم اإليراني بدير الزور، سبتمبر 2017
(لؤي بشارة/فرانس برس) مواطن سوري يرفع العلم اإليراني بدير الزور، سبتمبر 2017

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar