Al Araby Al Jadeed

الجزائر في قلب استقطاب حاد: محاولة تحقيق توازن صعب

على وقع االستقطاب الحاد في العالم، بسبب الغزو الروسي ألوكرانيا، تبحث الجزائر عن نقطة توازن تسمح لها في المحافظة على عالقاتها مع الجميع، بما يحمي مصالحها

- ـ عثمان لحياني

دخـلـت الـجـزائـر ضـمـن دائــــرة استقطاب دولــــي وإقـلـيـمـ­ي حــــاد، فـــي ظـــل تــطــورات األزمـــــ­ـة الـــدولــ­ـيـــة املــتــصـ­ـلــة بـــالـــح­ـــرب في أوكـــــرا­نـــــيـــ­ــا، وبـــاســـ­تـــحـــقـ­ــاقـــات إقــلــيــ­مــيــة مـــــــتـ­ــــــعـــ­ــــددة. وتــــــــ­بــــــــد­و مـــــــــ­ؤشــــــــ­ـرات هــــــذا االستقطاب بوضوح في سلسلة وقائع مــتــزامـ­ـنــة، كـــإرجـــ­اء زيـــــارة الــرئــيـ­ـس عبد املـجـيـد تــبــون إلـــى مــوســكــ­و، الــتــي كانت مقررة في يناير/ كانون الثاني املاضي إلـــى مـــايـــو/ أيــــار املــقــبـ­ـل، وحـــديـــ­ث وزيـــر الخارجية الروسي سيرغي الفـروف عن الـضـغـوط الـغـربـيـ­ة عليها، واالتــصــ­االت املـتـسـار­عـة وزيـــــار­ات مـسـؤولـن غربين إلى الجزائر. وتــــحـــ­ـدث الفـــــــ­ـروف، فــــي حــــــوار مــــع قــنــاة «روســــيــ­ــا الــــيـــ­ـوم» الــــروسـ­ـــيــــة، الـخـمـيـس املـــــــ­ـاضـــــــ­ـي، عـــــــن الــــــعـ­ـــــالقــ­ــــات الـــــروس­ـــــيــــ­ـة الـــــجــ­ـــزائــــ­ـريـــــة، وعـــــــن تـــــعـــ­ــرض الــــجـــ­ـزائــــر لـضـغـوط أمــيــركـ­ـيــة، تـخـص مـوقـفـهـا من األزمـة في أوكرانيا. لكن حديث الفروف الـــــذي مــــر مـــن دون تـعـلـيـق مـــن الــجــانـ­ـب الـــجـــز­ائـــري، وجــــاء مــتــزامـ­ـنــا مـــع تـحـديـد موعد لزيارة تبون إلى موسكو في مايو املقبل، بعدما كانت متوقعة فـي يناير، واتــصــال­ــه هاتفيا مــع الـرئـيـس الـروسـي فالديمير بوتن، كلها تطورات تزامنت مع اتصال هاتفي لنائبة وزير الخارجية األمـــيــ­ـركـــي ويـــنـــد­ي شـــيـــرم­ـــان، بنظيرها الـــجـــز­ائـــري رمـــطـــا­ن لــعــمــا­مــرة، األربـــعـ­ــاء املــــــا­ضــــــي. وبــــحـــ­ـســــب بــــيــــ­ان الـــخـــا­رجـــيـــة األميركية أعربت شيرمان عن «امتنانها ملــســاهـ­ـمــات الـــجـــز­ائـــر فـــي حـــل الــنــزاع­ــات اإلقــلــي­ــمــيــة»، وأشــــــا­رت إلـــى «الــتــداع­ــيــات العاملية للعدوان الروسي غير املبرر على أوكـرانـيـ­ا وأهـمـيـة الـدعـم الــدولــي ملبادئ مـــيـــثـ­ــاق األمــــــ­ـم املـــتـــ­حـــدة بــــشــــ­أن احــــتـــ­ـرام ســــيــــ­ادة أوكــــران­ــــيــــا ووحـــــــ­دة أراضـــيــ­ـهـــا». ويفهم مـن ذلــك تلميح واشنطن إلــى أن الـــجـــز­ائـــر، الــتــي تــــؤدي دورًا فـــي حلحلة أزمات في املنطقة، ال يجب أن تكون طرفا في أزمة دولية، هي الحرب في أوكرانيا.

عز الدين زحوف: الجزائر ال تخل بقواعد العالقات الدولية

وبـــــرأي مـــراقـــ­بـــن، فــــإن هــــذا االسـتـقـط­ـاب الــحــاد الــــذي تـتـمـركـز فـيـه الــجــزائ­ــر، بن قطبي الصراع الدولي الراهن، يعكس في الــواقــع السياسي أهمية الـجـزائـر وثقل موقفها اإلقـلـيـم­ـي، ورغــبــة كــل طــرف في كسب املوقف لصالحه. ولفت أستاذ العلوم السياسية في جامعة الــــجـــ­ـزائــــر، عـــلـــي لـــكـــحـ­ــل، فــــي حــــديـــ­ـث مـع «العربي الجديد»، إلى أن «الدول الغربية تــدرك أن الضغط على الجزائر ال يؤدي إلى أي نتيجة، فالجزائر ليست في حاجة ماسة إلى الغرب بحكم تنوع عالقاتها». وأضاف: «اختارت الجزائر منذ فترة آلية التعدد في العالقة الخارجية، مع الصن وتـركـيـا، مـع أميركا وروســيــا، وإيطاليا وفـــرنـــ­ســـا، واالحـــصـ­ــائـــيــ­ـات االقــتــص­ــاديــة تؤكد بوضوح هذا التنوع». وتابع: «في الـظـرف الـحـالـي الـغـرب بحاجة لتحييد املــوقــف الــجــزائ­ــري، والـرئـيـس تـبـون قال بـــكـــل وضــــــوح إن كــــل األطــــــ­ــراف صــديــقــ­ة للجزائر إال من أراد أن يجعل من الجزائر عدوًا له فهو حر». ورأى لكحل أن «بـرمـجـة زيـــارة الرئيس تبون إلـى موسكو، وتـوجـه الجزائر في املـــــدى املـــنـــ­ظـــور إلــــى مــجــمــو­عــة بـريـكـس (الــتــي تـضـم روســيــا والــهــنـ­ـد والــبــرا­زيــل وجنوب أفريقيا والـصـن)، والتي تمثل 30 إلى 40 في املائة من االقتصاد العاملي، تشكل مزيدًا من الضغوط على الجانب الــغــربـ­ـي لـلـسـعـي ملــزيــد مـــن الــتــقــ­ارب مع الــجــزائ­ــر، لتحييد مـوقـفـهـا». واعـتـبـر أن «هـــذا مــا يفسر سلسلة الـــزيـــ­ارات لكبار املـــســـ­ؤولـــن الــغــربـ­ـيــن إلــــى الـــجـــز­ائـــر في الفترة األخيرة، ومنهم رئيسة الحكومة اإليطالية (جورجيا ميلوني)، واألمينة الـــعـــا­م لــلــخــا­رجــيــة الــفــرنـ­ـســيــة (آن مـــاري ديسكوت)»، مستبعدًا أن تصل العالقات بــــن الـــجـــز­ائـــر والـــــوا­ليـــــات املـــتـــ­حـــدة إلـــى مــرحــلــ­ة الـقـطـيـع­ـة العـــتـــ­بـــارات تـاريـخـيـ­ة وأمــــنــ­ــيــــة. ويـــــقــ­ـــول مــــراقــ­ــبــــون إن إدراك الـجـانـب الـجـزائـر­ي واسـتـشـعـ­اره لتزايد الــضــغــ­وط عــلــى الـــبـــا­لد، ودخـــــول األزمــــة الدولية مرحلة الـــذروة، مـع االستقطاب الــــحـــ­ـاد، تــبــقــى مــــن أبــــــرز الـــعـــو­امـــل الــتــي دفعت الجزائر إلى اختيار إرجــاء زيارة تـــبـــون إلـــــى مـــوســـك­ـــو، تــجــنــب­ــا ملـــزيـــ­د مـن الــضــغــ­وط الــغــربـ­ـيــة. وقـــــال عــضــو لجنة الشؤون الخارجية في البرملان الجزائري عز الدين زحوف، لـ«العربي الجديد»، إن «الجزائر تقع فعال في نطاق االستقطاب الـــحـــا­د دولــــيــ­ــا، لــكــن الـــظـــا­هـــر أنـــهـــا تـديـر املـــــوق­ـــــف بـــــصـــ­ــورة عـــقـــال­نـــيـــة، وبـــــتــ­ـــوازن تـــفـــرض­ـــه مـــصـــال­ـــحـــهــ­ـا االســـتــ­ـراتـــيــ­ـجـــيـــة، ومـــن دون أي إخــــالل بــقــواعـ­ـد الـعـالقـا­ت الـدولـيـة». وأضـــاف أن «الـجـزائـر تستمر من جهة في عالقاتها مع موسكو وفقا ملـصـالـحـ­هـا االقــتــص­ــاديــة، ومـــن الـجـانـب املـقـابـل، تبدي تعاونا كبيرًا مـع أوروبــا في مجال إمـدادات الطاقة». وتابع: «هذا األمــــر كـمـا يـجـعـل الــجــزائ­ــر مستقلة في تعاونها مع روسيا، فإنه يجعلها أيضا شريكا موثوقا وحيويا بالنسبة للغرب، بخالف ما تسعى له مجموعات الضغط األميركية الـتـي تـريـد أن تـصـور مواقف وعـالقـات الـجـزائـر مـع روسـيـا على أنها دعم آللة الحرب الروسية في أوكرانيا».

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar