سالم السودان
شعارات تواجه عراقيل التنفيذ بـ«مؤتمر جوبا للسالم»
اختتم مؤتمر اتفاق جوبا لسالم السودان، أعماله الجمعة، وهو أحد المؤتمرات الخاصة بالمرحلة النهائية للعملية السياسية في السودان، بمخرجات واعدة، ال سيما لجهة نبذ خطاب الكراهية، وتعزيز المواطنة، بمناطق النزاع في البالد، وهو ما دونه عراقيل
طـــــالـــــب مــــؤتــــمــــر «اتـــــــفـــــــاق جـــوبـــا لسالم السودان»، الذي انطلق في الـعـاصـمـة الــســودانــيــة الــخــرطــوم، الـثـالثـاء املــاضــي، واختتمت أعـمـالـه أول من أمـس الجمعة، وهـو أحـد املؤتمرات الخاصة بـــاملـــرحـــلـــة الـــنـــهـــائـــيـــة لــلــعــمــلــيــة الــســيــاســيــة فـــي الــــســــودان، بـــضـــرورة االنـــتـــقـــال مـــن ســالم املحاصصات إلى سالم حقيقي شامل، قائم على توفير استحقاقاته إلى ضحايا الحرب ويـــخـــاطـــب جــــــذور املــــشــــكــــالت. وبـــيـــنـــمـــا رأى مـتـابـعـون أن املــؤتــمــر خــطــوة إضــافــيــة نحو حل األزمة السودانية برعاية أممية وأفريقية (االتحاد األفريقي ومنظمة «إيـغـاد»)، اعتبر آخــــــرون أن مــخــرجــاتــه ال تـــعـــدو عـــن كـونـهـا شعارات غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، ال ســيــمــا مـــع غـــيـــاب قــــوى وحــــركــــات مــؤثــرة ورئــيــســيــة عـــنـــه، وتــــواصــــل االخـــتـــالفـــات بني الـقـوى املدنية، حيث تمتلك الـقـوى الرافضة لـالتـفـاق مـشـروعـا أكـثـر شــمــوال، كما فــي ظل شــكــوك حـــول عـــدم جــديــة قــائــد الـجـيـش عبد الفتاح البرهان في االلتزام باالتفاق وصوال إلى االتفاق النهائي. ومؤتمر «اتـفـاق جوبا لسالم الــســودان» هو الثاني من بني املؤتمرات الخاصة باملرحلة الـنـهـائـيـة للعملية الـسـيـاسـيـة فــي الــســودان الـتـي أعقبت التوقيع على االتــفــاق اإلطـــاري بــني الـعـسـكـر والـــقـــوى املـدنـيـة (املــوافــقــة على الــتــســويــة الــســيــاســيــة لـــحـــل أزمـــــة االنـــقـــالب) فـي 5 ديسمبر/ كـانـون األول املـاضـي. وجـاء املـؤتـمـر بـعـد مـؤتـمـر خـريـطـة طــريــق تجديد عملية تفكيك نظام الـ03 من يونيو/ حزيران ،1989 والذي عقد في 9 يناير/ كانون الثاني املــاضــي. وعــقــد مـؤتـمـر «اتــفــاق جـوبـا لسالم السودان» ضمن 5 مؤتمرات صممتها أطراف التسوية السياسية بـني العسكر واملدنيني، وبــدعــم دولــــي، للمساهمة فــي الــوصــول إلـى اتـــفـــاق نــهــائــي حــــول األزمــــــة الــســيــاســيــة في السودان، التي أعقبت انقالب البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين األول .2021 وحضر املؤتمر نحو 700 مشارك ومشاركة. ومثلت القوى املوقعة على االتـفـاق اإلطــاري بـنـسـبـة تــقــل عـــن 40 فـــي املـــائـــة، بـيـنـمـا شـكـل الــــقــــوام األكــــبــــر مــــن املـــشـــاركـــني واملـــشـــاركـــات نسبة تفوق الـ06 في املائة ممن أطلق عليهم أصـحـاب املصلحة الحقيقيني مـن الالجئني، والــنــازحــني، واملــهــجــريــن، والـــرحـــل، والـــرعـــاة، واملــــزارعــــني، ولــجــان املــقــاومــة، واملـجـمـوعـات النسوية، واألكاديميني، والكيانات الدينية واألهــــــلــــــيــــــة، واألشــــــــخــــــــاص ذوي اإلعــــــاقــــــة، واملبدعني، والشباب، وحركات الكفاح املسلح شـركـاء الــســالم، والـقـطـاع الــخــاص. وقاطعت املؤتمر حركتان رئيسيتان وقعتا على اتفاق جـوبـا 2020 بــني الحكومة وحــركــات الكفاح املــســلــح، هـمـا «الـــعـــدل واملــــســــاواة» و«تـحـريـر الـسـودان» ضمن تحالف الحرية والتغيير - الكتلة الـديـمـقـراطـيـة، املتحفظة على مجمل التسوية السياسية بـني العسكر واملدنيني، واملـــشـــغـــولـــة هـــــذه األيـــــــام بــــورشــــة بــالــقــاهــرة عــن الـــحـــوار الــســودانــي - الــســودانــي برعاية الحكومة املصرية. وســعــى املــؤتــمــرون إلـــى تقييم اتــفــاق جـوبـا، بـعـد أكــثــر مـــن عــامــني مـــن الـتـوقـيـع عـلـيـه في 2 أكـــتـــوبـــر ،2020 واملـــكـــاســـب الـــتـــي حـقـقـهـا، وتـــداولـــوا حــول أســبــاب الــنــزاعــات والــحــروب في السودان، والقضايا اإلنسانية والنازحني والـــالجـــئـــني فـــي مــنــاطــق الــــحــــروب، والــعــالقــة بعمليات السالم، واالنتقال الديمقراطي. كما جرى البحث في دور اإلدارة األهلية في تعزيز السلم املجتمعي، ومحاربة خطاب الكراهية، عدا البحث في نظام الحكم ومستوياته، وفقا التفاق جوبا لسالم السودان، ودور املجتمع اإلقـلـيـمـي والـــدولـــي فــي دعـــم تنفيذ االتــفــاق، وقضايا الرحل والرعاة واملزارعني. وخـلـص املـؤتـمـر إلــى وجـــود عقبات واجهت تـنـفـيـذ اتـــفـــاق الـــســـالم، مـنـهـا ضــعــف اإلرادة السياسية، وعدم االلتزام بالجداول الزمنية، وتحديد األولويات، وإجازة القوانني املرتبطة باتفاق السالم، وعدم قيام املؤتمرات الواردة في االتفاق، وغياب املجلس التشريعي، وعدم تسليم املطلوبني للمحكمة الجنائية الدولية كاستحقاق لـلـعـدالـة، وعـــدم توفير التمويل الـــالزم لعمليات التنفيذ، وعـــدم تكوين آلية مراقبة وتقييم التنفيذ، إضـافـة إلــى انقالب 25 أكتوبر الــذي أدى بحسب املؤتمرين إلى تعطيل التنفيذ، وفقدان الدعم الخارجي. وأكــــد املـــؤتـــمـــرون الــحــاجــة إلــــى روح وإرادة سـيـاسـيـة جـــديـــدة، تـحـشـد الـــدعـــم الـسـيـاسـي والشعبي واملـــوارد إلحــالل السلم على أرض الــــواقــــع، وفــــق تــشــريــعــات وســـيـــاســـات تـمـس حياة الناس وضحايا الحروب، مع ضرورة مراجعة جــداول التنفيذ بما يضمن االلتزام بـــاألولـــويـــات. وطــالــبــوا بــاالنــتــقــال مـــن ســالم املحاصصات إلـى سـالم حقيقي شامل قائم بتوفير استحقاقاته إلى ضحاياه، ويخاطب جـــذور الــحــرب، والــوفــاء بالنسب املــقــررة في االتــــفــــاق حـــــول الـــــثـــــروة، وفـــــق اســتــراتــيــجــيــة قـومـيـة للتنمية املــتــوازنــة الــشــامــلــة، ونـظـام الفيدرالية املالية، ومبادئ الحوكمة الرشيدة. وحـــــذر املـــشـــاركـــون مـــن األوضــــــاع اإلنـسـانـيـة القاسية التي تتعرض لها النساء في مناطق الـنـزاعـات. وأمـــن املؤتمر كذلك على املكاسب التي تضمنها االتفاق للنازحني والالجئني، والتي تعتبر في سلم األولـويـات الرتباطها بعمليات تثبيت السالم العادل، وبدء التحول الديمقراطي، ال سيما قضايا العودة الطوعية والــــتــــوطــــني اآلمــــــن فــــي مــنــاطــقــهــم األصـــلـــيـــة، وإجراء التعداد السكاني، والتعويض، وجبر الضرر، وإعـادة اإلعمار، والعدالة االنتقالية، وقضايا األراضـي والحواكير، واالنتخابات، واملـــؤتـــمـــر الـــدســـتـــوري. وطـــالـــب املـــؤتـــمـــر من ضـــمـــن تـــوصـــيـــاتـــه، بـــمـــراجـــعـــة وتــقــيــيــم دور اإلدارة األهلية وزعماء القبائل، بما يستعيد دورهــــمــــا فـــي عـمـلـيـة الـــبـــنـــاء الـــوطـــنـــي. ودان املؤتمر خطاب الكراهية والعنصرية، وناشد أطـراف عملية السالم من القوى غير املوقعة على االتـفـاق اإلطـــاري بتحكيم صــوت العقل واملشاركة في العملية السياسية، والوصول إلــى رؤيـــة مشتركة حــول استئناف عمليات تنفيذ اتفاق جوبا لسالم السودان. نـــــائـــــب رئـــــيـــــس مــــجــــلــــس الــــــســــــيــــــادة وقــــائــــد قــــوات الـــدعـــم الـــســـريـــع، مـحـمـد حـــمـــدان دقـلـو (حميدتي)، ســارع إلـى الترحيب بتوصيات املــــؤتــــمــــر، وكــــتــــب عـــلـــى مـــنـــصـــات الـــتـــواصـــل االجتماعي مرحبا بالبيان الختامي، وعـده خـــطـــوة مــهــمــة فــــي طـــريـــق إكــــمــــال الــقــضــايــا الــــخــــمــــس لـــلـــمـــرحـــلـــة الــــنــــهــــائــــيــــة لــلــعــمــلــيــة السياسية (العدالة االنتقالية، إصالح النظام األمــنــي والـعـسـكـري، مـراجـعـة وتقييم اتـفـاق السالم، تفكيك نظام 30 يونيو ،1989 وقضية شـرقـي الـــســـودان). وتـعـهـد دقـلـو بــ«مـواصـلـة الــــجــــهــــود الســـتـــصـــحـــاب كــــل فــــاعــــل رئــيــســي يرغب في استقرار البالد وأمنها، وتحولها إلـــى الـحـكـم املـــدنـــي الــديــمــقــراطــي، خصوصا أطراف السالم ممن لم يشاركوا في املؤتمر». كما جـدد التزامه باالتفاق اإلطــاري «التزاما كامال ال لبس فيه»، معتبرًا أنه «يمثل نافذة أمل لشعبنا في هذا الوقت الحرج، وسنعمل أقـصـى جـهـدنـا لــإســراع بـخـطـوات الـوصـول إلــى اتـفـاق سياسي نـهـائـي، يـؤسـس لسلطة مـــدنـــيـــة تـــعـــبـــر عــــن آمــــــال وتـــطـــلـــعـــات الـشـعـب الــســودانــي، وتــقــود املـرحـلـة االنـتـقـالـيـة حتى نصل إلى انتخابات حرة ونزيهة». ترحيب والـتـزام حميدتي ال يقرأ بمعزل عن الــخــالفــات والــتــنــاقــضــات بـيـنـه وبـــني رئـيـس مـجـلـس الــســيــادة قــائــد الـجـيـش عـبـد الـفـتـاح البرهان الذي تدور أحاديث عن عدم جديته في العملية السياسية. وكان ذلك واضحا أول من أمـس، عبر مخاطبة شعبية للبرهان في واليــة نهر النيل، شمال الــســودان، قــال فيها إن القوات املسلحة لن تفرط في وحدة البالد، وال تريد أن تمضي في االتـفـاق اإلطـــاري مع جهة واحدة، بل تريد أن يتشارك الجميع في تنفيذه، إلدراكها أنه لن يقبل أحد أن تسوقه فئة معينة دون أن تشرك اآلخرين. وتعليقا على أجندة وتوصيات املؤتمر، رأى املتحدث باسم قوى «إعالن الحرية والتغيير»، شهاب إبراهيم، لـ«العربي الجديد»، أن أهم مـا خــرج بـه املؤتمر هـو مخاطبة التباينات بـني الـقـوى املدنية حــول عملية الــســالم، كما أن أصـــحـــاب املـصـلـحـة الـحـقـيـقـيـني أسـمـعـوا صوتهم وهو ما لم يحدث في اتفاق السالم، مـؤكـدًا أن كـل الـتـوصـيـات جـــاءت فـي منتهى املـعـقـولـيـة واملــوضــوعــيــة، وسـتـضـمـن ضمن االتفاق النهائي وضمن الدستور االنتقالي، وبـعـضـهـا ســيــكــون بــرنــامــج عــمــل للحكومة االنتقالية، بحسب رأيه. وأشـار إبراهيم إلى أن املوقعني على االتفاق اإلطـــــــــــاري ســـيـــعـــمـــلـــون عـــلـــى الــــتــــواصــــل مــع املجموعات املقاطعة للعملية السياسية من أطـراف السالم مثل «حركة تحرير السودان» و«الــــــعــــــدل واملــــــــســــــــاواة»، ملـــنـــاقـــشـــتـــهـــم حـــول الــتــوصــيــات، عــلــى الـــرغـــم مـــن وجــــود غالبية الـــقـــوى املـــوقـــعـــة عــلــى االتــــفــــاق ضــمــن قــوائــم املشاركني في املؤتمر، وذلك من أجل استكمال الــــســــالم وضــــمــــان تـــنـــفـــيـــذه بــــصــــورة تــوقــف الـحـرب، وتحقق غـايـات العدالة االجتماعية وجبر الضرر، وغيرها. من جهته، اعتبر الخبير املختص في دراسات السالم، عبد الله آدم خاطر، أن املؤتمر ناقش واحــــــدة مـــن الــقــضــايــا املـــثـــيـــرة لــلــجــدل وهــي قــضــيــة اتـــفـــاق ســــالم جـــوبـــا، ألنـــهـــا مـرتـبـطـة بـهـيـاكـل الـــدولـــة والــســيــاســات الــعــامــة، وقبل ذلك بمواطنني ما زالـوا يرزحون تحت وطأة
قاطعت المؤتمر حركتا «العدل والمساواة» و«تحرير السودان»
شهاب إبراهيم: خاطب المؤتمر التباينات بين القوى المدنية