واشنطن ـ بكين: منطاد يبدد بناء الثقة
بدد المنطاد الصيني محاوالت بناء الثقة بين واشنطن وبكين، على الرغم من محاولة األخيرة احتواء األزمة، بعد إعراب األولى عن غضبها
تــــصــــدرت صـــــــورة مـــنـــطـــاد أبــــيــــض عـــنـــاويـــن الصحف األميركية والعاملية، بعد أن أعلن مــــســــؤولــــون فــــي وزارة الـــــدفـــــاع األمـــيـــركـــيـــة (الـــبـــنـــتـــاغـــون) أنــــه مــنــطــاد تــجــســس صيني كان يحلق فوق واليـة مونتانا متجها نحو مواقع أمنية وعسكرية حساسة في الواليات املتحدة. وأصدرت وزارة الخارجية الصينية، أمس السبت بيانا، ذكرت فيه أن الوزير وانغ يـــــي، حــــث الـــــواليـــــات املـــتـــحـــدة عـــلـــى «تـجـنـب سـوء التقدير» بعد أن أرجــأ بلينكن زيارته إلى بكني بسبب املنطاد. وجاء في البيان أن وانــغ أخبر بلينكن في محادثة هاتفية، أن بــاده دولــة مسؤولة ودائـمـا مـا تلتزم بدقة بالقانون الدولي، وأنها ال تقبل أي تكهنات أو دعـايـة ال أســاس لها مـن الصحة، وأن ما يتعني على الـطـرفـني الـقـيـام بــه هــو الحفاظ على التركيز، والتواصل في الوقت املناسب، وتجنب األحكام الخاطئة، وإدارة االختافات والتحكم فيها. وأرجــأت واشنطن زيــارة كانت مقررة لوزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، إلى بكني اليوم األحـــــــد، وقــــالــــت إن أزمــــــة املـــنـــطـــاد انــتــكــاســة لـلـجـهـود األخـــيـــرة لــوقــف تـــدهـــور الــعــاقــات الثنائية بني البلدين. وحــول تداعيات أزمة املـــنـــطـــاد وأثــــرهــــا عــلــى الـــعـــاقـــات بـــني بكني وواشــنــطــن، قـــال الـبـاحـث فــي «مــركــز تايبيه لـلـدراسـات الــدولــيــة»، جـني فـانـغ، فـي حديث لــــ«الـــعـــربـــي الــــجــــديــــد»، إن «إرســــــــال الــصــني منطاد تجسس إلى الواليات املتحدة عشية زيـارة مقررة لوزير الخارجية األميركي إلى ديارها هو بمثابة املسمار األخير في نعش العاقات بني البلدين». واعتبر أن بكني بهذه الــخــطــوة نـسـفـت األرضـــيـــة الــتــي كــــان يمكن البناء عليها في أثناء الزيارة إلعادة ترميم ما تهشم بينهما على مدار العقود املاضية. وأضـاف أن تداعيات ذلك لن تكون محدودة وستنعكس على مسار ومستقبل العاقات فــي شـتـى املـــجـــاالت، خـصـوصـا أنــهــا بـــددت، حسب قـولـه، جميع اآلمـــال فـي تجديد الثقة وتوثيق حبال الدبلوماسية. من جهته، يرى األستاذ في معهد «تسيونغ كوان» لألبحاث في هونغ كونغ، تشو يونغ، فـــي حــديــث لـــ«الــعــربــي الـــجـــديـــد»، أن الـصـني دفــعــت مـبـكـرًا فـــاتـــورة أزمـــة املــنــطــاد، بـإعـان الـخـارجـيـة األمـيـركـيـة إرجـــاء زيـــارة بلينكن، قبل يوم واحد من موعدها. وقال إن «الصني فوتت فرصة تحسني العاقات مع الواليات املتحدة في توقيت حساس بالنسبة للبلدين، فـــالـــصـــني تــســعــى إلـــــى إنــــعــــاش اقـــتـــصـــادهـــا املــدمــر بـفـعـل وبــــاء كـــورونـــا، خـصـوصـا بعد رفع القيود وإلغاء سياسة صفر كوفيد في ديـسـمـبـر/ كــانــون األول املـــاضـــي، وبـالـتـالـي كانت في حاجة إلى زيـارة من هذا املستوى ملـنـاقـشـة سـبـل تـذلـيـل الـعـقـبـات أمــــام تعزيز التبادالت بني الجانبني». وتابع قائا: «كان من املهم لواشنطن أيضا أن تستمع لبكني بشأن العديد من القضايا واملــــلــــفــــات، لـــعـــل أبـــــرزهـــــا: الــــحــــرب الـــروســـيـــة األوكــــرانــــيــــة، وكـــذلـــك الـــتـــوتـــرات األمــنــيــة في
مضيق تــايــوان». وأضـــاف أن إدارة الرئيس األمـــيـــركـــي جـــو بـــايـــدن «تــشــعــر بـــغـــدر ومـكـر الحزب الشيوعي بسبب التطورات األخيرة، وهــو أمــر مــن شـأنـه أن يـتـرك نــدوبــا ستبقى آثارها لعقود طويلة». وفي تعليقه على أزمة املـنـطـاد، قـــال الـبـاحـث فــي «مـعـهـد لياونينغ للدراسات السياسية»، وانغ تشي يـوان، في حديث لـ«العربي الجديد»، إنه «من السابق ألوانه الحكم على املنطاد الصيني بأنه سير ألغـــــراض الــتــجــســس»، مـضـيـفـا «االدعـــــــاء ات األمــيــركــيــة ال تـسـتـنـد إلـــى أي دالئــــل مــاديــة، فضا عن أن بكني أكدت أن املنطاد يستخدم فـي مـجـال األبــحــاث واألرصــــاد الـجـويـة، وقد
تشو يونغ: الصين دفعت مبكرًا فاتورة أزمة المنطاد انحرف عن مساره بفعل دفع الرياح». وأردف: «ال شــك فــي أن هــنــاك مـبـالـغـة مــقــصــودة في تهويل األمر من جانب الواليات املتحدة، ألنه يخدم استراتيجيتها في احتواء الصني من خـال تغويل كل ما يصدر عنها وتصويره على أنه يمثل تهديدًا للمجتمع الدولي. لكن فـي املـقـابـل، تقوم الــواليــات املتحدة بأشياء أكثر ضـررًا وخطورة على األمـن واالستقرار السلمي ليس فقط في محيطها بل أيضا في ما وراء البحار». بـــــــــــــدوره، يــــــــرى ولــــــيــــــام كـــــيـــــم، الــــخــــبــــيــــر فــي مناطيد املراقبة في مركز أبحاث «مـاراثـون انيسياتيف» في واشنطن، أن هذه األجهزة تــــعــــد أدوات مــــراقــــبــــة قـــــويـــــة مـــــن الـــصـــعـــب إسقاطها. ويشير في حديث لوكالة «فرانس برس»، إلى أن مظهر املنطاد الصيني يشبه شكل منطاد األرصاد الجوية العادي، إال أن هناك بعض العناصر املختلفة. ويـوضـح كيم أن «حـمـولـة املـنـطـاد الضخمة الــتــي يـمـكـن رؤيــتــهــا بـــوضـــوح، تـضـم أدوات إلــكــتــرونــيــة لـلـتـوجـيـه واملـــراقـــبـــة، بــاإلضــافــة إلى األلواح الشمسية لتشغيلها». ويرى أنه «يمكن أن يحمل املنطاد تقنيات توجيه لم يتم اعتمادها بعد لدى الجيش األميركي». ويـــعـــتـــبـــر الـــخـــبـــيـــر أنــــــه «مــــــع تــــقــــدم الــــذكــــاء االصطناعي، بات من املمكن توجيه املنطاد عــبــر تـغـيـيـر االرتــــفــــاع لـــلـــوصـــول إلــــى نقطة مــنــاســبــة لــلــعــثــور عـــلـــى ريــــــاح تـــدفـــعـــه نـحـو الــوجــهــة املــطــلــوبــة». وحــــول مـــزايـــا املـنـاطـيـد مقارنة باألقمار االصطناعية، يشرح كيم أن «األقـمـار االصطناعية باتت معرضة بشكل مــتــزايــد لـلـهـجـوم مــن األرض والــفــضــاء، أمـا املـنـاطـيـد فـــقـــادرة عـلـى الـــهـــروب مــن الـــــرادار، ومصنوعة من مواد ال تعكس الضوء، وهي ليست معدنية. لذا، حتى لو كانت كبيرة إلى حد ما سيكون اكتشاف وجودها صعبا». ويـــتـــابـــع كـــيـــم: «بـــمـــا أن أجــــهــــزة الــتــجــســس والـــحـــمـــولـــة الـــصـــافـــيـــة لـــهـــذه األجــــهــــزة تــعــد صغيرة، فهي يمكن أن تمر من دون ماحظة». وحول احتمال أن يكون املنطاد قد وصل إلى الواليات املتحدة عن طريق الخطأ؟ يرد كيم»: «هـذا احتمال حقيقي»، مضيفا: «من املمكن بالفعل أن يكون املنطاد الصيني قـد أرســل فــي الـبـدايـة لجمع الـبـيـانـات خـــارج الـحـدود األميركية أو أعلى من ذلك، قبل أن يتعطل». ويحذر من إسقاط املنطاد، ألن «األمــر ليس سها كما يبدو». ويشرح كيم: «هذه املناطيد تعمل على غــاز الهيليوم. ال يمكنك إطــاق النار عليها بكل بساطة وإشعال النار فيها». ويشير إلى أنها «ليست أشياء تنفجر، ففي حال ثقبت املنطاد، سينكمش ببطء شديد».