Al Araby Al Jadeed

إحياء مكلف ألنبوب تصدير يتفادى تونسوالروس

بعد أن دفن في ،2011 ألسباب متعددة، تلتقي رغبة الجزائر وإيطاليا في إحياء مشروع أنبوب «غالسي» لنقل الغاز الجزائري، فالدولة العربية تسعى لزيادة صادراتها بعيدًا عن قيود الجغرافية المتمثلة في المرور بدول الجوار

- الجزائر ـ حمزة كحال

عـــــــــ­ــاد مــــــلــ­ــــف مـــــــــ­شـــــــــ­روع أنــــــبـ­ـــــوب «غـــالـــس­ـــي» الـــــذي يــســتــه­ــدف نقل الــــغـــ­ـاز الــــجـــ­ـزائــــري مـــبـــاش­ـــرة إلـــى إيطاليا من دون املرور بتونس، إلى الواجهة من جديد، بعد أن دفن في عام 2011 ألسباب مــــتــــ­عــــددة، كـــــان عـــلـــى رأســــهــ­ــا دخــــــول شــركــة غازبروم الروسية املنافسة السوق اإليطالية عـــبـــر أنـــابـــ­يـــب غـــــاز بـــديـــل­ـــة، بـــجـــان­ـــب مـشـاكـل تتعلق باستقرار األوضاع في الجزائر. فـفـي نـهـايـة يــنــايــ­ر/كــانــون الــثــانـ­ـي املــاضــي، وقـــعـــت شـــركـــة ســــونـــ­ـاطــــراك الـــجـــز­ائـــريـــ­ة مـع شــــركـــ­ـة إيــــنـــ­ـي اإليــــطـ­ـــالــــي­ــــة اتـــفـــا­قـــيـــة تـــعـــاو­ن إلنـجـاز خـط غـالـسـي، ليس فقط لنقل الغاز الطبيعي، بل أيضا الهيدروجني واألمونيا الزرقاء (املنتجة باستخدام الغاز الطبيعي) والـــخـــ­ضـــراء (املــنــتـ­ـجــة بــاســتــ­خــدام الــطــاقـ­ـات الــنــظــ­يــفــة) فـــي تـــحـــول يــشــيــر إلــــى االهــتــم­ــام الكبير بإحياء املشروع. ورغـــــم حــمــاســ­ة الـــجـــز­ائـــر إلنـــشـــ­اء األنـــبــ­ـوب، فـــإن مشكلة الـتـمـويـ­ل عـــادت لـتـطـرح نفسها كــحــاجــ­ز كــبــيــر فـــي طـــريـــق املــــشــ­ــروع املـكـلـف الذي يسعى إلى تفادي الجغرافيا خاصة أن الحكومة الجزائرية تسعى إلى تجنب مرور الـخـط بتونس تـفـاديـا ألي مشكلة قــد تؤثر على اإلمـــــد­ادات كما حــدث مــع األنــبــو­ب املــار باملغرب نحو أوروبا. ومن املقرر أن ينطلق مسار األنبوب من حقل حــاســي الـــرمـــ­ل فـــي الــجــنــ­وب الـــجـــز­ائـــري إلــى منطقة كـوديـة الــــدراو­ش فـي واليـــة الـطـارف، بـأقـصـى الـشـمـال الـشـرقـي الــجــزائ­ــري، ومنه إلى جزيرة سردينيا اإليطالية تحت البحر ثم الجزء البري الـذي يقطع الجزيرة ملسافة 300 كيلومتر، ومنها إلـى البر اإليطالي في مــقــاطــ­عــة تــوســكــ­انــا فـــي الـــشـــم­ـــال، بـإجـمـالـ­ي 1505 كيلومترات. كما كان مقررًا أن تستفيد فــرنــســ­ا مـــن املــــشــ­ــروع عــبــر تــــزويــ­ــده جــزيــرة كورسيكا بالغاز الجزائري عبر أنبوب غاز قصير يربطها بجزيرة سردينيا اإليطالية. ويــعــتــ­بــر «غـــالـــس­ـــي» الـــــذي يـــرمـــز إلــــى «غــــازالـ­ـــجــــزا­ئــــر - ســـرديـــ­نـــيـــا - إيـــطـــا­لـــيـــا» بــالــلــ­غــة الاتينية، من املشاريع التي أطلقها الرئيس الـجـزائـر­ي الـراحـل عبد العزيز بوتفلقة عام ،2004 بـــــاملـ­ــــوازاة مــــع أنــــبـــ­ـوب « مـــيـــد- غــــاز» الـذي يربط الجزائر باسبانيا مباشرة دون املــــرور بــالــتــ­راب املــغــرب­ــي. وعــلــى الـعـكـس من «مـــيـــد- غـــــاز» الـــــذي دشــنــتــ­ه الـــجـــز­ائـــر نـهـايـة السنة املاضية، طوت الجزائر ملف «غالسي» بسبب غياب التمويل آنذاك، وتراجع الطلب األوروبــي على الطاقة، لكن الحرب الروسية - األوكرانية، وارتـفـاع الطلب األوروبـــ­ي على الـــغـــا­ز الـــجـــز­ائـــري مــــجــــ­ددًا، أغـــــرى الـحـكـومـ­ة الـجـزائـر­يـة وكـذلـك الـطـرف اإليـطـالـ­ي إلحياء املشروع. يـــقـــول وزيـــــر الـــطـــا­قـــة األســـبــ­ـق واملــــدي­ــــر الــعــام السابق لشركة سوناطراك النفطية الجزائرية، عبد املجيد عـطـار، إن «أنــبــوب غالسي حني طـــرحـــت­ـــه الـــجـــز­ائـــر فــــي عـــهـــد بــوتــفــ­لــيــقــة كـــان أنــبــوب لنقل الــغــاز فـقـط، يـمـر إلـــى سردينيا ثـــم يــتــم ربــطــه مـــع جـــزيـــر­ة كــورســيـ­ـكــا وبــذلــك

األنبوب سينقل الهيدروجين والكهرباء إلى إيطاليا إلى جانب الغاز

تمون الجزائر ايطاليا وفرنسا أي تستهدف عصفورين بحجر واحــد، لكن تراجع الطلب على الـغـاز الـجـزائـر­ي فـي الـسـنـوات املاضية وارتــــفـ­ـــاع االســـتــ­ـهـــاك الـــداخــ­ـلـــي فـــي الــجــزائ­ــر جمد املــشــرو­ع». ويــرى عطار فـي حديث إلى «العربي الجديد» أن «التوجه نحو األنابيب املــبــاش­ــرة هــي خـطـوة احــتــراز­يــة مــن الـجـزائـر لــتــفــا­دي أي خـــافـــا­ت مـــع دول الــــجـــ­ـوار، كما حـدث مثا مع املغرب، ما قد يهدد صـادرات الـــجـــز­ائـــر مـــن الـــغـــا­ز، وهــــو مـــا تــريــد الــجــزائ­ــر تفاديه مع تونس أيضا، مع العلم أن األنبوب فــي النسخة الــجــديـ­ـدة سينقل الـهـيـدرو­جـني األخضر والكهرباء أيضا».

دفعة جديدة للصادرات الجزائرية

وسيعطي أنبوب «غالسي» في حال ترجمته في أرض الواقع، دفعة لصادرات الجزائر من الطاقة، كـون طاقة نقله تامس 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، تضاف إلى نفس الحجم املـصـدرة عبر أنبوبي «ميد- غــاز» و «ترانس – ميد» والصادرات عبر السفن. وفي السياق يقول الخبير االقتصادي جمال نور الدين إن املشروع يتطلب منشآت وتجهيزات خـــاصـــة تــتــوفــ­ر عــلــى مــعــايــ­يــر أمــــن وســامــة صارمة ومدعمة بشكل كاف، خاصة أنه من املقرر وفق االتفاق الجديد نقل الهيدروجني األخضر الذي ينتج في جنوب الجزائر. وتصدر الجزائر حاليا الغاز عبر أنبوبي «تــــرانــ­ــس – مـــيـــد» الـــــذي يــمــر عــبــر الـــتـــر­اب التونسي مـــرورًا بجزيرة صقيلية، ويمتد األنــــــ­بــــــوب ملــــســـ­ـافــــة 400 كـــيـــلـ­ــومـــتــ­ـر داخـــــل األراضـــي التونسية إلــى سـواحـل الهوارية شـــمـــاا­ل، وتـحـصـل تــونــس عـلـى رســــوم نقل بنسبة تــتــراوح %5.25 %6.75و مـن حجم الغاز املنقول. أمــا األنـبـوب الثاني فهو «ميد – غــاز» الـذي يربط الجزائر من مصفاة «بن صاف» غربا، بـــجـــنـ­ــوب إســـبـــا­نـــيـــا، ودشـــــــ­ـن فــــي نــوفــمــ­بــر/ تشرين الثاني ،2022 في أعقاب قطع الجزائر لــعــاقــ­اتــهــا مــــع املــــغــ­ــرب، ويـــســـم­ـــح بــنــقــل 10 مـلـيـارات متر مكعب مـن الـغـاز سـنـويـا، بعد تـجـمـيـد نــقــل الـــغـــا­ز عــبــر أنـــبـــو­ب «املـــغـــ­اربـــي األوروبي» الذي يمر فوق التراب املغربي. ويقول نور الدين لـ «العربي الجديد» إن إعادة إحــيــاء مــشــروع غـالـسـي يتطلب ضــخ الـــدول األوروبية الستثمارات في الجزائر، سواء في

مصادر الطاقات التقليدية على غرار الغاز، أو في الطاقات الجديدة والنظيفة.

معضلة التمويل ومصالح أوروبا

وعــلــى الـــرغـــ­م مـــن حــمــاســ­ة الـــجـــز­ائـــر إلنــشــاء األنبوب، فـإن مشكلة التمويل عـادت لتطرح نـفـسـهـا كــحــاجــ­ز كــبــيــر، فـالـتـكـت­ـل األوروبـــ­ــي ســـبـــق أن أبــــــدى اســــتـــ­ـعــــدادًا لــلــمــس­ــاهــمــة فـي املشروع بـ 500 مليون دوالر فقط، وهو رقم بعيد عن كلفة إنجاز «غالسي». فـحـسـب مــديــر مـكـتـب «ايـــمـــر­جـــي» لـــدراســ­ـات الـــطـــا­قـــة، مــــــراد بـــــــور­و، فــــــإن «كـــلـــفـ­ــة مـــشـــرو­ع غالسي تتعدى 3 مليارات دوالر مبدئيًا، إذا ما افترضنا أنه سينقل الغاز والهيدروجن والـــكـــ­هـــربـــا­ء، وهــــي تـكـلـفـة ال يـمـكـن لـلـجـزائـ­ر أن تتحملها بــمــفــر­دهــا، بــخــاصــ­ة أن شـركـة سوناطراك وحدها تحتاج إلـى 10 مليارات دوالر الستغال حقول الغاز املكتشفة السنة املــاضــي­ــة فــقــط، وزيـــــاد­ة إنـتـاجـهـ­ا مـــن النفط والغاز، من دون أن ننسى فترة اإلنجاز التي كانت في الدراسة األولى بـ 10 سنوات». ونــجــحــ­ت الـــجـــز­ائـــر مــنــذ 2019 فـــي اجــتــيــ­از اختبار تجديد عقود الغاز طويلة األمد التي تربطها مع إسبانيا وايطاليا وفرنسا، أكبر زبائن الغاز الجزائري، بعقود تصل إلى 10 ســـنـــوا­ت، كـمـا جــــددت الــعــقــ­ود الــتــي تربطها مع البرتغال وتركيا، فيما كشفت الحكومة الـجـزائـر­يـة نهاية 2022 عــن رفضها ملقترح تسقيف أسـعـار الـغـاز الـــذي كــان يسعى إلى فرضه االتحاد األوروبي. ويـــقـــو­ل مــــراد بــــرور لـــ«الــعــربـ­ـي الــجــديـ­ـد» إن «الجزائر بإمكانها البحث عن ممولن أجانب كالصن أو أي تكتل إقليمي أو مــالــي، لكن األمر سيكون صعبا جدا، في تطور األحداث عـــاملـــ­يـــا، وتــقــلــ­ب أســــــوا­ق الـــطـــا­قـــة مـــن دقـيـقـة إلــــى أخــــــرى، فـــاألمــ­ـس الـــقـــر­يـــب كـــانـــت حـقـول الــنــفــ­ط غــيــر مــغــريــ­ة فـــي ظـــل تـــهـــاو­ي أســعــار الذهب األسـود، واليوم انقلبت األمــور». لكن محللن يـــرون أن أهـمـيـة املــشــرو­ع بالنسبة للجانب اإليطالي في ظل ظــروف اإلمـــداد­ات بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، قد يدفع األوروبين إلى مساعدة الجزائر في تمويل إنشاء األنبوب. فــي ،2011 دخـلـت شـركـة غـــازبـــ­روم الـروسـيـة بكامل ثقلها، وفرضت منافسة شرسة على ســـونـــا­طـــراك مـــن خـــال سـعـيـهـا لـاسـتـحـو­اذ على حصة األسـد من سوق الغاز اإليطالي، عـــبـــر خــــط «نـــــــور­د ســــتــــ­ريــــم1» الـــــواص­ـــــل إلـــى أملـــانــ­ـيـــا، وأيــــضــ­ــًا عـــبـــر خــــط أنـــابـــ­يـــب الــعــابـ­ـر للنمسا .»TAG« وبـــعـــد أن كـــانـــت الـــجـــز­ائـــر عــلــى رأس قـائـمـة مـــــصـــ­ــدري الـــــغــ­ـــاز إلــــــى إيـــطـــا­لـــيـــا تـــزحـــز­حـــت إلـــــى املـــرتــ­ـبـــة الـــثـــا­نـــيـــة خـــلـــف روســــيــ­ــا، الــتــي أخـــذت حـصـة تـفـوق %40 مــن واردات الـغـاز اإليطالية. لكن بعد انــدالع الحرب الروسية فـــي أوكـــرانـ­ــيـــا فـــي 24 فــبــرايـ­ـر/شــبــاط ،2022 وقـــرار االتــحــا­د األوروبـــ­ـي التخلي تدريجيًا عن الغاز الروسي، أدركت روما حجم الخطأ الذي ارتكبته بوضع أغلب بيضها في السلة الروسية في السابق، وحملت صحف إيطاليا الـحـزب الديمقراطي اإليطالي فـي توسكانا مسؤولية تعطيل مشروع «غالسي». وقــد ال تتوقف االسـتـفـا­دة مـن املــشــرو­ع عند إيطاليا وفرنسا، وإنما من املمكن مـده إلى أملـــانــ­ـيـــا، أكــبــر اقــتــصــ­اد فـــي أوروبـــــ­ــا، بــعــد أن كــــان هــنــاك مـــشـــرو­ع لــتــزويـ­ـد أملــانــي­ــا بـالـغـاز الجزائري عبر خط «ميدكات» من إسبانيا. وبـسـبـب تغير املــوقــف الـسـيـاسـ­ي للحكومة اإلســبــا­نــيــة مـــن قــضــيــة الـــصـــح­ـــراء، اخـــتـــا­رت الـجـزائـر إيطاليا كمركز لتوزيع الطاقة في أوروبا بدال من إسبانيا.

 ?? (فرانس برس) ?? األوروبيون يسعون إلى زيادة إمدادات الغاز من الجزائر
(فرانس برس) األوروبيون يسعون إلى زيادة إمدادات الغاز من الجزائر

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar