اإلخفاء القسري في باكستان
فشل حكومي يرسخ اإلفالت من العقاب
8463 حالة إخفاء قسري موثقة في باكستان تفاقمت الظاهرة مع انخراط باكستان في الحرب على اإلرهاب
تستهدف ظاهرة اإلخفاء القسري في باكستان الصحافيين واألساتذة الجامعيين والطالب والناشطين الحقوقيين، منذ عام ،1971 وتفاقمت بعد االنخراط في الحرب على اإلرهاب، في ظل الهيمنة العسكرية على الحكم وفشل حكومي في حل الظاهرة
تـواصـل عائلة الباكستاني فلك ناز خان، البحث عنه منذ اعتقاله في 16 سبتمبر/ أيلول 2009 من قبل الشرطة الباكستانية بالقرب من منزله في منطقة بره بانده بوادي سوات (شمال غــربــي بـاكـسـتـان)، بتهمة ارتـبـاطـه بحركة طالبان باكستان. وفـي 16 أكتوبر/ تشرين األول ،2009 تلقت الــعــائــلــة خــبــرًا مـــن الــشــرطــة الــتــي احـتـجـزت فـــلـــك ملـــــدة 19 يــــومــــا بـــأنـــهـــا ســلــمــتــه لـفـيـلـق بـــيـــشـــاور (شــــمــــال غـــــــرب) الـــعـــســـكـــري، وفـــق روايــــة شقيقته غـــول، الـتـي قـالـت لــ«الـعـربـي الـــجـــديـــد»: «ذهــــب أبـــي املــســن إلـــى كـــل مـراكـز الجيش في املنطقة، للبحث عنه دون أن يجد له أثــرًا». الحقا، توجه والـد فلك إلـى محكمة بــيــشــاور، ثــم املحكمة الـعـلـيـا، لـيـعـرف مكان احتجازه، دون فائدة أيضا، حسب قول غول، مضيفة: «أخـي ليس له أي انتماءات فكرية، وكــــل هـــمـــه الــحــصــول عــلــى الـــــرزق مـــن خــال عمله الـصـبـاحـي معلما فــي مــدرســة ننغلي الخاصة، ومواصلة دراسته مساء في معهد سوات للعلوم والتقنية، الحكومي في مدينة مينغورا في وادي سوات». ويـــكـــون «الــضــحــايــا فـــي أغـــلـــب األحـــيـــان من الـــفـــئـــات املـــهـــمـــشـــة فــــي املـــجـــتـــمـــع، وبـــمـــجـــرد اخـــتـــفـــائـــهـــم قـــســـرًا يـــكـــونـــون عـــرضـــة لـخـطـر الـتـعـذيـب واإلعــــــدام خــــارج نــطــاق الــقــضــاء»، حـــســـب بـــيـــان مـــنـــشـــور عـــلـــى مـــوقـــع مـنـظـمـة هـــيـــومـــن رايــــتــــس ووتـــــــش، فــــي 22 يــونــيــو/ حزيران ،2022 بعنوان «محكمة باكستانية تحمل الدولة مسؤولية اإلخفاء القسري».
8463 حالة اختفاء قسري
بـــعـــد عـــجـــز عـــائـــلـــة فـــلـــك عــــن الـــعـــثـــور عــلــيــه، سجلت حادثة اختفائه لدى لجنة التحقيق فـــــي حــــــــاالت اإلخــــــفــــــاء الــــقــــســــري (شــكــلــتــهــا الحكومة الباكستانية فـي 13 مـــارس/ آذار 2011 ملـــعـــالـــجـــة قـــضـــايـــا املـــخـــتـــفـــن قــــســــرًا)، الـــتـــي وعـــدتـــهـــم بـــــاإلفـــــراج عـــنـــه عـــــدة مـــــرات، لــكــن ذلــــك لـــم يـــحـــدث حــتــى اآلن، كــمــا تــقــول غـــول، مـضـيـفـة: «إذا كـــان أخـــي مـذنـبـا، يجب مـثـولـه أمـــام املـحـكـمـة، وإذا قــتــل فــي السجن فـلـيـخـبـرونـا بـــذلـــك، بـــــدال مـــن الــبــحــث عــنــه».
وتلقت لجنة التحقيق فـي اإلخـفـاء القسري منذ تشكيلها حتى منتصف العام الجاري 8463 شــــكــــوى تـــتـــعـــلـــق بـــــحـــــاالت اإلخــــفــــاء الـــقـــســـري، وفــــق مـــا جــــاء عــلــى مــوقــع منظمة هيومن رايتس ووتش، في 22 يونيو ،2022 وتــتــبــعــت «الــلــجــنــة ثــلــث الــــحــــاالت املـسـجـلـة لديها، لكنها لم تبذل أي محاولة ملحاسبة املـسـؤولـن عـن عــدم امتثالهم ألوامـــر تقديم األشخاص املحتجزين بشكل غير قانوني»، وتشير إلــى أن «اللجنة أخفقت فـي تحقيق العدالة للضحايا». وتتفق الناشطة الحقوقية آمنة جنجوعة، الـــتـــي أســـســـت مــنــظــمــة لـــلـــدفـــاع عــــن حــقــوق اإلنــــــســــــان بــــعــــد اخــــتــــفــــاء زوجـــــهـــــا مـــســـعـــود جنجوعة فـي 30 يوليو/ تموز 2005 خال مــــــروره عــلــى طـــريـــق بـــن مــديــنــتــي بــيــشــاور ورالبندي (شمال شرق)، مع ما وصلت إليه هـيـومـان رايــتــس ووتــــش، وتــقــول لــ«الـعـربـي الجديد»: «لجنة التحقيق في حاالت اإلخفاء الـــقـــســـري لــــم تــتــمــكــن مــــن الـــقـــيـــام بـمـعـالـجـة قـضـايـا ضـحـايـا اإلخـــفـــاء الــقــســري، وزوجـــي منهم»، وتردف: «صارت لجنة التحقيق عبئا عـلـى ذوي املختفن قــســرًا، إذ كلما تقدموا بـــدعـــاوى لــلــمــحــاكــم، يـــقـــال لــهــم اذهـــبـــوا إلــى اللجنة وقدموا شكواكم، رغم أنها لم تنصف الضحايا، كما يقول أهالي املختفن».
مراحل تطور الظاهرة
بــدأت ظاهرة اإلخـفـاء القسري في باكستان فـــي عــــام 1971 عــنــدمــا أطــلــقــت حــكــومــة ذو الفقار على بوتو (مـن عـام 1971 إلـى )1977 حـمـلـة أمـنـيـة ضــد قـبـائـل مـــري (مـــن القبائل البلوشية التي تعيش في شمال شرق إقليم بلوشستان)، وخطفت كـل مـن كــان يقف في وجهها، لكنها تفاقمت بعد الغزو األميركي ألفـغـانـسـتـان، وتــحــديــدًا فــي عـــام 2001 إبــان عــهــد حــكــومــة الـــجـــنـــرال بـــرويـــز مــشــرف (مــن 1999 حتى ،)2008 كما يقول الزعيم القبلي فـــي بــلــوشــســتــان (غـــربـــي بــاكــســتــان) محمد رمـــضـــان لــــ «الـــعـــربـــي الـــجـــديـــد»، وتــصــاعــدت الــظــاهــرة فـــي عـــام 2006 بــعــد مـقـتـل الـزعـيـم البلوشي نــواب أكبر بكتي (قتل فـي عملية عسكرية في بلوشستان في 29 أغسطس/ أب ،)2006 حسب تأكيد تانية فيروز، املحامية الحقوقية التي تعمل في محكمة إسام أباد.
ما سبق يتطابق مع تقرير «ترسيخ اإلفات من العقاب والحرمان من االنصاف: لجنة الــتــحــقــيــق فـــي حـــــاالت اإلخــــفــــاء الــقــســري» الــــصــــادر عــــن لــجــنــة الــحــقــوقــيــن الـــدولـــيـــة (مــنــظــمــة غـــيـــر حـــكـــومـــيـــة)، والـــــصـــــادر فـي الـثـامـن مـن سبتمبر ،2020 والـــذي أوضـح أن «ظــــاهــــرة اإلخــــفــــاء الـــقـــســـري مـــوجـــودة فـي باكستان منذ السبعينيات مـن القرن املـــاضـــي، لــكــن تــصــاعــدت مـــع بـــدايـــة تـــورط باكستان في الحرب على اإلرهــاب بقيادة الواليات املتحدة األميركية في عام ،2001 إذ اتهم مئات األشـخـاص بارتكاب أعمال إرهابية، وبالتالي بدأت الظاهرة تنتشر، وخــــاصــــة فــــي إقـــلـــيـــم خـــيـــبـــر بــخــتــونــخــوا، (شــمــال غــــرب)، وبـــأعـــداد كـبـيـرة فــي إقليم بــــلــــوشــــســــتــــان، حــــيــــث يــــخــــفــــى الـــنـــشـــطـــاء السياسيون واألشـخـاص الذين يعتبرون متعاطفن مع االنفصالين أو القومين». وخـــال الـفـتـرة مــن عـــام 2011 وحــتــى نهاية عـــــام ،2021 بـــلـــغ عـــــدد املـــخـــفـــيـــن قـــســـرًا مـن عــرقــيــة الـــبـــلـــوش فـــي إقــلــيــم بــلــوشــســتــان، 5 آالف شخص، كما تقول الناشطة الحقوقية، سمرين بـلـوش، التي تعمل مـن أجــل الدفاع عن حقوق املختفن قسرًا من عرقية البلوش، مــضــيــفــة لــــ «الـــعـــربـــي الــــجــــديــــد»: «الـــظـــاهـــرة ستظل مستمرة طاملا ال يوجد قانون يعاقب املسؤولن عن اإلخفاء القسري».
من يتحمل المسؤولية؟
تمددت ظاهرة اإلخفاء القسري عقب عام 2011 إلــــى مــــدن بــاكــســتــان كـــافـــى، بـعـدمـا كــــانــــت مـــقـــتـــصـــرة عـــلـــى مـــنـــاطـــق الـــعـــرقـــيـــة البلوشية (جنوب غرب)، ومناطق العرقية الـــبـــشـــتـــونـــيـــة (شــــمــــال غــــــــرب)، كـــمـــا تـــقـــول الــنــاشــطــة جــنــجــوعــة، مـضـيـفـة أن اإلخــفــاء الـــقـــســـري طـــــاول الــصــحــافــيــن واألســــاتــــذة الــجــامــعــيــن، وطـــــاب الـــجـــامـــعـــات، ورواد مـنـصـات الــتــواصــل االجـتـمـاعـي والــتــجــار، والـــنـــاشـــطـــن فـــي مـــجـــال حـــقـــوق اإلنـــســـان، ومنهم املدافع عن حقوق اإلنسان والناشط فـــي املـجـتـمـع املـــدنـــي، إدريـــــس خــتــك، الـــذي اخـــتـــطـــفـــه رجــــــال األمــــــن فــــي 13 نــوفــمــبــر/ تشرين الـثـانـي ،2019 وتـعـرض لاختفاء القسري والتعذيب ملدة سبعة أشهر. و«فــــــي 16 يـــونـــيـــو/ حـــــزيـــــران 2020 أقــــرت الـسـلـطـات بــأنــه مـحـتـجـز، مــن دون الكشف عــن مـكـان احــتــجــازه»، وفــق مــا نـشـره موقع األمم املتحدة في 15 ديسمبر/ كانون األول ،2021 بـعـنـوان «بـاكـسـتـان: خــبــراء أمميون يدينون الحكم بالسجن على مدافع حقوقي مـــن األقــلــيــات ويـــدعـــون إلـــى اإلفــــــراج عــنــه»، لـــكـــن «مــحــكــمــة عــســكــريــة وجـــهـــت لــــه تـهـمـة الــتــجــســس وأنــــواعــــا أخـــــرى مـــن االتــهــامــات الـــتـــي تـــضـــر بـــأمـــن الــــدولــــة أو مــصــالــحــهــا، بما فـي ذلــك الكشف املـزعـوم عـن معلومات تتعلق بالعمليات العسكرية في عام 2009 فــي املنطقة، وبــنــاء عليه صــدر بحقه حكم بالسجن ملدة 14 سنة». وتـــحـــمـــل املــحــامــيــة فـــي مـحـكـمـة اســــام آبـــاد إيمان زينب، املؤسسة العسكرية مسؤولية اإلخفاء القسري، وتقول لـ«العربي الجديد»: «املــؤســســة الـعـسـكـريـة واالســـتـــخـــبـــارات هي الــــتــــي تــــقــــوم بــــأعــــمــــال اإلخـــــفـــــاء الــــقــــســــري»، وتضيف: «هذا األمر أصبح شبه بديهي لدى كل الباكستانين». وهو ما تؤكده الناشطة بلوش، قائلة: «خال العقود املاضية تعاقبت عـلـى بـاكـسـتـان حــكــومــات عـسـكـريـة وأخـــرى مدنية، لكن الحكومات العسكرية هي التي تــشــرف عـلـى عمليات اإلخــفــاء الــقــســري. أمـا الحكومات املدنية فليس لها سلطة كما هو حال املؤسسة العسكرية واالستخبارات». يعزز هذه الفرضية، قضية زاهد أمن، الذي اعتقل في يوليو/ تموز ،2014 بعد مداهمة عناصر مـن االسـتـخـبـارات العسكرية منزل الـــعـــائـــلـــة فــــي مــنــطــقــة أديـــــالـــــه رود بــمــديــنــة راولـبـنـدي فـي إقليم بنجاب (شـمـال شــرق)، كــــمــــا يـــــقـــــول ســــلــــطــــان مــــحــــمــــود، األخ غــيــر الشقيق لـزاهـد، مضيفا لـ«العربي الجديد» أن عــنــاصــر االســتــخــبــارات أخـــبـــروا الـعـائـلـة حينها أنهم سيحققون مع زاهــد ويطلقون سراحه، لكن «منذ ذلك الحن وهو مفقود». وفي الثالث من مارس ،2021 جاء شخصان مـــن االســـتـــخـــبـــارات إلــــى مـــنـــزل عــائــلــة زاهــــد، وأوهــمــوهــم بـأنـهـم يــريــدون مـعـلـومـات عنه، وبـــعـــد حــصــولــهــم عــلــيــهــا اعـــتـــقـــلـــوا شـقـيـقـه صادق، املختفي حتى اآلن، بحسب محمود. ويـدافـع الـلـواء املتقاعد مـن الـقـوات الخاصة الباكستانية، محمد نعيم ممتاز، عن الجيش بـالـقـول: «املـؤسـسـة العسكرية تـــدرك أضــرار قضية اإلخــفــاء الـقـسـري، لكنها تـقـع بسبب أن املحاكم الباكستانية يكثر فيها الفساد والرشوة، إذ يمكن إطـاق سـراح أي شخص مــا دام ذووه يـصـرفـون املـــال مــن أجـــل ذلـــك»، مضيفا لـ «العربي الجديد»: «األجهزة األمنية تقوم بذلك إلحال األمن، ومنع تدخل أجهزة االستخبارات الناشطة في املنطقة في الباد، مــن خـــال دعـمـهـا للجماعات املسلحة التي تزعزع أمن باكستان».
محاولة لم تكتمل لمواجهة الظاهرة
يــــعــــتــــرف خــــــواجــــــة آصــــــــــف، وزيــــــــــر الـــــدفـــــاع الـبـاكـسـتـانـي، والـــقـــيـــادي فـــي حـــزب الـرابـطـة اإلسامية، بعدم إمكانية حل القضية بهذه البساطة، ألنها متجذرة، قائا أمام البرملان بــعــد وصــــول حــزبــه إلــــى الــحــكــم فـــي إبــريــل/ نيسان املاضي، إن «اإلخفاء القسري مرتبط بامللف األمني والحرب على اإلرهاب». وقدمت وزارة حقوق اإلنسان الباكستانية في يناير/ كانون الثاني ،2019 مشروع قانون إلـى وزارة القانون والـعـدل لتجريم اإلخفاء القسري من خال تعديل في قانون العقوبات الباكستاني، كما تقول فوزية أرشــد، عضو فــي مجلس الـشـيـوخ الباكستاني عــن حزب حركة اإلنصاف بزعامة عمران خان، مضيفة لـ«العربي الجديد» أن البرملان الباكستاني أقر القانون في الثامن من نوفمبر/ تشرين الــثــانــي ،2021 وتــتــابــع: «كــــان مـــن املـفـتـرض عرض القانون أمام مجلس الشيوخ إلقراره، لكن الحكومة الحالية لم تفعل ذلك». وال يــمــكــن احــــتــــواء هـــــذه الـــظـــاهـــرة إال بـعـد تفعيل القانون الـذي يجرم اإلخفاء القسري ويأمر بمثول املتهمن أمام املحاكم، وينص على عقوبات تصل إلــى السجن ملــدة خمس سنوات وفـرض مائة ألف روبية باكستانية 416( دوالرًا أميركيا) كغرامة على أي شخص ثـبـت ضـلـوعـه فــي أحــــداث اإلخـــفـــاء الـقـسـري، مهما كان منصبه، حسب تأكيد أرشد.