Al Araby Al Jadeed

إقليم كردستان العراق في رؤية محايدة

- فارس الخطاب

هــــنــــ­اك ســــجــــ­ل حـــــافــ­ـــل بـــالـــت­ـــفـــاصـ­ــيـــل عـن دور الــــحـــ­ـزبــــن الــــكـــ­ـرديــــن الـــرئـــ­يـــســـيـ­ــن فــــي كــــردســ­ــتــــان الــــــعـ­ـــــراق، الـــديـــ­مـــقـــرا­طـــي الـــــكــ­ـــردســــ­ـتـــــانـ­ــــي واالتـــــ­ــــحـــــ­ــــاد الــــوطــ­ــنــــي الــــكـــ­ـردســــتـ­ـــانــــي، فـــــي الـــتـــع­ـــامـــل مـــــع دول ومـنـظـمـا­ت إقليمية ودولـــيــ­ـة، فــي سبيل الـحـصـول على مكاسب تتعلق بحقوق األكراد، كأقلية عرقية في خريطة العراق اإلنسانية والسياسية. ويخطئ من يظن أن العالقة السلبية مع الحكومة املركزية في بغداد كانت حصرًا خـالل فترة حكم حـزب البعث العربي االشتراكي -1968( ،)2003 بـــل لــعــل تــلــك الـــفـــت­ـــرة كـــانـــت من أفـــضـــل فـــتـــرا­ت تـــاريـــ­خ الـــعـــا­لقـــة الــكــردي­ــة مـــع املـــركــ­ـز عــلــى اإلطــــــ­ـالق، حــيــث قــدمــت الحكومة العراقية مشروع قانون الحكم الذاتي، وصدر بعد موافقة القائد الكردي املــــال مـصـطـفـى الـــبـــر­زانـــي عـلـيـه بـتـاريـخ 11 مــــــارس/ آذار ،1970 وحــــــدد حـــدود املحافظات الكردية، أربيل والسليماني­ة ودهـــــــ­ــــــوك ومـــــنــ­ـــاطـــــ­ق أخــــــــ­ـــرى مــــــحــ­ــــاددة ملــحــافـ­ـظــات ديـــالـــ­ى ونـــيـــن­ـــوى والــتــأم­ــيــم. وجرى اعتماد اإلحصاء الرسمي للدولة الـــــذي يــشــيــر إلــــى أن هــــذه املـــنـــ­اطـــق ذات أغلبية كردية. ومنذ ذلـك التاريخ، جرى تــمــثــي­ــل األكــــــ­ـــراد فــــي جــمــيــع مــؤســســ­ات الدولة، مع إنشاء مجلس تشريعي خاص باملنطقة الـكـرديـة، والسماح باستخدام اللغة الكردية في منطقة الحكم الذاتي، كــمــا جــــرى االتـــفــ­ـاق عــلــى تـــدريـــ­س الـلـغـة الــكــردي­ــة فــي مـنـاهـج الـتـعـلـي­ـم فــي عموم أنحاء العراق، واألهم االعتراف دستوريًا بـالـقـومـ­يـة الـــكـــر­ديـــة مــكــونــًا مــضــافــًا إلــى املكون العربي. وعلى الرغم من أن معاناة شعب العراق الكردي تعد األدنى مقارنة بأكراد سورية وتركيا وإيـــران، فـإن أيـًا منهم لم يحصل عـــلـــى أيــــــة حـــــقـــ­ــوق، وهــــــو تـــحـــت مــطــرقــ­ة األنــظــم­ــة هـــنـــاك، مـــع مـــحـــاو­الت مبرمجة تمزج بحروب ال هوادة فيها مع جيوش هذه الـدول من جهة، ومحاوالت التغيير الـــثـــق­ـــافـــي والـــديــ­ـمـــغـــر­افـــي لـــهـــم، مــــن جـهـة أخرى، إال أن اإلعالم الغربي لم يركز على مــعــانــ­اة أكـــــراد هـــذه الـــــدول إال مـــن بعض الــتــوظـ­ـيــفــات الـسـيـاسـ­يـة املـــحـــ­دودة جـــدًا، بــل ظــل عــقــودًا يـضـع أكــــراد الــعــراق تحت مجهره، وبدرجة عالية من الحرفية، حتى إن عامة مواطني أكراد العراق ذاته كانوا يــصــدقــ­ون مــا تبثه وســائــل اإلعــــال­م، مما دفع آالفًا منهم إلى الهروب الجماعي إلى إيــــران وتــركــيـ­ـا، وســـط تـصـويـر بـمـؤثـرات إعـــالمــ­ـيـــة تـــكـــرر عــلــى أنـــظـــا­ر املـسـتـقـ­بـلـن

لــهــا ومـسـامـعـ­هـم مـــــرات عـــدة يــومــيــًا. زاد مـــن الـــطـــن بـــلـــة أن الــحــزبـ­ـن الـرئـيـسـ­يـن فـي كردستان الـعـراق تعاونا مـع أطــراف عــديــدة شـكـلـت، خـــارج الـــعـــر­اق، مــا سمي بــ«املـعـارضـ­ة العراقية» التي كانت مـادة الـــواليـ­ــات املــتــحـ­ـدة وبـريـطـان­ـيـا لتسهيل رؤية واشنطن ولندن للحرب على العراق ،2003 الــتــاري­ــخ الـــذي قـيـل أيــضــًا عـنـه إن هـذيـن الـحـزبـن طلبا مــن الـحـاكـم املدني األميركي السابق في العراق، بول بريمر، وبـحـسـب لــقــاء صـحـافـي لــه مــع صحيفة عربية عام ،2009 قال إن «قرار حل الجيش الـــعـــر­اقـــي الـــســـا­بـــق جــــاء بــــإصـــ­ـرار الــقــوى الكردية على ذلك، وتهديدها باالنفصال عن العراق ما لم يجر حل الجيش»، وهو أمر كذبته قيادات الحزبن الكردين، لكن تصريحات بعض قياديي حزب االتحاد الوطني الكردستاني أكــدت على حقيقة مــوافــقـ­ـة قــــادة الـــحـــز­بـــن، جــــالل طـالـبـانـ­ي ومـــســـع­ـــود الـــبـــر­زانـــي، عــلــى حـــل الـجـيـش الــعــراق­ــي؛ وبــــرر عـضـو املـكـتـب السياسي لــحــزب االتـــحــ­ـاد، ســعــدي أحــمــد بــيــرة، أن «الجانب الكردي أبدى موافقته على قرار حـل الجيش السابق الــذي استخدم منذ تأسيسه أداة طيعة عمياء مــن األنظمة السابقة لقمع الشعب الــكــردي، والدليل عـــلـــى ذلـــــك هــــو األمـــــج­ـــــاد الـــتـــي تـنـسـبـهـ­ا

هناك دائمًا في المركز من يثير الفتن السياسية تجاه اإلقليم، ومحاولة تأخير عجلة التطور فيه أو إيقافها

الــــدوائ­ــــر الــعــربـ­ـيــة الــشــوفـ­ـيــنــيــ­ة إلــــى ذلــك الـجـيـش، واملتمثلة بـادعـاءات­ـهـا فـي قمع وإخـــمـــ­اد مـــا تـصـفـه بــالــحــ­ركــات الــكــردي­ــة االنــفــص­ــالــيــة، مــتــذرعـ­ـة فــي ذلـــك بصيانة وحــدة الـعـراق؛ لـذا فـإن جيشا أعــد ودرب ولقن بهذا األسلوب ينبغي أن يحل، وأن يجتث من جذوره ويعاد تشكيله، ليكون جـيـشـًا وطــنــيــًا، مهمته الــوحــيـ­ـدة الــدفــاع عـــن أرض الــــوطــ­ــن، مـــن دون الــبــحــ­ث عن كبش فداء مثل الشعب الكردي، واتخاذه حجة لتنفيذ الجرائم، كما فعل الجيش السابق». كانت مشاركة أكراد العراق في إدارة دفة حكم الـعـراق بعد تشكيل مجلس الحكم في 12 يوليو/ تموز 2003 نقطة تحول إيجابية فــي العملية السياسية هناك، كما أن تحويلها أراضي اإلقليم إلى ماذ آمـــن لـكـل الــعــراق­ــيــن الـــذيـــ­ن استهدفتهم الطائفية واملليشيات املـؤدلـجـ­ة، وحتى بــعــض األجــــهـ­ـــزة األمـــنــ­ـيـــة، وفــيــهــ­م طيف كبير من العلماء واألطــبــ­اء، وحتى قادة فـي الجيش الـعـراقـي الـسـابـق، الـــذي كان إلـــــى فـــتـــرة قـــريـــب­ـــة جــــــدًا، ال ضـــابـــط لــهــا، أوجــــد إحــســاسـ­ـًا بـــالـــو­الء واالمـــتـ­ــنـــان من كــل املـحـافـظ­ـات الـعـراقـي­ـة، بـكـل طوائفها لقيادة اإلقليم وشعبه. رغم النجاحات الكبيرة واملثيرة إلعجاب العالم بـأسـره ملـا آلــت إليه أحـــوال منطقة إقـــلـــي­ـــم كــــردســ­ــتــــان الـــــعــ­ـــراق االقـــتــ­ـصـــاديــ­ـة والــعــمـ­ـرانــيــة، واألهـــــ­م فـــي مــجــال التنمية البشرية، فإن هناك دائمًا في املركز من يثير الفنت السياسية تجاه اإلقليم، ومحاولة تــأخــيــ­ر عـجـلـة هــــذا الــتــطــ­ور أو إيــقــافـ­ـهــا، فـا تـكـاد تخلو فـتـرة، قصيرة أم طويلة، حتى يفتعل شــركــاء العملية السياسية أزمــــة مــع اإلقــلــي­ــم، وجــديــده­ــا أخــيــرًا قــرار املحكمة االتحادية نهاية الشهر املاضي (يناير/ كانون الثاني)، إلغاء كل القرارات الـخـاصـة بتحويل األمــــوا­ل الـشـهـريـ­ة إلـى إقليم كــردســتـ­ـان. وتعيد هــذه اإلجــــرا­ءات املتعمدة، في كل مرة، إلى شعب كردستان مـــخـــاو­ف الــتــراج­ــع االقـــتــ­ـصـــادي، وتــؤخــر لـزمـن مــا عجلة الـنـمـو بـمـا سيجلبه هـذا الـنـمـو مــن رخــــاء فــي املـعـيـشـ­ة، ورقــــي في تكريس الـحـيـاة املـدنـيـة. ولـكـن مما ال بد مـن قـولـه أيـضـًا إن قـيـادة اإلقليم ارتكبت خطأين، أحدهما مضى لكنه ترك بصمة واآلخـــــ­ر مـسـتـمـر، الــــذي مــضــى هـــو لـجـوء اإلقليم إلى إعـان استفتاء االنفصال عن الــعــراق فـي مناطق كـردسـتـان عــام .2017 أما املستمر فهو دور األكــراد في العملية الـسـيـاسـ­يـة، فــاملــرا­قــب يـــرى أن القائمتن الكرديتن تدخان االنتخابات، وتضعان ثقلهما مع من سيعطيهما مكاسب أكثر لإلقليم، ال ملن سيعطي للعراقين مكاسب يـنـتـظـرو­نـهـا مـنـذ 20 عــامــًا. ولــســان حـال الــوطــنـ­ـيــن الـــعـــر­اقـــيـــن، فــيــمــا لـــو اتــحــدت القائمتان الكرديتان، إن في الوسع قلب املـــعـــ­ادلـــة الــســيــ­اســيــة، حــيــث ســيــكــو­ن مع الــقــائـ­ـمــتــن كـــل املـــتـــ­ضـــ ّرريـــن، جــــــ ّراء تــفــ ّرد طـــرف واحــــد، وبـعـنـاوي­ـن شـتـى، بأسلوب إدارة الـدولـة، وبنفس وبرنامج طائفين واضحن ومعلومن.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar