Al Araby Al Jadeed

فلسطين خارج معادلة التطبيع

- حسام كنفاني

خالل األيام القليلة املاضية، عادت قضية فلسطني إلى دائرة االهتمام العاملي، بعد املجزرة التي ارتكبتها قوات االحتالل في جنني والعملية التي نفذها شاب فلسطيني في القدس املحتلة. حدثان حركا الواليات املتحدة مجددًا باتجاه القضية الفلسطينية لكن وفق أجندات جديدة ليس لها عالقة بأي من العناوين التي تطالب فيها السلطة الفلسطينية. كانت الفتة زيارة وزير الخارجية األميركي أنتوني بلينكن إلى املنطقة بعد التصعيد األخير، في محاولة الحتواء األمر ومنع تدحرجه إلى مواجهات موسعة، فالتركيز األمـيـركـ­ي حاليًا هـو على ملفات أخــرى تتصدرها الـحـرب فـي أوكرانيا وامللف النووي اإليراني. لكن هذا الحرص األميركي على احتواء الوضع في الضفة الغربية لم يرتبط بأي حديث عن أفق سياسي ممكن للقضية الفلسطيني، حتى أن وزير الخارجية األميركي رفض اقتراحًا مصريًا لجمع الفلسطينين­ي واإلسرائيل­يني على طاولة مفاوضات في شرم الشيخ تكون مقدمة لعودة مسار التسوية، وهو جل ما يريده الرئيس الفلسطيني محمود عباس. إال أن بلينكن اعتبر أن األمـر سابق ألوانه، وسيكون مضيعة للوقت، وهو ال شك محق. لكن في املقابل، لم ينس تقديم الهدايا إلسرائيل في إطار محاولته تهدئة األوضـاع، بحسب ما كشفت الصحف اإلسرائيلي­ة. فالوزير األميركي حمل لرئيس حكومة االحتالل بنيامني نتنياهو صفقة قوامها «تعاون أميركي في مواجهة إيران، وتطبيع العالقات مع السعودية، مقابل تمييع نتنياهو وعوده االنتخابية ووعود شركائه، والعمل على تهدئة الوضع واملحافظة على الوضع القائم في املسجد األقصى، وتعزيز السلطة الفلسطينية، وكبح النشاط االستيطاني، على أن تعمل الحكومة اإلسرائيلي­ة في هذه القضايا وفق الخطوط الحمراء التي تحددها اإلدارة األميركية»، وفق ما نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، والتي قالت إن العرض األميركي حظي بموافقة نتنياهو. مجددًا ال حديث عن أفق سياسي للقضية الفلسطينية، ومع ذلك تم إدراج التطبيع مـع السعودية فـي الصفقة، رغـم أن الحديث العلني السعودي سابقًا كـان يربط أي تقدم في العالقة مع إسرائيل بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وهو ما قاله وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، قبل أسبوعني في مقابلة مع وكالة «بلومبيرغ» على هامش «منتدى دافــوس». الوزير السعودي رأى أن «التطبيع مع إسـرائـيـل هـو أمــر يصب فـي مصلحة املنطقة إلــى حـد كـبـيـر»، لكنه أضـــاف «مع ذلــك، التطبيع الحقيقي، واالسـتـقـ­رار الحقيقي، سيتحققان فقط مـن خــالل منح الفلسطينين­ي األمل، ومن خالل منحهم الكرامة»، مشددًا على أن ذلك «يتطلب إعطاء الفلسطينين­ي دولة، وتلك هي األولوية». ما الذي تغير؟ وهل يمكن لبلينكن أن يقدم عرضه لنتنياهو من دون الحصول على ضوء أخضر سعودي؟ أم أن فلسطني باتت خارج املعادلة التطبيعية؟ بناء على ما رأيناه ونراه حاليًا، فلعل اإلجابة األخيرة هي الصحيحة، إذ إن مسار التطبيع القائم بني دول عربية واالحتالل لم يعد له أي ارتباط بالقضية الفلسطينية. األمر بدأته اإلمـارات العربية املتحدة والبحرين واملغرب ضمن «اتفاقات أبراهام»، والـتـي يبدو أن اإلدارة األميركية ال تــزال مهتمة بتعزيزها رغــم أنــه تركة اإلدارة الجمهورية، ولــن ينتهي مـع الــســودا­ن الــذي استقبل قبل يومني وزيــر الخارجية اإلسرائيلي إيلي كـوهـني، ويعد لتوقيع اتـفـاق تطبيع عـالقـات مـع دولــة االحـتـالل، وبالتالي االنضمام رسميًا إلى قائمة «أبراهام». كوهني نفسه أعلن أن ست أو سبع دول عربية وإسالمية في طريقها للتطبيع أيضًا مع إسرائيل، وشدد على فكرة فك االرتباط بني التطبيع مع إسرائيل والدولة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن حكومات بنيامني نتنياهو أثبتت «فشل شعار اليسار (اإلسرائيلي) بأنه ال يمكن التوصل التفاقيات سالم مع الدول العربية، طاملا لم يجر حل القضية الفلسطينية». كوهني

ًِ كان صريحا في تكريس هذه الفكرة، وهو ما تتبناه اإلدارة األميركية، وتساعد فيه دول عربية، في ظل غياب أي رد فعل شعبي عربي على توسع إطار التطبيع.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Qatar